يمكن الآن لعدة شرائح دماغية أن تُترجم أفكار المستخدم إلى كلمات، ولكن تلك الرقاقة الدماغية الجديدة هي الأولى من نوعها التي يمكنها أن تتعامل مع لغتين في آن واحد. فهي لا تسمح للشخص المشلول بالتحدث باللغتين الإنجليزية والإسبانية فحسب، بل إنها توفر أيضًا بعض البصيرة على طبيعة معالجة اللغة في الدماغ البشري.

صمّم هذه الرقاقة الدماغية ثنائية اللغة باحثون من جامعات كاليفورنيا وسان فرانسيسكو، في دراسة تفصيلية نُشرت في 20 مايو 2024 في مجلة نيتشر بايوميديكال إينجنيرينج Nature Biomedical Engineering، ويعتمد التقدم الذي أحرزه الفريق على أبحاثهم الرائدة السابقة التي بدأت منذ عام 2021، عندما أجرى علماء الأعصاب والمهندسون زراعة أقطاب كهربائية جراحيًا في قشرة دماغ رجل لتسجيل النشاط العصبي، ثم ترجمة البيانات المُتحصل عليها إلى نص على شاشة الكمبيوتر.

ولكن في ذلك الوقت، لم يكن من الممكن ترجمة أفكار المريض إلا إلى اللغة الإنجليزية. وعلى الرغم من أن لغة الرجل الأم لم تكن اللغة الإنجليزية، بل تعلمها عندما أصبح بالغًا بعد إصابته بسكتة دماغية، وتظل اللغة الأكثر طلاقة والأكثر تعلقًا بها بالنسبة له هي لغته الأم، الإسبانية.

قال إدوارد تشانغ، جراح الأعصاب في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو والمؤلف المُشارك في الدراسة البحثية، في بيان جاء مع نشر الورقة البحثية: «إن اللغات التي يتحدث بها الشخص ترتبط في الواقع بشكل وثيق مع هويته، وبالتالي فإن هدفنا على المدى الطويل لم يكن أبدًا استبدال كلمات مكان كلمات، ولكن استعادة الاتصال اللغوي بين الناس».

منذ ذلك الوقت، طور تشانغ وفريقه نظامًا يجمع بين الذكاء الاصطناعي ونموذج تنبؤي لتفسير بيانات التعويضات العصبية (Neuroprosthetics)، ودرّبوا البرنامج بواسطة مطالبة المريض بقول حوالي 200 كلمة بينما تنقل الأقطاب الكهربائية كل نمط عصبي مطابق للكَّلمة. وبمجرد تسجيلها، انتقل الباحثون إلى مرحلة ثنائية اللغة.

يتكون النظام الجديد من وحدتين أساسيتين، الإسبانية والإنجليزية، تحاول كل منهما مطابقة البيانات العصبية المسجلة للكلمة الأولى في العبارة بكلا اللغتين. ويكون اختيار كل وحدة لغوية مصحوبًا باحتمالية تقديرية للدقة، فمثلًا قد تُقدر الوحدة الإسبانية أن هناك تطابقًا بنسبة 50% للنشاط العصبي مع الكلمة الإسبانية “trabajo” (تعني للعمل)، بينما تُقدر وحدة اللغة الإنجليزية احتمالية بنسبة 80% أن يكون ذلك النشاط العصبي مرافِقًا لكلمة “they” (هم).

هنا يتدخل الذكاء الاصطناعي ليغير قواعد اللعبة، فبدلًا من تكرار خطوة تقدير المطابقة العصبية للكلمة الأولى مع كل كلمة، تتنبأ الوحدات بالكلمات التالية بناءً على احتمالية الكلمة الأولى. وبمجرد الانتهاء من تقديرات احتمالية أن تكون الجملة بإحدى اللغتين الإنجليزية أو الإسبانية، يعرض النظام أي عبارة تمتلك الاحتمالية الأعلى إجمالًا.

في نهاية هذه الدراسة، تمكنت وحدات نظام الذكاء الاصطناعي الجديدة من تحديد لغة الكلمة الأولى بدقة بلغت 88%، بينما حصلت دقة اختيار الجملة النهائية على معدل دقة بنسبة 75%. ومع التدريب الإضافي، قد يتمكن المريض من المشاركة في محادثات تلقائية مع الباحثين باستخدام بعض الترقيات على الرقاقة الدماغية.

يبدو أن تلك البيانات الجديدة تتعارض مع الدراسات السابقة في علم الأعصاب التي أشارت إلى أن مناطق مختلفة من الدماغ تنشط اعتمادًا على اختلاف اللغة. ومع ذلك، في حالة هذا المريض، تداخلت عدة أنشطة مع بعضها البعض من المناطق المخصصة للغة الإسبانية والإنجليزية.

توجد أيضًا عدة أدلة على أن النشاط العصبي للمريض يعكس بشكل كبير نفس النشاط العصبي للأشخاص الذين نشأوا ثنائيي اللغة، على الرغم من أنه لم يتعلم اللغة الثانية إلا عندما أصبح بالغًا. ويعتقد الباحثون أن ذلك ربما يُشير إلى أن اللغات قد تتشارك في بعض السمات العصبية، في هذه الحالة، يُمكن أن تكون تكنولوجيا الرقائق الدماغية المترجمة المستقبلية أكثر قابلية للتعميم.

تمت دراسة تطورات زراعة الرقائق الدماغية حتى الآن على مريض واحد فقط، ويأمل الفريق في توسيع نطاق البحث على المزيد من المشاركين، بالإضافة إلى تجربة استخدام لغات أخرى.

اقرأ أيضًا:

اختراع كمبيوتر بأنسجة بشرية من خلايا الدماغ!

استخدام الدماغ في الحوسبة الكمية

ترجمة: محمد إسماعيل

تدقيق: بسام موسى

المصدر