من المعروف أن الزلازل يمكن أن تهز المناطق التي تكثر بها الفوالق كما هو الحال في الساحل الغربي للولايات المتحدة، ولكن لماذا تحدث الزلازل في عمق الصفائح التكتونية؟
يُفترض أن الزلازل تحدث عادة فقط بالقرب من خطوط صدع الصفائح التكتونية، ونحو 90% من الزلازل تحدث في هذه النطاقات. تشمل هذه الحدود على سبيل المثال فالق سان أندرياس الممتد تقريبًا على طول الساحل الغربي لولاية كاليفورنيا، حيث تتقابل صفيحتا أميركا الشمالية والمحيط الهادي.
لكن، لا تحدث كل الزلازل على امتداد خطوط صدع الصفائح التكتونية. على سبيل المثال، حدث زلزال عنيف بالقرب من مقاطعة نيو مدريد بولاية ميزوري شتاء عام 1811 على بعد آلاف الأميال عن أقرب فالق. وقد تراوحت شدته بين 7.2 إلى 8.2 درجات، وتبعته سلسلة من الهزات الارتدادية سُميت مجتمعة بزلزال نيو مدريد 1811 – 1812.
إذن، كيف أمكن هذا؟ كيف تحدث الزلازل بعيدًا عن خطوط صدع الصفائح التكتونية؟
بدايةً، كنقطة مقارنة، من المهم التعرف على الطريقة التي تنشأ بها الزلازل التقليدية على طول خطوط الصدع.
تشهد هذه المناطق الكثير من الزلازل لأن باطن الأرض -أي الوشاح- هو المحرك للصفائح التكتونية للكوكب، أي ما يتسبب بانقسامها وتصادمها. تكون التصدعات بين هذه الصفائح المسماة بالفوالق هشة، لذلك عندما يبدأ الضغط بالتركُّز على هذه النقاط الهشة، يمكن أن تتكسر الصفائح، وهذا يرسل ارتجاجًا عبر الكوكب، هذا ما نشعر به في أثناء الزلازل كما أوضح عالم الجيوفيزياء بمركز علوم الأرض في المعهد الهندي للعلوم في بنغالور أتري غوش.
لكن، من الممكن أن يَحدث بين الفينة والأخرى ارتجاج في عمق الصفائح التكتونية، وهذا ما يسميه العلماء بالزلزال الداخلي. يبقى السبب الدقيق في حدوث ذلك لغزًا محيرًا، وفقًا لما ذكرته كريستين باول وهي عالمة جيوفيزياء في جامعة ممفيس.
فقد أجرت وعلماء آخرين دراسة على أماكن تشهد نسبة عالية من الزلازل الداخلية المسماة نطاقات الزلازل الداخلية. توجد هذه النطاقات على سبيل المثال في أجزاء من وسط وشرق الولايات المتحدة. وبعد البحث في هذه المناطق، أصبح لدى الخبراء بعض النظريات حول سبب حدوث الزلازل في أماكن غير متوقعة.
يوجد تفسير محتمل مفاده أن الزلازل الداخلية قد تكون ناتجة عن الأنهار الجليدية القديمة، كما اقترحت دراسة في 2001. منذ نحو 20000 سنة، اكتسى جزء كبير من أمريكا الشمالية بغطاء جليدي هائل، ما أدى إلى تشكل أحمال ثقيلة على القشرة الأرضية، وعند ذوبان الغطاء الجليدي، ارتفعت ببطء، لهذا قد تحدث الزلازل نتيجة لهذا التعديل، ومع ذلك فالأدلة على هذه النظرية شحيحة.
قال غوش: «لا يتطابق اتجاه محور الزلزال والتعديل الإيزوستاتيكي الجليدي».
هناك فكرة أخرى مفادها حدوث الزلازل الداخلية حول الفوالق القديمة داخل الصفائح التكتونية. لمليارات السنين، تشققت القشرة الأرضية وعادت لتلتحم مجددًا، والشقوق القديمة تترك آثارها. عند انتشار القوى عبر دواخل الصفائح، وتطبيقها الكثير من الضغط على هذه الفوالق القديمة، قد تنشط مجددًا وفق قول غوش.
قد يكون التركيب المعقد للقشرة الأرضية وباطن الأرض عاملًا أيضًا. فأحيانًا، يمكن لبقايا ضربة قديمة تلقاها الصخر أن تبقيه عالقًا في منتصف الصفيحة وتتسبب في عدم استقراره، وفق ما اقترحت دراسة أُجريت عام 2007 نشرتها مجلة رسائل البحوث الجيوفيزيائية.
يمكن أن تزيد أنابيب السوائل الساخنة من الضغط، ما يؤدي إلى الحركة على سطح الكوكب، حسبما ذكرت باول التي شاركت بتأليف دراسة في عام 2016 حول هذه التيارات المتصاعدة.
يمكن أن تؤدي العوامل الهيدروليكية أو التكسير (عملية حقن الماء والرمل والمواد الكيميائية في الصخور الجوفية لاستخراج النفط أو الغاز) إلى الزلازل أيضًا. تُحقن مياه الصرف الصحي الناتجة عن هذه العمليات في الآبار العميقة، يمكن لتلك المياه الآسنة أن تتغلغل في الشقوق وتشحِّم الفوالق القديمة لتسبب بذلك نشاطًا زلزاليًا، وفقًا لمراجعة أُجريت عام 2013 نشرتها مجلة ساينس. فمثلًا، رُبط التكسير بعدد من الزلازل التي حدثت في ولاية أوهايو في عام 2015.
يحاول العلماء أن يحصلوا على فهم أفضل لهذه التعقيدات المبهمة بالتزود ببيانات من مشاريع مثل EarthScope الذي يَستخدم أجهزة استشعار لالتقاط القوى المحركة الموجودة تحت القشرة الأرضية.
تذكر باول أنه عندما بدأ المشروع للمرة الأولى، لم يكن العلماء يعتقدون حينها أن تجد أجهزة الاستشعار أي شيء قد يؤدي إلى توليد الزلازل باستثناء الساحل الغربي حيث كانت حدود الصفيحة التكتونية. لكن المشروع كما وصفته باول المقيمة في ولاية تينيسي: «فتح أعيننا حقًا على ما يحدث هنا داخل أرضنا. لقد كانت تجربة استثنائية».
من المهم فهم الزلازل الداخلية لأنها تشكل خطرًا كبيرًا على الناس القاطنين ضمن هذه النطاقات الزلزالية. سببت الزلازل الثلاثة التي ضَربت مقاطعة نيو مدريد في ولاية ميزوري بين عامي 1811 – 1812 دمارًا هائلًا، حتى انعكس مسار نهر المسيسبي ما جعله يجري للخلف مؤقتًا. هزَّ زلزال شدته 5.8 درجات في ولاية فيرجينيا العاصمة واشنطن في عام 2011 ما تسبب بدمار آثار وكاتدرائيات.
قالت باول: «لا أحد يقلق بشأن الزلازل في وسط وشرق الولايات المتحدة. يجب أن نكون على أهبة الاستعداد، عليك أن تدرك إمكانية حدوث الزلازل حتى في هذه الأماكن».
اقرأ أيضًا:
زلزال أم انفجار نووي سري؟ أداة جديدة تكشف الحقيقة بدقة تصل إلى 99%
ساحل في اليابان يتحرك نحو 250 مترًا بعد زلزال 1 يناير المدمر
ترجمة: سليمان عبد المنعم
تدقيق: تسنيم المنجد