السل Tuberculosis هو إنتان مزمن تسببه بكتيريا تدعى المتفطرات. تتلو الإصابة الأولية عادةً فترة كمون لا تظهر فيها الأعراض. يعتبر السل الرئوي النوع الأكثر شيوعًا من أنواع السل، تشمل الأعراض السعال المنتج والحمى وفقدان الوزن والإحساس بضيق في النفس. يُشخَّص السل في أغلب الأحيان عن طريق زراعة القشع sputum أو دراسته تحت المجهر أو عن طريق اختبارات التشخيص الجزيئية السريعة، ويُعالج بمضادات حيوية معينة لمدة 6 أشهر على الأقل.
المتفطرات Mycobacteria هي جراثيم هوائية عصوية الشكل صغيرة الحجم بطيئة النمو تتميز بغلاف معقد غني بالدهون مسؤول عن مقاومتها للحمض (أي أنها مقاومة لإزالة اللون بالحمض بعد تلوينها بالكربولفيوسين carbolfuchsin) ومقاومتها النسبية لصبغة غرام.
المتفطرات السلية (أو الدرنية) Mycobacterium tuberculosis المسببة للسل هي الأشيع (يصاب بها الإنسان فقط)، إذ تسبب أنواع المتفطرات الأخرى الجذام leprosy والعديد من الالتهابات المشابهة للسل مثل الالتهابات التي تسببها معقدات المتفطرات الطيرية Mycobacterium avium complex.
يعتبر السل أحد الأمراض الرئيسية المعدية التي تسبب الوفيات بين البالغين في جميع أنحاء العالم؛ إذ تَسبب السل بوفاة نحو 1.7 مليون شخص في عام 2016 معظمهم في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. يؤهب فيروس نقص المناعة المكتسب (الإيدز) للإصابة بالسل في أجزاء الجسم التي تنتشر فيها العدوى ما يؤدي إلى الوفاة.
أعراض السل الرئوي
تشمل أعراض الإصابة بالسل الرئوي الفعال:
- السعال المنتج للقشع أو البلغم.
- النفث الدموي أو بصق الدم.
- الحرارة الثابتة التي قد تكون منخفضة الدرجة.
- التعرق الليلي.
- الآلام الصدرية.
- فقدان الوزن غير المبرر.
- التعب.
قد لا يسبب السل الرئوي الفعال أعراضًا في بدايته سوى الإحساس بالتعب وفقدان الشهية والوزن، ثم يتطور الأمر تدريجيًا على مدار عدة أسابيع لتظهر أعراض أكثر نوعيةً أو تحديدًا للمرض. وبشكل عام، يكون السعال العرض الأكثر شيوعًا، ومن صفات هذا السعال أنه منتج لقشع أصفر أو أخضر خاصةً عند الاستيقاظ صباحًا.
يحدث نفث الدم في حالة السل المتكهف cavitary TB (إما بسبب تأذي الأوعية الدموية نتيجة الورم الحبيبي المزمن granulomatous، أو بسبب إنتان ثانوي بالفطريات). الحمى منخفضة الدرجة شائعة ولكنها ليست ثابتة، أمّا التعرق الليلي فهو من الأعراض الكلاسيكية ولكنه غير شائع أو نوعي للسل.
قد ينتج ضيق النفس أو الزلة التنفسية عن تلف متن الرئة (تلف برانشيمي) أو عن استرواح الصدر spontaneous pneumothorax أو السل الجنبي pleural TB المترافق بالانصباب الجنبي effusion.
الأعراض السريرية للسل المصاحب لفيروس نقص المناعة المكتسب غير نمطية في أغلب الأحيان بسبب اضطراب فرط الحساسية المتأخر DTH، وكذلك يكون هؤلاء المرضى أكثر عرضة للإصابة بالأشكال خارج الرئوية للمرض أو السل المنتشر؛ يسبب السل خارج الرئوي العديد من التظاهرات الجهازية والموضعية بحسب الأعضاء المصابة.
كيف يُشخَّص السل؟
يعتمد تشخيص السل على التظاهرات السريرية (الأعراض)، وتساعد إجراءات تشخيصية أخرى في وضع التشخيص النهائي.
الارتشاحات المتعددة في العقد أعلى أو وراء الترقوة هي أكثر الخصائص الموجهة للسل النشط أو الفعّال في صورة الصدر بالأشعة السينية. تكون هذه الارتشاحات أكثر وضوحًا عند تصوير القمتين الرئويتين في الوضعية القعساء AP axial (صورة أشعة محورية لقمة الرئة) أو باستخدام الطبقي المحوري.
