السيرة الذاتية ل الخوارزمي
لا نملك الكثير من التفاصيل حول حياة أبو جعفر محمد بن موسى، المعروف لدى الجميع بالخوارزمي.
ومن سلبيَّات الشح الكبير في المعلومات حوله نجد توجه الباحثين نحو تخمينات أساسها الدلائل القليلة للغاية.
حيث نجد الباحث تومر (G J Toomer) يقول أنَّ اسم “الخوارزمي” يعود إلى منطقة “خوارزم” التي جاءَ منها جنوب بحر آرال في وسط آسيا.
ونقتبس من الكاتب :
“لكن المؤرخ الطبري يمنح له لقبًا إضافيًّا هو ‘القطربلّي’، في إشارة إلى مدينة قطربل التي جاء منها في العراق، وهي مقاطعة بين دجلة و الفرات ليست ببعيدة عن بغداد، لذلك ربَّما لم يأتي هو من خوارزم بل ينحدر أجداده من تلك المنطقة بدلًا عن ذلك… لقبٌ آخر يمنحه له الطبري وهو ‘المجوسي’، وهي تبدو كإشارة لإعتناقه الديانة الزرادشتيَّة القديمة. … مقدمة عمل الخوارزمي التي تحمل عنوان ‘الجبر’ تظهر أنَّه كان مسلمًا تقليديًّا، لذلك قد يقصد الطبري بذلك اللقب أجداد الخوارزمي فحسب، أو ربَّما كان الخوارزمي زرادشتيًّا في شبابه.”
على كلّ، كان للكاتب المصري رشدي راشد رأيٌ آخر في نفس الكلام الذي قاله الطبري حول الخوارزمي، حيثُ يقول منتقدًا كتابات تومر:
“كلام الطبري يجب أن يقرأ كالآتي : محمَّد بن موسى الخوارزمي و المجوسي القطربلّي… (وهنا نجد إشارة إلى شخصين، الخوارزمي ثم المجوسي القطربلّي) : لقد تمَّ حذف حرف ‘الواو’ في النسخة القديمة. لم يكن هذا جديرًا بالذكر لو لم يتمَّ استخلاص سلسلة من التخمينات حول شخصية الخوارزمي، وحتى أصل معرفته في بعض المرَّات. في مقاله، وبثقة ساذجة، قام تومر ببناء قصَّة خيالية بأسرها على أساس خطأ.”
لن يكون هذا الإختلاف الوحيد الذي سنلتقي به حول وصف حياة و عمل الخوارزمي.
وقبل النظر في الحقائق القليلة المؤكدة بشكل قاطع حول حياته، يجبُ علينا أن نلتفت لوهلة إلى الخلفيَّة الثقافيَّة و العلميَّة التي عمل عليها الخوارزمي.
صعد هارون الرَّشيد إلى عرش الدولة العباسيَّة كخامس خليفة للإمبراطوريَّة في الرابع عشر من سبتمبر لعام 786، وكان ذلك في الوقت الذي ولدَ فيه الخوارزمي.
حكم الإمبراطوريَّة الإسلاميَّة الرَّشيد من عاصمته بغداد، والتي امتدت من البحر المتوسط إلى غاية الهند.
قام الخليفة بجلب الثقافة إلى بلاطِه، وحاول تأسيس تخصصات فكريَّة لم تكن مزدهرة في العالم العربي آنذاك.
كان له ولدين، أكبرهما كان الأمين أمَّا الآخر فهو المأمون.
توفيَّ هارون الرشيد سنة 809 لينشب صراع مُسلَّح بين الأخوين بعد ذلك.
تفوَّق المأمون على شقيقه في الصراع المسلَّح و قتِل هذا الأخير سنة 813.
وكنتيجةً لذلك أصبح المأمون الخليفة الجديد للدولة العباسيَّة وحكم الإمبراطوريَّة من بغداد.
لقد واصل المأمون سياسة أبيه في رعاية العلم و قام بتأسيس أكاديميَّة سُميَّت ببيت الحكمة حيث دُرِست الفلسفة اليونانيَّة و تُرجِمت الأعمال العلميَّة.
كما قام ببناء مكتبة للمخطوطات، وكانت أكبر مكتبة عظيمة يتم إنشائها بعد مكتبة الإسكندريَّة، بجمعِ أعمال مهمَّة من البيزنطيين.
بالإضافة إلى بيت الحكمة، وضع المأمون تحت إمرة علماء الفلك المسلمين مراصدَ فلكيَّة تمَّ بنائها بالعودة إلى المعرفة المُستقاة من الشعوب القديمة.
