تتميز الأرض بظاهرة الشفق القطبي وتُعرَف بظاهرة الأضواء الشمالية والجنوبية، الناجمة عن تفاعل الجسيمات المشحونة من الشمس مع غلاف كوكبنا الجوي، إذ تتبع هذه الجسيمات حقل الأرض المغناطيسي، ثم تصطدم بالأكسجين والنتروجين في الهواء، لتظهر لنا هذه الألوان المذهلة التي نشاهدها.
رُصِد نشاط شفقي في الأطوال الموجية الأخرى أيضًا مثل الأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية على الكواكب الأخرى بالإضافة إلى المذنب 67P والقزم البني، والآن يمكننا إضافة عطارد إلى هذه القائمة.
أظهرت دراسة جديدة باستخدام البيانات المتعلقة بأول رحلة طيران لمسبار BepiColombo إلى أصغر الكواكب، عام 2021، أن الشفق القطبي الجنوبي لعطارد، يشبه ذلك الذي يُرى على الأرض والمريخ، وهذا يشير إلى أن الآليات المسببة لظاهرة الشفق القطبي في الأغلفة المغناطيسية للكواكب قد تكون متماثلة في جميع أنحاء النظام الشمسي.
حلل مسبار Mio لأغلفة عطارد المغناطيسية، والتابع للبعثة الأوروبية اليابانية المشتركة، كيفية تفاعل الكوكب مع بلازما الرياح الشمسية، إذ يبلغ حقل عطارد المغناطيسي أكثر من 1% من حقل الأرض، لكنه ما يزال يؤثر على الرياح الشمسية، ولأول مرة رصد الفريق أمطار البلازما وخاصة الإلكترونات التي تترسب على الكوكب. وكان من المتوقع حدوث ذلك استنادًا إلى البيانات السابقة من مسبار MESSENGER، لكنه لم يرصد قبل الآن.
إن الاختلاف الآخر بين عطارد والكواكب الأخرى هو افتقار عطارد للغلاف الجوي، وقلة سماكته لذلك يطلق عليه اسم (الغلاف الخارجي) وبسبب رقة هذا الغلاف تصل الإلكترونات إلى السطح وتسبب توهجًا للصخور بالأشعة السينية. وفي الوقت الذي تختلف ظاهرتا الشفق القطبي في كل من الغلاف الجوي للأرض وسطح عطارد المتوهج، فإنهما تتماثلان بالآلية. تهطل البلازما على مكونات الكوكب مسببة توهجها.
جاء على لسان الباحث الرئيسي الدكتور ساي أيزاوا من معهد البحوث في الفيزياء الفلكية والكواكب: «نعتبر أن توهج الأشعة السينية من السطح هي نفسها ظاهرة الشفق، لأن الآلية واحدة في كليهما وهذا يعني أن أية أجسام أخرى في النظام الشمسي أو الكواكب الخارجية لا تحتوي على غلاف جوي سميك يمكن أن تحدث بها هذه الظاهرة.
أتوقع أيضًا أن تكون الظاهرة أكثر شيوعًا في الكون خصوصًا في الأماكن التي يوجد فيها حقل مغناطيسي».
تستخدم مركبة BepiColombo تقنية المرورات القريبة من عطارد، لإبطاء سرعتها والدخول في مدار قريب من الكوكب دون استهلاك الوقود الثمين، وعند حدوث ذلك في غضون بضع سنوات، ستستطيع المركبتان الرئيسيتان للبعثة، Mio ومسبار عطارد MPO، الانفصال والنظر إلى الكوكب من مدارين مختلفين، لذلك سيتمكن العلماء من رؤية الشفق القطبي للأشعة السينية المنبعث من سطح الكوكب تزامنًا مع فهم أفضل لكيفية ارتباط كل من المجال المغناطيسي، والبلازما الشمسية، والغلاف الخارجي وسطح الكوكب.
وأوضح الدكتور أيزاوا في حديثه قائلًا: «ستُقاس الأشعة السينية بوساطة جهاز SISX أي جهاز قياس كثافة الأشعة السينية والجسيمات الشمسية الموجود على متن مركبة MPO، وستدور المركبة بالقرب من الكوكب وستراقب الإلكترونات ذات النطاق الأوسع بوساطة جهاز تحليل الإلكترونات لعطارد (MEA)، والموجود على متن مركبة Mio، والتي سيكون لها مدار مختلف قليًلا وأبعد أيضًا.
بالكاد بدأت مركبة BepiColombo رحلتها، ولن تصل إلى مدار عطارد حتى عام 2025، ولكن في المستقبل يُتوقَّع الكثير من هذه المهمة.
اقرأ أيضًا:
باحثون يرصدون عواصف جيومغناطيسية منطلقة من كوكب عطارد
لماذا سطح كوكب عطارد مغطى بالألماس؟
ترجمة: ياسمين سيد نبوي
تدقيق: نور حمود