هل الغضب أمر صحي؟
يختبر جميع الناس الغضب، لكن تتفاوت شدته من انزعاج عميق إلى نوبة غضب عارمة. وعلى أية حال، من الطبيعي والصحي الشعور بالغضب من وقتٍ لآخر استجابةً لبعض الأوضاع، لكن في بعض الأحيان يعيش الناس غضبًا لا يمكن السيطرة عليه، وغالبًا ما يتصعّد تحديدًا عندما يكون المحرّض بسيطًا. في هذه الحال، لا يكون الغضب شعورًا طبيعيًا بل مشكلةً كبيرةً!
ما سبب الغضب ومشكلاته؟
ينتج الغضب عن مصادر متنوعة، وقد تتفاوت شدته بدرجة كبيرة. ومن محفزات الغضب الشائعة:
- المشاكل الشخصية مثل تفويت ترقية في العمل، أو صعوبات في العلاقة العاطفية.
- مشكلة يسببها شخص آخر مثل إلغاء الخطط المتفق عليها.
- حدثٌ ما مثل ازدحامٍ مروريٍّ شديد، أو التورط في حادث سيارة.
- ذكريات متعلقة بحدث صادم، أو مثير للغضب.
وقد تنتج مشكلة الغضب في حالات أخرى عن الصدمات المبكرة أو أحداث الحياة الشخصية التي شكلت شخصية الفرد على ما هي عليه، وقد تسبب التغيرات الهرمونية أيضًا الغضب في بعض الحالات، إضافةً إلى اضطرابات نفسية أو عقلية معينة.
ما أعراض مشكلة الغضب؟
من بعض العلامات التي تشير إلى أن الغضب غير طبيعي:
- غضب يؤثر على العلاقات، والحياة الاجتماعية.
- الشعور بالحاجة لإخفاء الغضب وكبته.
- التفكير السلبي المستمر، والتركيز على التجارب السلبية.
- الشعور المستمر بنفاد الصبر والهياج والعدوانية.
- مجادلة الآخرين في أغلب الأحيان، وازدياد شدة الغضب في أثناء ذلك.
- ممارسة العنف الجسدي عند الغضب.
- تهديد الأشخاص بممارسة العنف تجاههم، أو تجاه ممتلكاتهم.
- انعدام القدرة على السيطرة على الغضب.
- الشعور بالإلزام لفعل أشياء عنيفة أو اندفاعية بسبب الغضب مثل تحطيم الأغراض، أو القيادة بتهوّر.
- تجنب مواقف معينة بسبب الشعور بالقلق، أو الإحباط فيما يخص نوبات الغضب.
ما معيار تشخيص مشكلة الغضب؟
لا يشكل الغضب بحد ذاته اضطرابًا نفسيًا، لذا لا توجد معايير تشخيصية لمشاكل الغضب في الإصدار الجديد من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5)، لكن يذكر الدليل أكثر من 32 اضطرابًا نفسيًا تشتمل على الغضب ضمن أعراضها مثل اضطراب الشخصية الحدية، والاضطراب الانفجاري المتقطع. فمن الممكن أن تكون مشكلة الغضب عرضًا لاضطراب نفسي مستبطن.
ما الذي قد يحدث إن لم تُعالَج مشكلة الغضب؟
في حال عدم التعامل مع مشكلة الغضب، قد تتصاعد يومًا ما إلى نقطة تسبب القيام بتصرّف مبالَغ فيه، ويدعو للندم. وقد يكون العنف أحد النواتج الممكنة، وقد ينتهي الأمر بغضبٍ شديد يفضي لأذية الذات، أو أذية شخصٍ عزيز، من دون نية لفعل ذلك.
من المهم طلب مساعدة المختصين عند الاشتباه بوجود مشكلة تخص الغضب. ويمكن اللجوء لاستشارة الطبيب بغرض التحويل إلى أحد مقدمي الرعاية الصحية النفسية ممن يستطيعون المساعدة.
كيف يمكن السيطرة على الغضب في المنزل؟
هناك طرق عديدة تساعد على التحكم بالغضب في المنزل.
تقنيات الاسترخاء:
تشمل هذه التقنيات التنفس العميق، وتخيّل مشاهد مريحة في الذهن؛ أي عند محاولتك للاسترخاء، تنفس بعمقٍ من رئتيك وتحكّم بطريقة تنفسك في شهيقٍ وزفيرٍ بطيئين، ثم كرر كلمةً، أو عبارةً مهدّئةً مثل «استرخِ»، أو «هوّن عليك، وخذ الأمر ببساطة».
يمكن أيضًا تخيَل تجربة تدعو للاسترخاء سواء من الذاكرة، أو من الخيال. وقد تساعد التمارين البطيئة الشبيهة باليوغا في استرخاء الجسد، ما يزيد الشعور بالهدوء، والسكينة.