كان الخوارزمي وزملائه “بنو موسى” من علماء بيت الحكمة في بغداد.
مهامهم هناك احتوت ترجمة المخطوطات العلميَّة اليونانيَّة، كما قاموا بدراسة الجبر والهندسة وعلم الفلك والكتابة عنها.
من دون شك، عمل الخوارزمي تحت رعاية المأمون حتَّى أنه قام بإهداء عملين من أعماله إلى الخليفة، ونتحدث هنا عن رسالتيه في الجبر وعلم الفلك.
وكانت رسالته في الجبر التي حملت عنوان “حساب الجبر و المقابلة” أشهر أعماله على الإطلاق.
وقد جاءت تسمية الجبر من عنوان عمله ذاك، وعند التحرّي بشكل أكثر حول القضية، نجدُ أنه الكتاب الأوَّل الذي كُتب في الجبر.
ويشرح الخوارزمي في كتابه هدف نشره لذلك العمل وما الذي أرادَ تعليمه، حيث يقول في إحدى المقاطع :
“… ما هو أكثر ما في علم الحساب فائدة وما هو أسهل، ما يحتاجه الناس باستمرار في حالات الميراث والتركات والقسمة والدعاوي القضائيَّة والحساب والتجارة وفي كل تعاملاتهم فيما بينهم، أو عند حساب مساحات الأراضي أو حفر القنوات، نجد أنَّ الحسابات الهندسية و الأشياء من ذلك القبيل هي المعنيَّة بالأمر.”
ذلك لا يبدو كمحتوى لنص في علم الجبر وبالفعل الجزء الأوَّل فقط من الكتاب يتحدَّث فيما قد نتعرَّف عليه اليوم كجبر.
لكن، من المهم أن نعلم غاية الخوارزمي في جعل الكتاب قابلًا للتطبيق على نطاق واسع، وكان قد طرحه لحلّ مشاكل الحياة الفعليَّة التي كانت جزءًا من الحياة اليومية للناس في الإمبراطوريَّة الإسلاميَّة آنذاك.
في بدايات الكتاب يشرحُ الخوارزمي الأعداد الطبيعيَّة بمصطلحات تبدو بالكاد مضحكة إلينا، نحن المتعودون على النظام الحالي للجبر، لكن من المهم أن نعي العمق الجديد للتجريد و الفهم في نص الخوارزمي هنا :
“عند التفكير فيما يريد الناس بصفة عامة في الحساب، أجد أنَّه دائمًا عبارة عن عدد. كما أنني لاحظت أن كل عدد مكوَّن من وحدات، وأنَّ كل عدد يمكن أن يقسَّم إلى وحدات. بالإضافة إلى ذلك، وجدت أنَّ كل عدد يمكن أن يُعبَّر عنه من واحد إلى عشرة، يتجاوز العدد السابق له بوحدة واحدة : بعد ذلك يتم مضاعفة العشرة مرتين أو ثلاث وهكذا تنشأ العشرون و الثلاثون، إلخ. حتى نصل للمائة : بعد ذلك تتضاعف المائة مرتيَّن أو ثلاث مثل الآحاد و العشرات، إلى غاية الألف؛ … وتستمر الأمور هكذا إلى أقصى حدود الترقيم.”
بعد شرحه للأعداد الطبيعيَّة، يتقدم الخوارزمي في كتابه للحديث عن الموضوع الرئيسي للجزء الأول منه، وعنوانه حل المعادلات.
ونجد أنَّها إمَّا معادلات خطيَّة أو تربيعيَّة مكونة من وحدات وجذور وتربيعات.
على سبيل المثال، بالنسبة للخوارزمي كانت الوحدة عبارة عن عدد، الجذر كان x (ما نعتبره اليوم مجهولًا) و المربع كان x2.
على كلّ، مع استعمالنا للإشارات الجبريَّة المعروفة في هذا المقال من أجل مساعدة القرَّاء في فهمها، رياضيات الخوارزمي كانت بالأحرف فقط بشكل مطلق ولم يستعمل فيها أيُّ رموز.
قام الخوارزمي باختصار المعادلات (الخطيَّة أو التربيعيَّة) إلى إحدى الأشكال الستَّة التالية :
1 – مربعات مساوية لجذور.
2 – مربعات مساوية لأرقام.
3 – جذور مساوية لأرقام.
4 – مربعات و جذور مساوية لأرقام؛ مثال : x2 + 10 x = 39.
5 – مربعات و أرقام مساوية لجذور؛ مثال : x2 + 21 = 10 x.
6 – جذور و أرقام مساوية لمربعات؛ مثال : x3 + 4 = x2.
