ما زمرة الدم الذهبية؟
يشير مصطلح الزمرة الدموية الذهبية إلى الدم من الزمرة O سلبي عامل الريزوس، هذه التسمية آخر ما تبقى من الخرافات القديمة، إذ استخدمها القدماء وسيلة لتطهير السلالات.
يبلغ عدد الأشخاص الحاملين لهذه الزمرة نحو 43 شخصًا حول العالم، حسب إحصائية أجرتها مجلة موزاييك عام 1961.
وُجدت هذه الزمرة للمرة الأولى لدى نساء أستراليا، واعتقد الأطباء حينها أنها زمرة غير متوافقة مع الحياة، إذ توقعوا وفاة كل الأجنة سلبية الريزوس.
ما الذي يجعل هذه الزمرة نادرة؟ وما مدى خطورتها؟ لنتعرف أولًا على مفهوم الزمرة الدموية.
نبذة عن تاريخ الدم:
اختلفت النظريات التي قدمها العلماء حول تشكل الدم على مر العصور، فقد اقتصرت الآراء القديمة حول الدم على القليل من المعرفة، فمثلًا صرح القدماء عن تفكير سائد في إحدى المقولات الشهيرة: «يُعد وجود الدم داخل الجسد أمرًا جيدًا، أما وجوده خارج الجسد فيعد ضارًا، في حين يشكل وجوده بكميات كبيرة خارج الجسد مدعاة للقلق».
افتُرض قديمًا أن الدم يُعد أحد السوائل الأربعة المكونة للجسم البشري، التي تشمل الدم والصفراء والسوداء والبلغم، وفقًا لما يُعرف بمذهب الأخلاط الأربعة، وهو نظام طبي اعتمدته المدرسة اليونانية القديمة والأطباء الرومانيون، ليصبح فيما بعد وجهة النظر الطبية الأكثر شيوعًا في أوروبا، واستمر ذلك حتى ظهور البحوث الطبية الحديثة.
عبر الطبيب جالينوس عن رأيه بإمكانية إراقة الدم بهدف العلاج ودعم ذلك بافتراضه وجود علاقة بين الحرارة والدم السائل، وقد كشف عن وجود كميات أكبر من الدم لدى المراهقين، وكذلك لدى الرجال أكثر من النساء.
فشلت جميع محاولات نقل الدم التي أجراها الأطباء بعد اكتشاف الطبيب ويليام هارفي للدورة الدموية، حتى سُجلت أول عملية نقل دم ناجحة بين الكلاب عام 1665 للطبيب اليوناني ريتشار لوير، ولقيت هذه العمليات ومثيلاتها من محاولات نقل الدم بين الحيوانات نجاحًا باهرًا، إلا أن الوفيات التي سُجلت عند نقل دم الحيوان إلى الإنسان أدت إلى حظر هذا النوع من العمليات.
سُجلت أول عملية نقل دم ناجحة من إنسان إلى إنسان عام 1918، أجراها الطبيب جيمس بلنديل، بعد نزيف صاعق تال لولادة، إذ حققت هذه العملية نجاحًا باهرًا، في حين فشلت عدة محاولات أخرى لأسباب مجهولة.
عام 1901، صنف الطبيب الأسترالي كارل لانسيتر الدم إلى مجموعات وفقًا لنظام دموي ABO، فكانت الزمر الدموية المعروفة حاليًا وهي A,B,AB,O وحصل مقابل هذا الاكتشاف على جائزة نوبل في الطب عام 1930.
كيفية تصنيف الزمر الدموية:
استغرق اكتشاف المكونات الرئيسية للدم زمنًا طويلًا، إلى أن توصل العلماء أخيرًا إلى العناصر الدموية الرئيسية، وتشمل:
- كريات الدم الحمراء: هي خلايا تحمل الأكسجين إلى مختلف أنحاء الجسم وتطرح غاز ثاني أكسيد الكربون.
