يوجد على الإنترنت الكثير من المعلومات حول علاقة السكر بالسرطان، لكن القليل منها جدًا ما هو مبني على أدلة علمية. هذا المقال يستعرض الخرافات المتعلقة بهذين السؤالين: هل يمكن أن يسبب السكر السرطان؟ وهل يغذي السكر خلايا السرطان؟.

الغلوكوز – وقود الحياة:

تقول خرافةٌ شائعة أنَّ السكر مسؤول عن تطور السرطان، وإنه يغذي الخلايا السرطانية لتتكاثر أكثر، لكن جاءت هذه الخرافة نتيجةً لتبسيط زائد لبعض الأمور البيولوجية المعقدة.

يأتي السكر في أشكال مختلفة، أبسطها جزيئات أحادية مثل الغلوكوز أو الفركتوز، وهما نوعان شائعان من السكريات. وقد ترتبط الجزيئات الأحادية من السكر معًا، مثل أن يرتبط جزيء واحد من الغلوكوز مع جزيء واحد من الفركتوز ليصبح السكروز، المعروف أيضًا باسم سكر المائدة.

قد تجتمع هذه الجزيئات لتشكل سلاسل طويلة تُعرف بالسكريات المعقدة، والتي تعد مصدر الطاقة الرئيسي للجسم.

ومع تزايد طول سلاسل السكر، قد تفقد السكريات طعمها الحلو، وتعرف هذه السلاسل باسم البولي سكاريد (عديدات السكاريد)، وتعدُّ جزءًا كبيرًا من الأطعمة النشوية مثل الأرز والخبز والمعكرونة والبطاطا.

قد لا تكون بعض الأطعمة حلوة المذاق، لكنها قد تحتوي على السكر في الشكل المعقد، ويمكن للجسم تحطيم السكر المعقد إلى سكر بسيط مثل الغلوكوز واستخدامه للطاقة.

يتكون الجسم من ملايين الخلايا، وكل نوع من الخلايا لديه وظيفةٌ مختلفة. على الرغم من اختلاف وظائف هذه الخلايا في الجسم، فهناك شيء واحد تشترك فيه جميعها، ألا وهو الحاجة إلى الطاقة للحفاظ على الحياة والقدرة على القيام بوظائفها.

تحصل الخلايا على هذه الطاقة من جزيء يسمى الأدينوزين ثلاثي الفوسفات ATP، الذي ينتج من تحطيم الغلوكوز في عملية كيميائية معقدة تسمى تحلل الغلوكوز.

فالغلوكوز هو الوقود الأساسي الذي تعمل بواسطته كل الخلايا في الجسم.

إذا شرب الإنسان أو تناول أطعمةً تحتوي على نسب عالية من الغلوكوز -مثل المشروبات الغازية – يُمتص الغلوكوز مباشرة إلى الدم جاهزًا لكي تستخدمه. وفي حال الطعام النشوي مثل المعكرونة، تحطّمه الإنزيمات الموجودة في اللعاب والعصارات الهضمية وتحوّله إلى الغلوكوز.

وإذا لم تتوافر سكريات في النظام الغذائي اليومي، يمكن الخلايا تحويل جزيئات الدهون والبروتين إلى غلوكوز كآخر حيلة، لأنها بحاجة إليه للبقاء على قيد الحياة.

السكر والسرطان:

عادًة ما تنمو الخلايا السرطانية بسرعة مضاعفة وبمعدل سريع، وهذا يتطلب الكثير من الطاقة، أي أنها تحتاج إلى الكثير من الغلوكوز.

ومن هنا بدأت خرافة أنّ السكر يُغذي السرطان، تقول الخرافة أنه إذا كانت خلايا السرطان تحتاج إلى الكثير من الغلوكوز، فإن مقاطعة السكر من النظام الغذائي قد يساعد في وقف نمو السرطان.

لكن الأمر الأمر ليس بهذه البساطة للأسف، فكل الخلايا السليمة بالجسم تحتاج إلى الغلوكوز أيضًا. تحتاج الخلايا السرطانية الكثير من المواد الغذائية الأخرى أيضًا، مثل الأحماض الأمينية والدهون وليس فقط السكر.

لا توجد أدلة علمية تشير إلى أن اتباع نظام غذائي خالٍ من السكر قد يقلل خطر الإصابة بالسرطان، أو إنه قد يعزز فرصة البقاء على قيد الحياة إذا تم تشخيصه.

قد يؤدي اتباع حمياتٍ غذائية مقيدة كثيرًا تحتوي على كميات منخفضة جدًا من السكريات إلى الضرر بالصحة على المدى الطويل، بسبب إلغاء الأطعمة التي تعدُّ مصادر جيدة للألياف والفيتامينات.

يعدُّ هذا الأمرُ مهمًّا لمرضى السرطان بالتحديد، لأن بعض العلاجات قد تؤدي إلى فقدان الوزن ووضع الجسم تحت ضغط كبير، لذا فإن النظام الغذائي المقيد قد يعرقل التعافي، أو حتى قد يكون مهددًا للحياة.

نهاية سيئة للأبحاث المتعلقة بالسكر:

لا يوجد دليل على أن قطع السكريات من النظام الغذائي قد يساعد في علاج السرطان.

أظهرت بعضُ الأبحاث الهامة أن فهم الطرق غير الطبيعية التي تستخدمها الخلايا السرطانية لإنتاج الطاقة قد يؤدي إلى اكتشاف علاجات جديدة.

في العشرينيات من القرن الماضي، لاحظ العالم أوتو فاربورغ أن الخلايا السرطانية تستخدم عملية كيميائية مختلفة عن الخلايا السليمة لإنتاج الطاقة من الغلوكوز.