ويتم الاختصار باستعمال عمليَّتين من الجبر و المقابلة.
وهنا كلمة “الجبر” تعني “الإتمام” و هي عمليَّة نزع التعابير السلبيَّة من المعادلة.
ويمكننا أخذ إحدى أمثلة الخوارزمي لإيضاح ذلك، يقوم “الجبر” بتحويل x2 = 40 x – 4 x2 إلى 5 x2 = 40 x. أمَّا كلمة “المقابلة” فتعني “الموازنة” وهي اختصار التعابير السلبيَّة من نفس القوَّة إذا ما وُجدت في طرفي المعادلة.
على سبيل المثال، تطبيقين للمقابلة بإمكانها اختصار المعادلة التاليَّة 50 + 3 x + x2 = 29 + 10 x إلى 21 + x2 = 7 x (التطبيق الأوَّل يتعامل مع الأعداد و الثاني مع الجذور).
يقوم الخوارزمي بعد ذلك بشرح طريقة حلّ الأنواع الستَّة النموذجيَّة للمعادلات.
لهذا الغرض يستعمل كلّ من الطرق الجبريَّة و الهندسيَّة.
على سبيل المثال، من أجل حلّ هذه المعادلة x2 + 10 x = 39 ، يكتب :
“المربَّع و 10 جذور هما مساويان لـ 39 وحدة. السؤال المطروح في هذا النوع من المعادلات هو : ما هو المربع الذي إذا ما جُمعَ بعشرة من جذوره يمنح لنا قيمة إجماليَّة تصل إلى 39؟ طريقة حل هذا النوع من المعادلات ستكون بنزع نصف الجذور المذكورة آنفًا. والجذور المذكورة في المثال السابق كانت 10. لنأخذ 5 الآن و بضربها في نفسها نحصل على 25، وهي القيمة التي إذا ما أضفنا لها 39 ستعطينا 64. بأخذ مربَّع الجذر الذي يساوي 8، نطرح منه نصف الجذور الذي يساوي 5 مما يعطينا 3. العدد الأخير يمثل جذرًا واحدًا من المربَّع، والذي هو نفسه 9. و التسعة تمثل المربَّع.”
أمًّا بخصوص الدليل الهندسي لإتمام المربَّع المذكور، يبدأ الخوارزمي بمربَّع ضلعه x، ليكون المربع بالتالي ممثلًّا بـ x2 (الشكل 1).
يجب علينا إضافة 10x (الجذور أو المجاهيل العشرة) للمربع وسيكون ذلك بإضافة أربعة مستطيلات عرضها 10/4 و طولها x إلى المربع (الشكل 2).
مساحة الشكل 2 تبلغ x2 + 10 x وهي مساوية لـ 39. نقوم الآن بإتمام المربع بإضافة أربع مربَّعات صغيرة مساحة كلّ منها 5/2 × 5/2 = 25/4. بعد ذلك نجد أن المربع الخارجي (الشكل 3) له مساحة 4 × 25/4 + 39 = 25 + 39 = 64. ضلع المربع هو 8. لكن طول الضلع يتم تمثيله بـ 5/2 + x + 5/2 وهذا يعني x + 5 = 8 ومن هذا نجد أنَّ x = 3.
لكن، تعتبر هذه البراهين الهندسية محلَّ اختلافٍ بين الخبراء.
إن السؤال الذي لا يبدو وكأنه يملك جوابًا سهلًا، هو إذا ما كان الخوارزمي على علمٍ بكتاب العناصر لإقليدس.
نحن نعلم أنَّه قد يكون على اطلاعٍ عليه، ربَّما يجب علينا أن نقول “وجب على الخوارزمي الاطلاع” على كتاب العناصر لإقليدس.
في فترة حكم الرَّشيد، وعندما كان الخوارزمي لا يزال شابًّا، قام الحجاج بترجمة كتاب العناصر لإقليدس إلى العربيَّة و كان الحجاج من زملاء الخوارزمي في بيت الحكمة.
وهذا يدعم رأي تومر :
” في القسم التمهيدي استعمل الخوارزمي أشكالًا هندسيَّة لشرح المعادلات، وهذا ما يطرح بالتأكيد مسألة اطلاعه على الكتاب الثاني لعناصر إقليدس.”
و يكتب راشد بهذا الخصوص :
“الرسالة كانت مستوحاة بشكل كبير من معرفة مسبقة لكتاب العناصر.”
