يشير مصطلح الصالح العام في العلوم السياسية إلى أي شيء يتقاسمه ويستفيد منه جميع أعضاء مجتمع معين، مقارنةً بالأشياء التي تفيد الصالح الخاص للأفراد أو قطاعات معينة من المجتمع. وفي بعض الحالات، يتطلب تأمين الأمور التي تخدم الصالح العام إجراءً جماعيًا ومشاركةً في العملية السياسية.
تعريف الصالح العام:
يستخدم مصطلح الصالح العام اليوم للإشارة إلى المرافق والمؤسسات التي يتفق جميع أعضاء المجتمع (أو معظمهم) على ضرورتها لتحقيق مصالح معينة مشتركة بينهم. وهناك بعض الأمور التي قد تندرج تحت مسمى الصالح العام في الديمقراطيات الحديثة، التي تشمل الحقوق والحريات الأساسية ونظام النقل والمؤسسات الثقافية والشرطة والسلامة العامة والنظام القضائي والنظام الانتخابي والتعليم العام والهواء النظيف والماء والإمدادات الغذائية الوفيرة والآمنة والنظام الدفاعي للدولة. ولأن مرافق وأنظمة عمل الصالح العام تؤثر في جميع أفراد المجتمع، فمن الطبيعي أن معظم المشكلات الاجتماعية مرتبطة على نحو ما بمدى جودة أو ضعف عمل هذه الأنظمة والمرافق.
من وجهة نظر اقتصادية وفلسفية، من المفترض أن تحقيق الصالح العام يتطلب درجة من التضحية من قبل العديد من أعضاء المجتمع، وغالبًا ما تتجلى هذه التضحيات في دفع ضرائب أعلى أو تكاليف أعلى للإنتاج الصناعي.
في مقالة عن المشكلات الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع الأمريكي، كتب روبرت جيه سامويلسون في مجلة نيوزويك: «إننا نواجه خيارًا بين مجتمع يقبل الناس فيه تقديم تضحيات متواضعة من أجل هدف مشترك، أو مجتمع أكثر إثارة للصراعات، إذ تدافع المجموعات عن مصالحها بأنانية». في كثير من الأحيان، يتطلب تحقيق الصالح العام في المجتمعات الحديثة، التغلب على الميل البشري لتحقيق المصلحة الشخصية دون الاكتراث للآخرين.
تاريخيًا:
على الرغم من الأهمية المتزايدة لمفهوم الصالح العام في المجتمع الحديث، فقد ورد ذكر مفهوم الصالح العام أول مرة منذ أكثر من ألفي عام في كتابات أفلاطون وأرسطو وشيشرون. وفي وقت مبكر من القرن الثاني الميلادي، عرَّفت التقاليد الدينية الكاثوليكية الصالح العام بأنه مجموع ظروف الحياة الاجتماعية التي تسمح للفئات الاجتماعية وأفرادها بالوصول الشامل نسبيًا إلى تحقيق أهدافهم.
جان جاك روسو في كتابه العقد الاجتماعي:
في كتاب العقد الاجتماعي عام 1762، يجادل الفيلسوف والكاتب والمنظر السياسي السويسري جان جاك روسو، بأنه في المجتمعات الناجحة ستكون الإرادة العامة للشعب دائمًا موجهة نحو تحقيق الصالح العام المتفق عليه جماعيًا. ويقارن روسو إرادة الجميع (مجموع رغبات كل فرد) بالإرادة العامة (الإرادة الواحدة الموجهة نحو الحفاظ على الجميع والرفاه العام). ويجادل كذلك بأن السلطة السياسية المتمثلة بالقوانين، لن يُنظر إليها على أنها شرعية وقابلة للتنفيذ إلا إذا طُبقت وفقًا للإرادة العامة للشعب وبما يخدم المصلحة العامة.
آدم سميث في كتابه ثروة الأمم:
يجادل الفيلسوف وعالم الاقتصاد الاسكتلندي آدم سميث، في كتابه المشهور ثروة الأمم لعام 1776، بأنه في أنظمة الحرية الطبيعية التي تسمح للناس من طريق قوة الاقتصاد السوق الحر بالسعي وراء مصلحتهم الذاتية، فإن الطموح الفردي يخدم الصالح العام. بقوله هذا، يجادل سميث بأن الرخاء الشامل الذي يمتد إلى نهاية درجات الهرم الطبقي سيؤدي في نهاية الأمر إلى النهوض بالصالح العام.
جون راولز في كتابه نظرية العدالة:
مثل أرسطو، عد الفيلسوف الأمريكي الأخلاقي والسياسي جون راولز الصالحَ العام قلب النظام الأخلاقي والاقتصادي والسياسي السليم. وفي كتابه نظرية العدالة عام 1971، يعرّف راولز الصالح العام بأنه «شروط عامة معينة تتساوى لصالح الجميع». ففي هذا السياق، يساوي راولز الصالح العام بمزيج من الظروف الاجتماعية المتساوية والمشتركة، مثل الحريات الأساسية والفرص الاقتصادية العادلة التي تأتي مع المواطنة.
