يعد السيروتونين ناقلًا عصبيًا أو مادة كيميائية طبيعية يطلقها الدماغ والأمعاء، تمكّن التواصل بين الخلايا، ويعد مسؤولًا عن كثير من الوظائف في الجسم، منها الهضم والنوم وصحة العظام.
يسمى السيروتونين بهرمون السعادة لأنه يؤدي دورًا في تنظيم المزاج وتحسينه، ولذلك يتساءل بعض الناس عن إمكانية زيادة كميته في الجسم.
أفادت طبيبة الأمراض النفسية والعصبية ورئيسة الأطباء في عيادة ريليف للصحة العقلية في ولاية إيلينوي تيريزا بوبراوسكي أن السيروتونين يصنَّع من الحمض الأميني التريبتوفان، لكن هذا الحمض لا ينتجه الجسم ويحتاج إليه من المصادر الغذائية، ومع إن أبحاث السيروتونين ترتبط عادة بالدماغ، فإن معظم السيروتونين تقريبًا يوجد في الخلايا المبطنة للأمعاء وفي الدم، ويوجد في الدماغ بنسبة 1% إلى 2% أو 10% بحسب مصادر أخرى.
ذكرت أيضًا أن السيروتونين المنتج في الدماغ يعمل ناقلًا عصبيًا في الدماغ والحبل الشوكي أي في الجملة العصبية المركزية CNS، ويعمل في النسج الأخرى مثل الأمعاء بمثابة هرمون، ويؤثر في الجسم بصورة مختلفة بناء على الوظيفة التي يعمل بها.
ذكرت الطبيبة تيريزا أن السيروتونين يطرح في الفراغ بين خليتين عصبيتين أو اثنين من العصبونات الذي يسمى الشق المشبكي.
يطلق أحد العصبونات السيروتونين ويتلقاه عصبون آخر، ويتحكم العصبون المطلق بكمية السيروتونين في الشق المشبكي بإعادة امتصاص الناقل العصبي أو ما يسمى بعملية إعادة القبط.
أشارت أيضًا إلى أن بعض الأدوية قد تبطئ من معدل هذه العملية ما يطيل آثار السيروتونين في العصبون المستقبل.
تعد مثبطات إعادة قبط السيروتونين الانتقائية SSRIs إحدى أنواع مضادات الاكتئاب المستخدمة لإطالة أمد تأثير السيروتونين في العصبونات التي تتأُثر به.
بالإضافة إلى تنظيم المزاج، يضبط السيروتونين عدة وظائف في الجملة العصبية المركزية، كالنوم والشهية والتعلم والذاكرة والرغبة الجنسية، بحسب الطبيبة تيريزا.
يقول طبيب الأمراض العصبية شاهين لاكهان الذي يعمل في بوسطن في ولاية ماساتشوستس إنه منذ مدة طويلة، يسود اعتقاد بأن تغيرات مستويات السيروتونين تؤثر بصورة مباشرة في المزاج، لكن النواقل العصبية أكثر تعقيدًا مما كان يُعتقد سابقًا، وتوجد علاقة حيوية أكبر بين هذه المواد الكيميائية في الدماغ ووظائف مختلفة له كالمزاج والسلوك.
ذكر أيضًا أن الدارات العصبية التي تصل منطقتين على الأقل من الدماغ ببعضهما مسؤولة عن وظائف معقدة مثل المزاج والتحفيز والمتعة والإدراك والذاكرة واللغة.
يشير ذلك إلى أنه لا وجود لجزء واحد في الدماغ أو ناقل عصبي واحد مسؤول بمفرده عن تسيير هذه الوظائف، بل العمل المشترك بين أجزاء الدماغ ونظام عملها والنواقل العصبية هو ما يشكل الدارة الدماغية، وهذا العمل لا يمكن إيقافه أو تشغيله ببساطة بل يمكن التعديل عليه.
عبرت الطبيبة بوبراوسكي أن السيروتونين لا يعمل خارج الجملة العصبية المركزية على تنظيم الوظائف المعوية فقط، بل عندما يرتبط بالصفيحات في الدم ينظم تخثر الدم ويبطئ تدفقه في أثناء عملية شفاء الجرح.
وأضافت أن السيروتونين ينتج منه الميلاتونين وكلاهما في الدماغ والأمعاء.