لكن سولومون جاندز (Solomon Gandz) من جهة أخرى يملك رأيًا مغايرًا تمامًا، حيث يقول :
“إنَّ عناصر إقليدس مجهولة تمامًا للخوارزمي. لا يملك هذا الأخير أيَّة تعريفات أو بديهيَّات أو مسلَّمات أو براهين على الطريقة الإقليدية.”
حتى لو كان الخوارزمي قد درس عناصر إقليدس أو لا، تأثره بأعمال هندسيَّة أخرى أمر واضح، كما يكتب بارشال (K H Parshall) :
“لأنَّ رسالته في الهندسة التطبيقيَّة قد ظهرت بعد وقت قصير من النص العبري (Mishnat ha Middot) الذي يعود إلى سنة 150 ميلادي، الدليل على الأصل الساميّ موجود.”
يستمر الخوارزمي دراسته للجبر في كتاب الجبر والمقابلة بتفحص كيفية توسع قوانين الحساب.
على سبيل المثال، كيف نقوم بعمليَّة ضرب التعابير مثل :
(a + b x) (c + d x)
ويجب أن ننوه من جديد على استعمال الخوارزمي للكلمات فقط في كتابه لوصف المعادلات، ولم يستعمل أيُّ رمز.
رأى الباحث راشد عمقًا و إبداعًا ملحوظين في حسابات الخوارزمي، والتي قد تبدو لنا إذا ما قمنا بمراجعتها حسبَ منظورٍ عصري، بدائيَّة نسبيًا.
يقول راشد بهذا الخصوص :
“يمكن تحديد مفهوم الخوارزمي للجبر اليوم بدقة أكبر : إنَّه يهتم بنظرية المعادلات الخطيَّة و التربيعيَّة مع مجهولٍ واحد، و الحسابات الابتدائية للمعادلات النسبيَّة ذات الحدين وثلاثيَّة الحدود. … الحل وجب أن يكون عامَّا و قابلًا للحساب في نفس الوقت على أساسٍ هندسي.”
إذا ما صحَّت هذه الأقوال، فيمكن اعتبار الخوارزمي كما يصفهُ سارتون (Sarton) هنا :
“أعظم علماء الرياضيات في ذلك الزمن، وإذا ما أخذنا كل الظروف بعين الاعتبار، فهو واحدٌ من العظماء في التاريخ…”
وفي نفس الاتجاه يقول راشد :
“من المستحيل التغلب على أصليَّة مفهوم و طريقة جبر الخوارزمي…”
لكن نظرة مختلفة يطرحها كروسلي (Crossley)، حيث يقول :
“لعلَّهُ (الخوارزمي) لم يكن مبدعًا للغاية…”
ويوافقه في ذلك تومر، الذي نقتبس من إحدى نصوصه :
“الإنجازات العلميَّة للخوارزمي كانت دون المتوسط في أفضل الحالات.”
وهنا يكشف جراندز عن رأيه في جبر الخوارزمي :
“جبر الخوارزمي يعتبر كالقاعدة و حجر الأساس للعلوم. بطريقة ما، يستحق الخوارزمي لقب “أب الجبر” أكثر من ديوفانتوس، لأنَّه كان أوَّل من قام بتعليم الجبر في هيئة إبتدائيَّة، أمَّا ديوفانتوس فهو معني بنظرية الأعداد بشكل أساسي.”
الجزء القادم من جبر الخوارزمي يحتوي على التطبيقات و الأمثلة العمليَّة.
ثم يذهب إلى النظر في القوانين من أجل إيجاد مساحات الأشكال مثل الدائرة وكذلك إيجاد حجم الأشياء الصلبة مثل الجسم الكروي و المخروط و الهرم.
هذا القسم من القياسات هو أكثر شيوعًا في النصوص الهنديَّة و العبريَّة أكثر منه في الأعمال اليونانيَّة.
الجزء الأخير من الكتاب يتحدث عن القوانين المعقَّدة للميراث في الإسلام، لكنه لا يحتاج فعلًا إلى حل المعادلات التربيعيَّة بقدر احتياجه لجبرٍ في هيئته البدائيَّة للغاية.
كتب الخوارزمي كذلك رسالةً علميَّة في الأرقام الهندو-عربية.
النسخة العربيَّة من النص مفقودة حاليًّا لكن ترجمة لاتينيَّة له تحمل اسم ” Algoritmi de numero Indorum” سمحت بظهور كلمة “لوغاريتم” المعروفة اليوم والتي تم أخذها من عنوان النَّص.
لسوء الحظ، يعرف عن الترجمة اللاتينيَّة أنَّها مغايرة كثيرًا للنص الأصلي الذي كتبه الخوارزمي (والذي نجهل حتَّى عنوانه).