لا تثير الارتشاحات الرئوية الوسطى والدنيا الاشتباه بالسل الأولي عند المرضى (الشباب عادةً) إذا كانت أعراضهم تشير إلى عدوى حديثة، خاصة في حال وجود انصباب جنب مرافق.
قد تظهر في الصور البسيطة عقد سرية متكلسة ناجمة عن إنتان أولي بالسل، ولكنها قد تنجم أيضًا عن داء النوسجات histoplasmosis في المناطق التي يستوطن فيها هذا المرض (مثل وادي نهر أوهايو).
يعتبر فحص القشع الأساس في تشخيص السل الرئوي، وإن لم يستطع المرضى إنتاج القشع تلقائيًا، يمكن استخدام محلول ملحي مفرط التوتر لتحريض ذلك، وإذا لم ينجح ذلك أيضًا فيمكن الحصول على غسالة من الشعب الهوائية عن طريق تنظير القصبات.
ينطوي تحريض القشع وتنظير القصبات على بعض مخاطر العدوى، ولذلك نلجأ لهذه الإجراءات في بعض الحالات فقط وتعتبر الحل الأخير، وعندها يجب استخدام الاحتياطات المناسبة (على سبيل المثال: غرفة ضغط السلبي أو استخدام قناع إن 95 أو غيرها من أجهزة التنفس المركبة).
العثور على عصيات مقاومة للحمض هو دليل قوي على الإصابة بالسل، ولكن لتأكيد التشخيص يجب إجراء زرع جرثومي أو اختبار تضخيم الحمض النووي (NAAT).
يوجد طريقة أخرى لتحري وجود عصيات السل تدعى Xpert MTB/RIF يمكنها كشف وجود عصيات السل ومقاومتها للريفامبسين rifamycins خلال ساعتين فقط. تُعتبر هذه الطريقة أكثر حساسية من فحص لطاخة القشع تحت المجهر لكنها مماثلة لحساسية زرع القشع في تشخيص السل.
توجد مجموعة متنوعة من طرق تأكيد التشخيص التي تختلف بناءً على الاختبارات المتاحة، لكن إذا كان اختبار Xpert MTB / RIF على عينة القشع إيجابيًا، يُعتبر تشخيص السل الرئوي مؤكدًا ويمكن في مثل هذه الحالات البدء بالعلاج فورًا بناءً على حساسية الريفامبسين.
إذا كانت نتائج فحص الحمض النووي ولطاخة الخلايا المقاومة للحمض سلبيين (أو إذا كانت نتائج اللطاخة إيجابية ونتائج فحص الحمض النووي سلبية) نعتمد عندها على الأعراض السريرية لتحديد ما إذا كان يجب البدء في العلاج المضاد للسل بينما تصدر نتائج الزرع.
يجب إجراء اختبارات حساسية المتفطرات للأدوية على العينات الأولية للقشع (التي يجب أخذها من جميع المرضى) لاختيار نظام فعال لمكافحة السل، ويجب إعادة إجراء الاختبار إذ استمر المريض في إنتاج القشع إيجابي الزرع بعد 3 أشهر من العلاج أو إذا أصبح الزرع إيجابيًا بعد مضي فترة من الزروع السلبية.
قد تستغرق معرفة نتائج اختبارات الحساسية مدة تصل حتى 8 أسابيع في حالة استخدام طرق الزرع التقليدية، ولكن استخدام طرق البيولوجية الجزيئية الحديثة يسمح باكتشاف المقاومة على الريفامبسين والإيزونيازيد isoniazid في عينة القشع في غضون ساعات فقط.
اختبار التحسس الجلدي للسل إيجابي في العدوى الكامنة والنشطة، وبالتالي لا يمكننا التمييز بينهما اعتمادًا على هذا الاختبار. يعتمد قطر رد الفعل الإيجابي على الحالة السريرية للمريض:
5 ميليمترات: يكون خطر الإصابة بالسل النشط كبيرًا لدى هؤلاء المرضى إذا كانوا قد أُصيبوا به سابقًا، مثل المرضى الذين لديهم أدلة شعاعية تشير إلى إصابة سابقة بالسل، أو المكبوتين مناعيًا immunosuppressed بسبب فيروس نقص المناعة المكتسب أو بسبب استخدام العقاقير الكابحة للمناعة، أو الذين تعاملوا سابقًا مع مرضى مصابين بالسل المعدي.
10 ميليمترات: لدى المرضى الذين يعانون من بعض عوامل الخطر مثل متعاطي المخدرات بالحقن والمهاجرين الجدد من المناطق الموبوءة والمقيمين في بيئات شديدة الخطورة (مثل السجون وملاجئ المشردين) والمرضى الذين يعانون من اضطرابات معينة (مثل السحار السيليسي silicosis والقصور الكلوي والداء السكري وسرطانات الرأس والرقبة) وأولئك الذين خضعوا لاستئصال المعدة أو وضع مجازات صائمية لفائفية jejunoileal bypass.