يؤدي هرمون الميلاتونين دورًا هامًا في دورة النوم والاستيقاظ الطبيعية أو ما يسمى بإيقاع الساعة البيولوجية.
تقول بوبرواسكي إن مستويات النواقل العصبية والهرمونات التي ينتجها الأشخاص تتباين، وتنتج بعض الأجسام السيروتونين بكمية أكبر من غيرها لأن عملية تصنيعه تعتمد على عدة عوامل تختلف من شخص لآخر، وتتنوع المستويات الدموية للتريبتوفان أو الأحماض الأمينية الكبيرة المتعلقة به بصورة كبيرة حسب النظام الغذائي لكل شخص.
أشارت أيضًا إلى أن نشاط أنزيم هيدروكسيلاز التريبتوفان الذي يتحكم بمعدل إنتاج السيروتونين يعتمد على التعبير الجيني في إشارة إلى أيّ من الجينات تنشط أو تتوقف، ويتنوع هذا الأمر كثيرًا ويتأثر بالعوامل الوراثية والبيئية.
ذكرت بوبراوسكي فيما يخص زيادة إنتاج السيروتونين أنه أمر ممكن، لكن ينتج معظم الناس كميات كافية منه، وفي حال كانت مستوياته منخفضة لدرجة تتطلب التدخل الطبي، يعمل الأطباء على تحديد سبب انخفاضها من الأساس.
يتظاهر انخفاض مستويات السيروتونين بالقلق والاكتئاب ونقص في الانتباه والأرق والنهم وزيادة الوزن بالإضافة إلى الكثير من التأثيرات الأخرى.
ينتج هذا الانخفاض عادة عن عوز في طليعة السيروتونين الحمض الأميني التريبتوفان، ويحدث ذلك وفقًا لبوبراوسكي بسبب انخفاض مستويات فيتامين B6 وحمض الفوليك والمغنزيوم، أو نظام غذائي عالي المدخول السكري، أو الإفراط في تناول الكحول أو التدخين.
أشارت الطبيبة بوبراوسكي إلى إمكانية زيادة إنتاج السيروتونين نظريًا على الأقل، وذلك بزيادة المدخول الغذائي الغني بالتريبتوفان كالأطعمة الغنية بالبروتين مثل الدواجن ولحم الخنزير والبقر الخالي من الدهون والسلمون وفول الصويا وبذور اليقطين وبذور اللب أو القرع أو التوفو (لبن الصويا) والبيض.
وأضافت أن طليعة السيروتونين هذه قد تدخل إلى الدماغ، لكن عملية نقله تسهل دخول أحماض أمينية أخرى منافسة له، ويتأثر تركيز التريبتوفان في بلازما الدم مباشرة بهذه الأحماض المنافسة، فتؤثر هذه المنافسة في امتصاص الدماغ له ما ينعكس على إنتاج السيروتونين.
ذكر الطبيب لاكهان أن زيادة السيروتونين ممكنة من خلال ممارسة الرياضة واتباع نظام غذائي وتناول المغذيات والأدوية، لكن الأمر يزيد من طاقة الجسم الحالية وليس النظام الكامل المسؤول عنه. يعد الدماغ معقدًا ولا يرتبط السيروتونين بتعديل المزاج فقط، بل يساعد أيضًا على تنظيم الانتباه والسلوك ودرجة حرارة الجسم وإنتاج هرمون النمو الميلاتونين.
علق أيضًا أنه حتى لو وُجِدت طريقة فعالة لزيادة إنتاج السيروتونين، ربما لن يستفيد الجسم من الكمية الإضافية خصوصًا لدى وجود كمية كافية بالفعل، أي أن رفع مستويات السيروتونين بزيادة إنتاجه لا يعني بالضرورة حصول تأثير مباشر في المزاج.
في النهاية، يحتاج مجال وظائف النواقل العصبية وإنتاجها إلى المزيد من الدراسات.
اقرأ أيضًا:
دراسة كبيرة تقترح أن الاكتئاب غير مرتبط بمستويات السيروتونين
ما دور الدوبامين والسيروتونين في الإدراك البشري واتخاذ القرارات؟
ترجمة: بشار ياسر محفوض
تدقيق: دوري شديد
مراجعة: محمد حسان عجك