وجدت دراسة قادها باحثو جامعة براون أن الفحص السريع لوجود اضطراب نفسي، قد يكون فعّالًا في تقييم مخاطر إصابة المريض بالأمراض القلبية الوعائية. إذ نوّه الباحثون بأن طريقة الفحص النفسي سهلة وفعّالة على مقدمي الرعاية الصحية، ولا تحتاج تعمّقًا بعلم النفس.
ففي بحث «تحليل تلوي» شمِل أكثر من 600,000 مريض في 28 دراسةً، بيّن الباحثون أن الاضطرابات النفسية التي قُيِّمت باستبيانات قصيرة، ارتبطت بزيادة خطر الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية بنسبة 30٪ تقريبًا. نُشرت النتائج يوم الاثنين في السابع من تشرين الثاني، في مجلة إعادة التأهيل والوقاية القلبية الرئوية.
قالت المؤلفة المشاركة في الدراسة كارلي غولدشتاين -الأستاذة المساعدة في الطب النفسي والسلوك البشري في كلية الطب «وارِن ألبرت» بجامعة براون- إن النتائج تشير إلى إمكانية تقديم الأطباء استبيانًا موجَزًا لقياس الصحة العقلية للمرضى في أثناء الزيارة، وبناءً على الإجابات الذاتية لهم، تُستخلص فكرة أفضل عن مخاطر الصحة العقلية لديهم، وعلاوةً على ذلك يمكن التوصل إلى المخاطر المرتبطة بالإصابة بالأمراض القلبية الوعائية.
وبعدها يستطيع الطبيب أن يقدّم توصيات للمريض حول تحسين صحته العقلية؛ لمساعدته على تحسين صحة القلب والأوعية الدموية، بحسب غولدشتاين.
وقالت أيضًا: «يوضح هذا البحث ارتباط الاضطرابات النفسية مباشرةً بمخاطر الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية، ما يعطي فرصةً للأطباء لمساعدة المرضى على تدبّر تلك المخاطر مع الوقت من أجل صحة عامة أفضل».
وتُظهر الأدلة الوافرة أن الاضطرابات النفسية -مثل الأعراض الاكتئابية والقلق واضطراب ما بعد الصدمة والضغط النفسي والاجتماعي- مرتبطة بخطر الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية. وقالت غولدشتاين إنه ومع ذلك لم يوجد تطبيق عملي لهذه المعلومات من قِبَل الأطباء، وأضافت إنه لم يكن معروفًا مدى إمكانية تطبيق فحصٍ موجزٍ للاضطراب النفسي في التنبؤ بمخاطر الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية.
ركزت معظم الأبحاث التي تربط بين الصحة النفسية والأمراض القلبية الوعائية على المرضى المُشخَّصين مسبقًا بهذه الأمراض، وذلك وفقًا لما قالته المؤلفة المشاركة في الدراسة أليسون جافي الاختصاصية النفسية في قسم الطب الباطني في كلية الطب بجامعة ييل، والتي أكملت تدريبها قبل الدكتوراه في كلية طب جامعة براون.
قالت غافي: «نحن نعلم بالتأكيد أن الصحة النفسية مهمة في نطاق الرعاية الصحية». وقالت إن قلة الدراسات المكرسة لفهم كيفية تأثير الصحة النفسية في الأمراض القلبية الوعائية، قد ينذر بمخاطر مع مرور الوقت.
ولتحري هذا الارتباط بين الناس عامةً، استخدم الباحثون ثلاث قواعد بيانات كبيرة لدراسات تضمنت فئات عديدة شملت البالغين دون تشخيص مرض نفسي سابق، والخاضعين لفحوص الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة، بالإضافة إلى الذين يعانون أعراضًا في الصحة العقلية عامةً. وتوبِعوا أكثر من ستة أشهر لتحديد مخاطر الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية.
وقد تضمنت فقط الأبحاثَ المنشورة في السنوات الخمس الماضية، إذ شملت الدراسة 658331 مشاركًا، 58٪ منهم نساء.