إعادة التشكيل المعرفي:
يستطيع التغيير في طريقة التفكير، أن يساعد في تغيير طريقة التعبير عن الغضب. أي حين يغضب الفرد فمن السهل غالبًا التفكير بطريقة درامية، لذا من المهم التركيز على التعبير عن الأفكار العقلانية، أكثر من الأفكار غير العقلانية.
تجنب استخدام كلمات «دائمًا»، و «أبدًا» في أفكارك وكلامك فهذه الكلمات غير دقيقة، وقد تسبب شعورًا بوجود سبب وجيه للغضب، ما يجعله أسوأ. وقد تجرح هذه الكلمات أيضًا الأشخاص الآخرين الذين قد يحاولون مساعدتك في التوصل إلى حل لمشكلتك.
حل المشاكل:
قد ينتج الغضب عن مشاكل فعلية، فربما يكون بعض الغضب مسوَّغًا عندما لا تسير الأمور وفق الخطة، إلا أن الغضب لن يساعد في حل المشكلة. لذا فإن أفضل طريقة لمقاربة موقف يثير الغضب هي عدم التركيز على الحل، بل العثور على طريقة لمواجهة المشكلة.
يمكن فعل ذلك بوضع خطة وتفقدها مرارًا وتكرارًا، ما يسمح بمتابعة مستمرة لسيرها. ولا تنزعج في حال حُلَّت المشكلة بطريقة مختلفة قليلًا عن خطتك، واحرص على بذل أقصى جهد لديك فقط.
التواصل:
يميل الناس إلى التسرّع في استنتاجاتهم عند شعورهم بالغضب وقد تكون هذه النتائج غير دقيقة. أي في حال كنت في جدال يتسم بالغضب، حاول التمهل والتفكير بردودك قبل أن تدلي بانتقادٍ غاضب لأحد. وتذكر أيضًا أن تنصت للشخص الآخر في المحادثة، فالتواصل الجيد قد يساعدك في حل المشاكل قبل أن يتصاعد غضبك.
كيف يساعد العاملون في المجال الطبي على السيطرة على الغضب؟
يستطيع أحد العاملين في المجال الطبي مثل الطبيب النفسي، أو المعالج النفسي التوصية ببعض التدخلات من أجل التحكم بالغضب، وقد يساعد العلاج بالتحدث في ذلك أيضًا، إضافةً إلى صفوف تعليم التحكم بالغضب.
يمكن إجراء جلسات التحكم بالغضب وجهًا لوجه، أو عبر الإنترنت ويمكن أيضًا دراستها في الكتب. فالتحكم بالغضب يعلّم تحديد الأمور التي تسبب الإحباط في وقتٍ مبكر، ثم العمل على حلها. وقد يشمل ذلك إخبار الآخرين أو نفسك بما تحتاجه، بينما تبقى هادئًا ومسيطرًا على الموقف على عكس ما يحدث في أثناء نوبة الغضب.
يمكن أخذ هذه الجلسات فرديًا مع مستشار، أو مع مستشار برفقة شريك أو مجموعة. ويعتمد نوع الجلسات، ومدتها، وعددها على البرنامج المُتَّبَع والاحتياجات الفردية. فقد يكون هذا النوع من الاستشارات مُختصَرًا، أو قد يستمر لأسابيع، أو أشهر عديدة.
يساعد المستشار في بداية الجلسات على تحديد محفزات الغضب، وقراءة علامات الغضب في الجسد، والمشاعر. إذ إن ملاحظة، وتفقد هذه العلامات التحذيرية، تعد واحدةً من الخطوات الأولى التي يحتاجها الفرد، لتساعده في التحكم بغضبه. ويجري لاحقًا تعلّم مهاراتٍ سلوكية، وطرق تفكير تساعد على التأقلم مع الغضب. سوف يساعد المستشار أيضًا في التحكم بالاضطرابات النفسية المستبطنة في حال وجودها، وغالبًا ما يسهّل ذلك التحكم بالغضب.
لا يجب أن يقف الغضب في طريق عيش حياة سعيدة، وكاملة. تجب استشارة الطبيب، أو الطبيب النفسي في حال وجود غضبٍ مبالَغٍ فيه، فهم قادرون على المساعدة في تحديد طرق العلاج الاحترافية التي قد تساعد في التأقلم مع المشكلة.
إضافةً إلى ذلك، توجد العديد من الطرق لتعلم السيطرة على الغضب في المنزل، ومع الوقت والجهد المستمر يصبح التحكم بالغضب أسهل، وتتحسن جودة الحياة.
اقرأ أيضًا:
ما العلاقة بين سرعة الغضب وحجم الدماغ؟
ترجمة: حاتم نظام
تدقيق: منال توفيق الضللي