السكر والسرطان: علاقة مفاجئة أم خمسون عامًا من التستُّر؟
هل من الممكن أن يُسبب السكر مرض السرطان؟ يبدو أن الأدلة التي تشير نحو هذا الاتجاه قد اُكتشفَت في دراسة كانت ممولة من قبل شركات السكر قبل ما يقارب الخمسين عامًا، ولكنّ هذه الدراسة لم ترى النور أبدًا.
الكثير من الناس يتناولون الحلويات في بعض الأحيان، ولكن جميعنا نعلم أنَّ كميات كبيرة من السكر ليست جيدة لصحتنا. في حقيقة الأمر، هناك العديد من الدراسات تربط السكر بمرض السكري، أمراض القلب، وحتى الأمراض العقلية.
وقد دخل السرطان مع هذه المجموعة مؤخرًا، ففي العام الماضي أظهر بحث نُشِر في موقع (Medical News Today) أنّ أكثر من نصف الفئران الذين تناولوا غذاءً غنيًا بسكر القصب قد أصيبوا بسرطان الثدي.
استشهدت مقالة نشرت في شهر نوفمبر عام 2017 في مجلة بلوس للبيولوجيا (PLOS biology) بالوثائق الداخلية لمؤسسة أبحاث السكر (SRF)، والتي تشير إلى أنّ اكتشاف الرابط بين السكر والسرطان من الممكن أن يعود إلى ستينيات القرن الماضي.
هل كان هذا تستُّرًا؟ وما الأدلة التي تشير إلى أنَّ الحلويات يمكن أن تؤدّي إلى السرطان؟
السكر والبكتيريا المتعايشة داخل الجسم: «المشروع 259»
في ستينيات القرن الماضي، كان النقاش حول أمراض القلب. من كان المذنب، السكر أم الدهون؟
استنتجت مقالة نُشِرت عام 1967 في مجلة نيو إنغلاند الطبيّة (New England Journal of Medicine) أنّ الدهون الغذائيّة هي المسؤولة. والذي لم يَعلمه أحد في ذلك الوقت أنّ مؤلفي المقال قد تلقوا تمويلًا من مؤسسة أبحاث السكر بما يعادل 50,000 دولار في وقتنا هذا لنشر كلامهم.
كشْف الحقائق المتعلقة بهذا النزاع لم يكن إجباريًا حتى الثمانينات، إذًا تقنيًا هذا لم يكن خطأ. ولكن أدّى هذا إلى فتح الطريق للمزيد من البحوث السريّة بعدها.
أظهرت الدراسة أنّ الفئران التي تغذّت على طعام غني بقصب السكر كانت مستويات الكوليسترول في دمهم أعلى من الفئران التي كانت معتمدة على النشاء في طعامها. وتوقّع الباحثون أنّ السبب هو بكتيريا الأمعاء.
ولهذا بدأ «المشروع 259» عام 1968. وكان الغرض منه هو مقارنة تأثير الغذاء على البكتريا الموجودة في الأمعاء ما بين الفئران المعتمدة على السكر وتلك المعتمدة على النشاء.
حصل و.ف.ر بوفر (W.F.R. Pover) على تمويل كبير -ما يعادل 187,593 دولار في الوقت الحاضر- من قسم الكيمياء الحياتيّة السريريّة في جامعة بيرمنغهام في المملكة المتحدة، ليقوم بإكمال بحثه.
ويستشهد سانتون أ. غلانتز (Stanton A. Glantz) الكاتب الرئيسي للبحث الذي نُشِر في مجلة بلوس للتكنلوجيا والأستاذ في جامعة كاليفورنيا، سان فرانسسكو، بإحدى الوثائق الداخليّة لمؤسسة أبحاث السكر، التي أشارت إلى أنّ من ضمن ملاحظات المشروع 259 هو إحتواء بول الفئران التي تناولت غذاء اعتيادي على كميات أكبر من مثبط فعالية بيتا-غلوكورونيداز مقارنةً بالفئران المعتمدة على السكر في غذائها. وهذا كان أحد أوّل الأمثلة على الاختلافات البايولوجيّة بين الفئران المعتمدة على السكر وتلك المعتمدة على الدهون.
إذًا، كان هناك فرق، ولكن ما علاقة كل هذا بالسرطان؟
بيتا-غلوكوروندياز والسرطان
بيتا-غلوكورونديداز (Beta-glucuronidase) هو إنزيم مسؤول عن تكسير الجزيئات الكبيرة. وله دور أيضًا في السرطان. في وقت المشروع 259، كان الربط بين هذا الإنزيم والسرطان موجود بالفعل.
وبالطبع، فإنّ نتائج بوفر كانت أوليّة، وكان متأخر عن الجدول لتسليم بحثه، وعندما طلب تمديد الوقت لمدة ثلاثة أشهر لينهي بحثه، أوقفت مؤسسة أبحاث السكر -التي كانت قد أصبحت وقتها المؤسسة الدولية لأبحاث السكر- التمويل لهذا المشروع.