15 ميليمترًا: لدى المرضى الذين لا يعانون من عوامل خطر (الذين لا ينبغي اختبارهم عادةً).
ما مدى خطورة السل الرئوي وما هو إنذاره؟
يكون العلاج المناسب عادةً شافيًا إذا طُبق بطريقة ممنهجة وأُكمل على النحو الصحيح لدى المرضى الأسوياء مناعيًا المصابين بالسل الرئوي الحساس للأدوية (حتى في الحالات الشديدة المترافقة بكهوف كبيرة).
ومع ذلك، يسبب السل وفيات تقدر بنحو 10% من جميع الحالات، وغالبًا ما يكون ذلك لدى المرضى الواهنين والمنهكين لأسباب أخرى. يسبب كل من السل المنتشر والتهاب السحايا السلي الوفاة في نحو 25% من الحالات بالرغم من تطبيق العلاج الأمثل.
يكون السل أكثر خطورةً عند المرضى ناقصي المناعة، وقد يكون قاتلًا -إن لم يعالج بشكل مناسب وقوي- خلال أقل من شهرين من قدوم المريض بأول أعراضه خاصةً في حالة السل المقاوم للأدوية المتعددة.
ومع ذلك، مع العلاج الفعال المضاد للفيروسات القهقرية antiretroviral (بالإضافة للعلاج المناسب لمكافحة السل) يقترب إنذار المرض عند المصابين بفيروس نقص المناعة المكتسب الذين يعانون من السل المقاوم للأدوية المتعددة من إنذاره عند المرضى الأسوياء مناعيًا. إنذار المرض ونتائجه أسوأ عند مرضى السل شديد المقاومة للأدوية (XDR-TB) نظرًا لوجود عدد قليل جدًا من الأدوية الفعالة في علاجه.
كيف يُعالج السل وما التدابير اللازمة لتجنب انتشاره؟
ينبغي إحالة معظم مرضى السل غير المترافق باختلاطات أو مضاعفات إلى مراكز أو أطباء متخصصين بعلاج السل، وكذلك يجب إحالة جميع المرضى الذين يعانون من أمراض أخرى مرافقة (مثل الإيدز أو التهاب الكبد أو السكري)، أو المرضى الذين يعانون من تأثيرات جانبية دوائية ضارة، أو أولئك الذي يعانون من السل المقاوم للأدوية، إذ تكون هذه الحالات خطرة ولا يجوز إهمالها.
يمكن علاج معظم مرضى السل بمثابة مرضى خارجيين مع إعطائهم تعليمات حول كيفية منع انتقال العدوى، وهذا يضم عادةً:
- البقاء في المنزل.
- تجنب الزوار (باستثناء أفراد الأسرة المخالطين مسبقًا للمريض).
- تغطية الفم والأنف بمنديل أو بمرفق اليد عند السعال.
تعتبر أقنعة الوجه الجراحية غير محبذة لمرضى السل ولا يُنصَح بها إذا كان المرضى متعاونين. بشكل عام، يجب أخذ الاحتياطات اللازمة إلى أن يصبح المرضى المعالجين غير معديين.
ينبغي الاستمرار بأخذ الاحتياطات في حالة المرضى المصابين بالسل المقاوم للأدوية إلى أن تحصل استجابة سريرية للعلاج، ويستغرق ذلك عادةً 1-2 أسبوعًا. في حالة السل الشديد المقاوم للأدوية المتعددة، قد تكون الاستجابة السريرية للعلاج أبطأ من ذلك، وقد تكون عواقب انتقال العدوى أكبر؛ وبالتالي يجب التأكد من استجابة المريض للعلاج عن طريق إجراء اختبارات فحص القشع وزرعه لإنهاء الاحتياطات والتدابير الواقية.
يعالج السل بمضادات حيوية معينة تسمى بأدوية الخط الأول، وهي: الأيزونيازيد INH والريفامبيسين RIF والبيرازيناميد PZA والإيثامبوتول EMB. توجد أدوية أخرى تدعى أدوية الخط الثاني تستخدم عندما يعاني المريض من السل المقاوم للأدوية DR-TB أو عند عدم تحمله أدوية الخط الأول، وأهم فئتين مستخدمتين هما الأمينوغليكوزيدات aminoglycosides (والكابريوميسين capreomycin) والفلوروكينولونات fluoroquinolones.
اقرأ أيضًا:
ذات الرئة الفيروسية: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج
خنصر متورم لدى امرأة كان علامة نادرة لمرض السل
إعداد: دانيا الدخيل
تدقيق: غزل الكردي
مراجعة: آية فحماوي