- كريات الدم البيضاء: هي خلايا مناعية تؤدي دورًا مناعيًا في الدفاع ضد الإنتانات والأجسام الغريبة.
- الصفيحات: خلايا دموية تؤدي دورًا مهمًا في عملية التخثر.
- المصورة الدموية (البلازما): سائل شفاف يحتوي على أملاح شاردية وإنزيمات.
يؤدي كل من العناصر السابقة دورًا مهمًا في أداء وظيفة الدم المعروفة، لكن وظيفة تحديد زمرة الدم تقتصر على الكريات الحمراء، إذ تحمل كل كرية على سطحها بروتينات تعرف بالمستضدات، فتكون الزمرة الدموية لكل فرد حسب نوع المستضد الموجود على سطح الكرية.
لاحظ العلماء وجود المستضد A على سطح الكرية عند أصحاب الزمرة A، بينما وجد المستضد B عند أصحاب الزمرة B، ووُجد نوعي المستضد A و B عند أصحاب الزمرة AB، أما أصحاب الزمرة O لا يوجد لديهم أي نوع من المستضدات.
أشار العلماء إلى وجود نظام آخر لتصنيف الزمر الدموية عُرف بالنظام الريزوسي، وذلك تبعًا لوجود بروتين يعرف بالعامل الريزوسي يرمز له Rhd، فيكون الدم الحاوي على هذا البروتين إيجابي الريزوس، أما عند غيابه يكون الدم سلبي الريزوس.
بناء على التصنيفين السابقين، توجد 8 زمر دموية: (A+,A-,B+,B-,AB+,AB-,O+,O-)
تؤدي بروتينات المستضد دورًا مهمًا في الوظيفة المناعية للجسم إضافةً إلى دورها في تحديد الزمر الدموية، فهي الحارس الذي يواجه دخول أي جسم غريب ويعامله معاملة العدو عند عدم التعرف عليه.
نظرًا إلى وظيفة المستضدات المناعية، أكد العلماء أهمية تحديد زمرة دم المتبرع قبل إجراء نقل الدم، فمثلًا عند نقل دم ذي زمرة B إلى دم ذي زمرة A، فإن الأجسام المضادة الموجودة في دم المتلقي ستتعرف على مستضدات المتبرع بوصفها أجسامًا غريبة تهاجم الجسم لتبدأ عندها عمليات الدفاع ضده، إذ يحدث رد فعل مناعي شديد قد يؤدي إلى الوفاة أحيانًا.
وفقًا لذلك، فإن صاحب الزمرة الدموية O- قادر على التبرع بالدم لكل أنماط الزمر الدموية لأن كرياته لا تحمل أي نوع من مولدات الضد، ولا يوجد لديه عامل الريزوس، لكنه لا يستطيع تلقي الدم إلا من شخص يحمل الزمرة الدموية ذاتها، لذلك سُميت الزمرة الذهبية.
لماذا هي زمرة نادرة؟
يوجد نحو 61 بروتين غير العامل الريزوسي، إذ ينتج عن وجود هذه البروتينات أو انعدام وجودها ملايين الزمر الدموية. الدم الذي لا يحوي أي نوع من هذه البروتينات سلبي الريزوس، ويستطيع الشخص الحامل لهذه الزمرة الدموية نقل الدم إلى أي شخص.
جاء في مجلة موزاييك: «الدم سلبي الريزوس عملة نادرة ومهمة لإمكانية إنقاذ الكثير من الأفراد الذين يحملون الفصيلة ذاتها، إلا أنها تشكل خطرًا على حاملها، لصعوبة الحصول على دم موافق لها عند الحاجة»، لذا أكد الأطباء ضرورة أن يتبرع أصحاب هذه الزمرة بكميات مناسبة من الدم، ليُحتفظ بها احتياطيًا يمكن الاستفادة به عند الحاجة.