ومثل آدم سميث، يجادل راولز أيضًا بأنه من أجل تحقيق الصالح العام، يتحمل المجتمع مسؤولية مشتركة لضمان الحفاظ على رفاهية الطبقة الأقل حظًا على الصعيد الاقتصادي. في الحقيقة، ينص مبدؤه الثاني للعدالة على أنه من أجل الحفاظ على الصالح العام، يجب إعطاء الأولوية لجميع التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية لتكون الحصة الأكبر من الفائدة لأفراد المجتمع الأقل حظًا. وأن توضع السياسات على أساس أن جميع المناصب يجب أن تكون مفتوحة للجميع في ظل ظروف من المساواة العادلة في الفرص.
أمثلة حديثة عملية:
يتطلب تحقيق الصالح العام دائمًا درجة من التضحية الفردية. فاليوم، غالبًا ما تتضمن التنازلات والتضحيات الضرورية للصالح العام دفع الضرائب، أو قبول الإزعاج الشخصي، أو التخلي عن معتقدات وامتيازات ثقافية معينة طويلة الأمد. وفي حين تقدَّم أحيانًا هذه التضحيات والتنازلات بنحو طوعي، فعادةً ما تدمَج في القوانين والسياسة العامة. ومن الأمثلة الحديثة على الصالح العام والتضحيات التي ينطوي عليها تحقيقها ما يلي:
تحسين البنية التحتية العامة:
غالبًا، تتطلب تحسينات البنية التحتية العامة -مثل طرق سريعة أكثر ملائمة وأمان والمواصلات العامة وخطوط المياه والصرف الصحي والكهرباء الجديدة والسدود والخزانات والمنشآت الثقافية- دفع ضرائب جديدة أو زائدة. علاوة على ذلك، تمنح بعض القوانين للحكومة الحق في مصادرة الممتلكات الخاصة مقابل تعويض عادل، عندما تكون الممتلكات ضرورية لمرافق البنية التحتية التي تخدم الصالح العام، مثل المدارس العامة والحدائق العامة وعمليات النقل والخدمات العامة. في عام 2005، وسَّعت المحكمة العليا الأمريكية -في القضية بِن كيلو ضد مدينة نيو لندن- نطاق السماح للحكومات بالاستيلاء على الملكية الخاصة لاستخدامها في إعادة تطوير أو تنشيط المناطق التي تعاني من الكساد الاقتصادي. في هذا القرار، حددت المحكمة أيضًا مصطلح «الاستخدام العام» لوصف المنفعة العامة أو الرفاه العام، التي طالما كانت تُعد عناصر للصالح العام.
الحقوق المدنية والمساواة العرقية:
في مجال التخلي عن الامتيازات المفترضة والمعتقدات الثقافية الراسخة من أجل الصالح العام، تبرز بعض الأمثلة مثل النضال من أجل المساواة العرقية والحقوق المدنية في الولايات المتحدة. حتى بعد الحرب الأهلية، ونهاية استعباد السود من خلال إعلان التحرر والتعديل الدستوري الثالث عشر، فإن تنفيذ مطالبات الحركات الحقوقية المدنية في الستينيات لم يحصل دون تدخل حكومي واسع النطاق. ونادرًا ما حدث طوعًا، فقد تطلّب التنازل عن بقايا «الامتياز الأبيض» أن يُطبَّق على نطاق واسع بقوة القانون، متضمنًا تمرير قانون الحقوق المدنية لعام 1964، وقانون حقوق التصويت لعام 1965، وقانون الإسكان العادل لعام 1968.
جودة البيئة:
يوجد اليوم القليل من الجدل حول أن الهواء النظيف والماء -إلى جانب وفرة الموارد الطبيعية- يفيد الصالح العام. ومع ذلك، فإن عملية ضمان جودة البيئية قد تطلبت -ومن المرجح أن تستمر- في طلب تدخل الحكومة إلى جانب التنازلات الفردية. منذ أوائل الستينيات، أعرب الأمريكيون عن قلقهم المتزايد بشأن التأثير الضار للنمو الصناعي على البيئة. وقد تناقصت هذه المخاوف بعد تمرير سلسلة من القوانين بمشقة، متضمنةً قانون الهواء النظيف لعام 1963، وقانون المياه النظيفة لعام 1972، وقانون الأنواع المهددة بالانقراض لعام 1973، وقانون مياه الشرب الآمنة لعام 1974. إن تطبيق هذه القوانين إضافةً إلى المئات من اللوائح الفيدرالية المثيرة للجدل، غالبًا ما يكون من الضروري تطبيقها لتقديم تضحية اقتصادية كبيرة من جانب القطاع الصناعي. مثلًا، أجبِرت شركات تصنيع السيارات على الامتثال لسلسلة من الإجراءات، مثل اقتصاد استهلاك الوقود المكلف، ووضع قوانين للحد من تلوث الهواء. ومع ذلك، يجادل دعاة حماية البيئة بأن الحكومة تتحمل التزامًا مجتمعيًا لحماية البيئة الطبيعية من أجل الصالح العام، حتى لو كان القيام بذلك يتطلب التضحية ببعض النمو الاقتصادي.
اقرأ أيضًا:
ترجمة: وراد الحماده
تدقيق: جنى الغضبان
مراجعة: حسين جرود