ويقول الأستاذ غلانتز: «طبقًا لتصرّف المؤسسة الدولية لأبحاث السكر، إن استمرار تمويل المشروع 259 لم يكن مواتيًا للمصالح التجاريّة لصناع السكر».
ويكمل: «بالإضافة إلى هذا، فإنّ نشر نتائج تربط تناول السكر بسرطان المثانة سيكون له المزيد من الآثار العكسيّة لصناعة السكر».
وأضاف غلانتز: «في حال تمّ نشر نتائج المشروع 259 وقتها، فمن المرجّح أن يخضع سكر القصب لفحص دقيق بإعتباره مادة مسرطنة».
وفي بيان صحفي، شرحت جمعية السكر -وهي رابطة تجارية في الولايات المتحدة- وجهة نظرها بشأن عدم تمويل الدراسة حتى النهاية، فبيّنت أنه قد تأخرت الدراسة بشكل كبير، وكانت قد تجاوزت الميزانية المقررة لها، وصاحب هذا التأخير مشاكل إعادة هيكلة تنطيمية.
لا نستطيع القول ونحن متأكدين أن المؤسسة الدولية لأبحاث السكر قد حجبت هذه النتائج عن قصد. ومع هذا فإن الأدلة التي تربط بين السكر والسرطان في تزايد.
السكر والسرطان في وقتنا الحاضر
يخضع السكر والأطعمة والمشروبات المحلاة بالسكر للمزيد من الفحص الدقيق لدورهم في تطور السرطان وانتشاره.
في افتتاحية مجلة (Nutrition)، سلّط الدكتور أندورتي ن. داس (Dr. Undurti N. Das) الضوء على حقيقة أن سكر الفاكهة، أحد مكونات سكر المائدة أو سكر القصب، سيؤدّي إلى تغيّر في أيض الخلية ويزيد من فعالية البروتينات المعززة للسرطان.
وفي مقالة مصاحبة نشرها اشوتوش كومار (Ashutosh Kumar) وزملاؤه -من قسم علم العقاقير والسموم في المعهد الوطني للتعليم والبحوث الدوائية في حيدر أباد في الهند- يقولون فيها: «نُشرت العديد من البحوث ذو نتائج متعارضة فيما يخص دور الكاربوهيدرات -وبالأخص سكر الفاكهة- في انتشار السرطان».
على سبيل المثال، وجدت العديد من الدراسات ازدياد خطر الإصابة بسرطان بطانة الرحم عند النساء التي تتناول كميات كبيرة من سكر القصب، ولكن عندما يأتي الأمر لأنواع اخرى من السرطان، فإن البيانات غير واضحة تمامًا.
في حين أن العديد من الدراسات تربط تناول السكر بسرطان القولون -خصوصًا عند الرجال- فشلت دراسة تمّت في عام 2014 في أن تجد أيّ ارتباط واضح.
وكما ذكرنا سابقًا، هناك دراسة أشارت غلى أن سكر القصب سيزيد من نسب سرطان الثدي. أكثر من نصف الفئران التي تناولت غذاء غني بالسكر عانوا من سرطان الثدي، في حين أنّ 30% من الفئران التي تناولت غذاء غني بالنشاء عانوا منه، وفي حين أنّ العديد من الدراسات تتفق مع هذه النتائج، العديد يدحض هذا الربط.
فيما إذا كان السكر يساهم في الأنواع المختلفة من السرطان التي يعاني منها البشر هو ليس أمر واضح في هذه اللحظة. ومع هذا ربما يجب علينا أن نقلل من استهلاكنا للسكر.
والسؤال هنا هو، هل من السهل الابتعاد عن السكر؟
يندّس السكر في كل شيء
من المنطقي أنّ الأغذية والمشروبات ذو الطعم الحلو تحتوي على السكر. على كل حال، يتّم اكتشاف السكر الخفي في العديد من الأطعمة، لا يمكنك الإبتعاد عن هذه الأشياء.
وجدتُ السكر من ضمن مكونات علبة الفلفل المشوي في محل البقالة الأسبوع السابق، ولحسن الحظ، فإنّ هذه الأمور لا تتجاوز عيني الفاحصة، وإلّا كان غذائي الذي يفترض به أن يكون صحيًّا غير صحي بالمرة.
ماذا يعني كل هذا؟ من الواضح أنّ هنالك العديد من الأدلة أنّ تناول كميات كبيرة من السكر سيء لصحتنا. فيما إذا كنّا نستطيع الاعتماد على البحوث حول هذا الموضوع هو مسألة شخصيّة.
إتّباع نظام غذائي صحي هو أحد المكونات الرئيسية للصحة الشخصية. وهنالك عدد لا يُحصى من البحوث التي تدعم هذا الادّعاء.
إنّ حساب كميات السكر التي تدخل أجسامنا سواءً كنّا واعين بها أو كانت مخفيّة من قبل شركات الطعام، هو بالتأكيد أمر لن يضرّنا، وإذا كان سيؤدّي إلى شيء ما، فهو سيُحلّي حياتنا!
- ترجمة: سنان حربة
- تدقيق: صهيب الأغبري
- تحرير: زيد أبو الرب