ويشرح هذا العمل نظام القيمة الهندي للأرقام والمؤسس على الأعداد المعروفة 1, 2, 3, 4, 5, 6, 7, 8, 9 و 0.
وربَّما، يعود الاستعمال الأوَّل المسجَّل للصفر إلى الخوارزمي في هذا العمل.
وبالإضافة إلى ذلك، في الكتاب طرق للحسابات و أيضًا طريقة لإيجاد جذور المربَّع يعرف على أنَّها كانت موجودة في النسخة الأصليَّة إلَّا أنها مفقودة في الترجمة اللاتينيَّة.
يقول تومر :
“… لقد أتى النظام العشري للقيمة المكانية قبل زمنٍ قليل من الهند… وعمل الخوارزمي كان أوَّل شرح منهجي له. ورغم كونه بدائيًّا، إلَّا أنه كان عملًا مؤثرًا.”
عملٌ آخر مهم قام بهِ الخوارزمي هو كتاب “زيج السند هند” الذي كتبه بالاعتماد على أعمالٍ فلكيَّة هنديَّة.
النص الهندي الذي اعتمد عليه الخوارزمي قدمَّ إلى البلاط الملكي في بغداد في حدود سنة 770 كهديَّة من مهمة سياسيَّة إلى الهند.
هناك نسختين من عمل الخوارزمي باللغة العربيَّة، لكنها تعتبر مفقودة اليوم. في القرن العاشر قام مسلمة المجريطي بكتابة مراجعة نقديَّة للنسخة الأقصر وترجم بعد ذلك إلى اللاتينيَّة عبر أديلار الباثي.
وهناك نسخة لاتينيَّة كذلك للنسخة الأطول وكلُّ من النسختين اللاتينيتين تم الحفاظ عليها.
أمَّا عن المواضيع الأساسيَّة التي عالجها الخوارزمي في كتاب زيج السند هند فكانت التقاويم؛ حساب الموقع الصحيح للشمس والقمر و الكواكب، النسب المثلثية؛ علم الفلك الكروي؛ الجداول الفلكيَّة؛ حسابات الكسوف و رؤية القمر.
ورغم اعتماد الخوارزمي على الهنود في عمله الفلكي، فمعظم القيم التي قام ببناء جداولهِ على أساسها أتت من علماء فلك هنود، لكن تأثر الخوارزمي بـعمل بطليموس كان جليًّا، يقول تومر :
“من المؤكد أن جداول بطليموس التي تمت مراجعتها عبر ثيون الإسكندري كانت معروفة لعلماء الفلك المسلمين، ومن المرجَّح أن يكون لها تأثير مباشر أو عبر وسائط على جداول الخوارزمي.”
كما كتب الخوارزمي عملًا مهمَّا للغاية في الجغرافيا، الذي وضع فيه خطوط الطول والعرض لـ 2402 موقعًا في خريطة العالم.
الكتاب الذي اعتمد فيه الخوارزمي على جغرافيا بطليموس، يطرح قائمًة مع خطوط الطول و العرض لمدنٍ و جبال و بحار و جزرٍ و مناطق جغرافيَّة و أنهار.
المخطوطة تحتوي كذلك على خرائط أكثر دقَّة من تلك التي وضعها بطليموس.
من الواضح أنَّ المعرفة المحليَّة كانت متوفرَّة للخوارزمي عند الحديث عن المناطق التي حكمتها الدولة الإسلاميَّة و إفريقيا و الشرق الأدنى، لكن بالنسبة لأوروبا فقد استعمل بيانات بطليموس.
هذا وكان للخوارزمي أعمال ثانويَّة أخرى في مواضيع مختلفة مثل الإسطرلاب، والذي كتب فيه نصّين، حول المزولة الشمسية و التقويم اليهودي.
لقد قمنا مسبقًا بمناقشة مختلف وجهات النظر حول أهمية جبر الخوارزمي، الذي كان أهمَّ مساهمة له في الرياضيات.
لننهي هذا المقال باقتباسٍ لمحمَّد كاهن :
“في المراتب الأولى لأعظم علماء الرياضيات في التاريخ يقف الخوارزمي. لقد قام بتأليف أقدم الأعمال في علم الحساب و الجبر. وكانت المصدر الرئيسي للمعرفة الرياضيَّة لقرونٍ عديدة في الشرق والغرب. عمله في علم الحساب قام بتقديم الأرقام الهنديَّة لأوروبا، كما تعني كلمة “لوغاريتم”؛ وعمله في الجبر منح الاسم لهذا الفرع المهم من الرياضيات في العالم الأوروبي.”
إعداد : وليد سايس
المصدر