تستخدم الخلايا السليمة سلسلة من التفاعلات الكيميائية في عضيات خلوية صغيرة تُسمى الميتوكوندريا للحصول على الطاقة.

تصف نظرية فاربورغ كيف تتجاوز الخلايا السرطانية الميتاكوندريا الموجودة بها كي تولد الطاقة بسرعة.

قد تكون الاختصارات التي تقوم بها الخلايا السرطانية لإنتاج الطاقة هي نقطة ضعفها. أي، قد يطور العلماء أدوية تعطل مسارات الطاقة الخاصة بالخلايا السرطانية دون أن تتوقف الخلايا السليمة عن إنتاج الطاقة، ويُجري الباحثون تجارب على العلاجات المصممة لهذا الغرض حاليًا.

إضافةً إلى ذلك، قد تجعل العمليات غير الطبيعية الخلايا السرطانية عاجزة عن التكيف عندما تواجه نقصًا في المواد الغذائية الأخرى، مثل الأحماض الأمينية، وقد تؤدي نقاط الضعف هذه إلى علاجات جديدة.

مع ذلك، ما تزال هذه الطرق تجريبية، ولم يُعرف ما إذا كانت العلاجات آمنة أو فعالة.

الحقيقة حول السكر:

تستهلك خلايا الجسم السكر في أثناء نموها وانقسامها، لكن تناول السكر لا يجعل خلايا السرطان تنمو بسرعة أكبر.

فإذا لم يكن السكر مسببّاً للسرطان، لماذا القلق منه؟

إن تناول الكثير من الأطعمة التي تحتوي على السكر يعني زيادة الفرصة للإصابة بالسمنة، فتناول الكثير من الأطعمة الغنية بالسكر على مدى الوقت قد يؤدي إلى زيادة الوزن.

تشير الأبحاث إلى أن السمنة قد تزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان، فقد يزيد الوزن الزائد من خطر الإصابة ب 13 نوعًا مختلفًا من السرطان، وقد تسبب السمنة تغييرات في مستويات الهرمونات التي قد تزيد من خطر الإصابة بالسرطان أيضًا.

في الواقع، يعدُّ الوزن الزائد أكبرَ سببٍ للإصابة بالسرطان بعد التدخين.

كيف يمكن تقليل تناول الأطعمة الغنية بالسكر؟

عادًة ما تكون الأطعمة الغنية بالسكر حلوة الطعم، وتحتوي على ما يُسمى بالسكريات الحرة.

يُطلق عليها اسم السكريات الحرة لأنها لا توجد داخل خلايا الطعام نفسه، لكنها تضاف خلال عملية الطهو أو الإنتاج.

تشمل السكريات الحرة أيضًا السكريات الموجود في العصائر والعسل والمشروبات.

تعدُّ هذه السكريات مختلفة عن السكريات الموجودة طبيعيًا في الفواكه والخضراوات، التي ما تزال موجودةً داخل الخلايا، أي أنها ليست حرة وبالتالي تستغرق وقتًا أطول لهضمها.

تعدُّ السكريات الحرة المصدر الأساسي للقلق عندما يتعلق الأمر بزيادة الوزن، وإن تقليل تناول المشروبات الغنية بالسكر هو أحد أسهل الطرق لتقليل استهلاك السكريات الحرة.

قد تحتوي بعض المشروبات الغنية بالسكر -مثل المشروبات الغازية ومشروبات الطاقة- على كمية أكثر من السكريات الحرة الموصى بها يوميًا، وذلك في جرعة واحدة فقط.

قد تعزز هذه السعرات الحرارية الإضافية زيادة الوزن، دون أن تقدم أيَّة فوائد غذائية أخرى.

يمكن تناول الأطعمة السكرية الأخرى مثل الحلويات والشوكولاتة والكعك والبسكويت، لكن يجب أن لا تشكل جزءًا كبيرًا من النظام الغذائي كل يوم.

قد تحتوي بعض أنواع الحبوب المدعمة للإفطار والوجبات الجاهزة وصلصات المعكرونة على كميات خيالية من السكر فيها. قد تساعد قراءة معلومات التغذية وفحص قائمة المكونات في اختيار الأطعمة ذات السكر المنخفض.

الخلاصة:

لا يسبب السكر بحد ذاته السرطان، ولا توجد حتى الآن طريقة لتجويع الخلايا السرطانية من الغلوكوز بالتحديد دون أن يضر بالخلايا السليمة أيضًا.

أيضًا لا يوجد دليل على أن اتباع حمية منخفضة جدًا من السكريات سيقلل من خطر الإصابة بالسرطان، أو أنه سيساعد في علاجه، بل يحتاج المرضى إلى تغذية كافية لمساعدة أجسامهم على التكيف مع العلاج.

لكن تناول حمية غنية بالسكر يمكن أن يزيد خطر الإصابة بزيادة الوزن، وقد تزيد البدانة خطر الإصابة بما لا يقل عن 13 نوعًا من السرطان.

على الرغم من أن إبعاد السكر لن يوقف السرطان عن مساره، لكن يمكننا جميعًا تقليل خطر الإصابة بالسرطان بخفض كمية السكر الحر في نظامنا الغذائي للمساعدة في الحفاظ على وزن الجسم الصحي.

اقرأ أيضًا:

ماذا يحدث للخلايا السرطانية داخل الجسم بعد موتها؟

الذكاء الاصطناعي قد يساعد في تشخيص السرطان باستخدام قطرة دم وبدقائق معدودة

ترجمة: قيثارة درويش

تدقيق: ألاء ديب

المصادر: 1 2