بعض التساؤلات حول الزمر الدموية:
افترضت بعض النظريات أن المستضدات A و B هي بقايا أمراض قديمة أصابت البشرية عبر التاريخ، إلا أن ذلك لم يثبت علميًا.
نظرًا إلى عدم وجود فرضيات علمية مثبتة، نشأت عدة اعتقادات حول الزمر الدموية، منها:
تأثير نمط الزمرة الدموية في شخصية الفرد:
وُجدت النظرية اليابانية -نظرية اختلاف الشخصية باختلاف الزمرة الدموية- وهي إحياء معاصر لنظريات قديمة، افترضت هذه النظرية وجود ارتباط واضح بين شخصية الفرد وزمرته الدموية، إذ لاحظ القدماء أن صاحب الزمرة A يميل لأن يكون شخصًا لطيفًا وحساسًا، بينما يكون صاحب الزمرة B متفائلًا ومستقلًا.
أجريت دراسة عام 2003 شملت 180 رجلًا و180 امرأةً، اعتمد فيها الباحثون على استبيان ممتع ولكنه غير دقيق، لم تثبت هذه الدراسة صحة النظرية اليابانية.
اختيار النظام الغذائي تبعًا للزمرة الدموية:
كشف باحثون عن وجود علاقة بين النظام الغذائي والزمرة الدموية، مثلًا:
- يجب على حاملي الزمرة A تناول نظام غذائي خال من اللحوم، والتركيز على الحبوب الكاملة، والبقوليات والفواكه والخضراوات.
- يجب أن يكثر حامل الزمرة B من تناول منتجات الألبان قليلة الدسم والخضر واللحوم.
لم تثبت الدراسة التي أجرتها جامعة تورنتو وشملت 1400 شخص وجود علاقة بين الحمية الغذائية ونمط الزمرة الدموية، إذ فسروا خسارة الوزن التي حققها المشاركون بتناول الخضر بكميات كبيرة.
- وجود علاقة بين الزمرة الدموية والإصابة ببعض الأمراض:
أشار العلماء إلى دلائل ترجح حقيقة ارتفاع نسبة الإصابة بأمراض معينة تبعًا لنمط الزمرة الدموية للشخص، فمثلًا ترتفع نسبة الإصابة بالأمراض القلبية والسكتات الدماغية لدى أصحاب الزمرة AB، وتنخفض لدى أصحاب الزمرة O.
في حين تكثر الإصابة بسرطانات الجلد والقرح الهضمية لدى أصحاب الزمرة O. إلا أن هذه الافتراضات غير دقيقة ولا يمكن الاعتماد عليها، إذ يجب الالتزام بنظام غذائي صحي وممارسة التمارين الرياضية للحفاظ على نمط حياة صحي ومثالي.
- الزمرة الدموية الأكثر شيوعًا:
سجلت الإحصائيات التي أجريت في الولايات المتحدة الأميركية انتشارًا واسعا للزمرة الدموية O+، في حين كانت الزمرة الأقل شيوعًا هي AB-.
- هل تملك الحيوانات زمرًا دموية:
أشار العلماء إلى وجود زمر دموية مختلفة لدى معظم الحيوانات، وقد أطلقت تسميات مشابهة للزمر الدموية لدى الإنسان، فمثلًا، يحتوي دم القطط على مستضدات A و B لكنها مختلفة عن المستضدات البشرية.
يحاول العلماء حاليًا إجراء تعديلات وراثية على دم بعض الحيوانات، للحصول على دم مركب صناعيًا ملائم للجسم البشري، ما يزيد فرصة تأمين الدم المناسب لأصحاب الزمر النادرة ويقلل من خطورة التعايش مع هذه الزمر.
اقرأ أيضًا:
تنافر الريسوس: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج
هل من علاقة بين فصيلة الدم وخطر الإصابة بأزمات قلبية؟
ترجمة: بثينة خدام
تدقيق: حسام التهامي