وجد التحليل التلوي ارتباطًا بين الاضطرابات النفسية المقيَّمة بفحوص موجزة بالأمراض القلبية الوعائية، إذ وجد الباحثون أن المشاركين الذين أبلغوا عن ضغوط نفسية عالية أظهروا خطرًا أكبر بنسبة 28٪ للإصابة بالأمراض القلبية الوعائية، مقارنةً بأولئك الذين يعانون اضطرابًا منخفضًا أومعدومًا.
تضيف جافي إن الفحوصات في الدراسات التي حُلِّلت كانت موجزةً، ومعروفةً. لذلك فإن ليس من الصعب على مقدمي الرعاية الصحية اكتشاف الاضطرابات.
نعتقد أن استخدام هذه الفحوصات الموجزة -سواء في المستشفى أو مكان للرعاية الصحية المجتمعية- يوفّر ملاحظات مفيدةً في فهم مخاطر الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية على نطاق أوسع مقارنةً باستخدام المزيد من التقييمات القياسية فقط، مثل ضغط الدم، أو مستويات الكوليسترول. وعلى الجانب الآخر، حتى المرضى الذين لا يعانون اضطرابات نفسية شديدة قد يستفيدون من الدعم السريري الإضافي من أجل مساعدتهم على الوقاية من الأمراض القلبية الوعائية».
وبتَتبُّع أحدث الإرشادات من جمعية القلب الأمريكية -التي تتضمن القائمة المرجعية لعوامل الصحة ونمط الحياة من أجل صحة قلبية وعائية مُثلى- أشار الباحثون إلى أهمية «النوم الصحي» بوصفه جانبًا أساسيًا من جوانب صحة القلب الجيدة، بينما «تدبير الشدة النفسية، والصحة العقلية» لم يُضف حتى الآن!
قالت المؤلفة المشاركة إميلي غاثرايت الأستاذة المساعدة في الطب النفسي، والسلوك البشري في كلية طب وارِن ألبرت: «توجد كميّة وافرة من الأدلة التي تشير إلى أن الأفراد الذين يعانون اضطرابات نفسية شديدة، يميلون إلى أن يكونوا أسوأ مع العوامل الأخرى» في قائمة المراجعة. دراستنا هي جزء من الأدلة المتراكمة على أهمية الاضطرابات النفسية في تشخيص الأمراض القلبية الوعائية، كذلك السلوكيات الصحية، وعوامل الخطر الأخرى مثل النشاط البدني، ومستويات الكوليسترول التي يراقبها الأطباء».
بعبارة أخرى قال الباحثون إنه يجب توسيع قائمة المراجعة لتشمل صحةً عقليةً جيدةً.
وأشارت غولدشتاين إلى أنه في الدراسات التي تحرّاها الباحثون في تحليلهم التلوي؛ كان أكثر الاضطرابات النفسية شيوعًا هو الاكتئاب. ولكن القلق يساهم أيضًا في حدوث اضطرابات نفسية قد تظهر بطرق مختلفة عن الاكتئاب؛ لذلك ينبغي للفحوص أن تشمل تقييمًا للقلق والاكتئاب من جميع الجوانب.
قالت غولدشتاين إن الباحثين النفسيين الثلاثة (معها) في هذا البحث يعملون على إعادة تأهيل القلب؛ أي أنهم على دراية بأهمية دعم الصحة النفسية لدعم الصحة القلبية الوعائية.
قالت غولدشتاين: «أود أن أشجع جميع مزودي خدمات الصحة القلبية الوعائية والمختصين وأيضًا مزودي خدمات الرعاية الأولية على القيام بنوع من الفحص الموجز للاضطراب النفسي لتقييم مخاطر القلب، والأوعية الدموية. وأرى أيضًا أن من الضروري تقديم نبذة للمراجعين فيما يخص الجانب النفسي وإرشادهم إلى المصادر المجانية المتاحة للعامة».
ساهمت لورين فليتشر أيضًا في هذا البحث وهي أمينة مكتبة التعليم الطبي، والسريري في جامعة براون.
اقرأ أيضًا:
ما فقدان الإحساس باللذة؟ وهل يعد أحد أشكال الاكتئاب؟
ترجمة: شهاب أحمد شاعر
تدقيق: منال توفيق الضللي
مراجعة: تسنيم الطيبي