إن ولادة طفل تجربة ليس لها مثيل، فلا يهم إذا كانت الأم تلد للمرة الأولى أو جربت الولادة من قبل؛ لأن كل ولادة وكل فترة ما بعد الولادة تختلف عن غيرها.
قد تصاحب فترة ما بعد الولادة أو الثلث الرابع من الحمل عدم الراحة، فمن المتوقع حدوث ألم وإرهاق وبعض التغيرات المزاجية. ويمر الجسم بتغيرات كبيرة وتتغير هرموناته بسرعة أيضًا، ومن الطبيعي أن تتساءل الأم عما تواجهه؛ فهل هذا مجرد تعافي من آلام الولادة أم أنه علامة على شيء خطير؟
تحدثنا إلى طبيبة أمراض النساء والتوليد سالينا زانوتي عن الأعراض الطبيعية بعد الولادة والأعراض التي ينبغي عدم تجاهلها.
علامات التحذير من المخاوف الصحية المتعلقة بمرحلة بعد الولادة:
قبل الخروج من المستشفى، سيخبر مقدم الرعاية الأم ببعض النصائح عن الأعراض الطبيعية التي تحدث بعد الولادة ومتى ينبغي لها الاتصال به.
تشارك الطبيبة زانوتي أهم الأعراض التي ينبغي عدم تجاهلها بعد الولادة:
1. النزيف الحاد جدًا:
من المتوقع حدوث نزيف بعد الولادة، وتُسمى الإفرازات المهبلية التي تحدث بعد الولادة بالهُلابَة التي قد تكون غزيرة جدًا في الأيام القليلة الأولى.
قد يكون النزيف غزيرًا في البداية وعادةً ما يكون لونه أحمر داكن، ويصبح أقل غزارة ولونه أخف بعد ثلاثة أيام تقريبًا، وقد يستمر النزيف الخفيف والإفرازات ستة أسابيع.
ستعاني الأم نزيفًا بعد الولادة سواء كانت ولادتها طبيعية أو قيصرية. وتعاني النساء اللواتي خضعن لولادة قيصرية نزيفًا أقل مقارنةً بالنساء اللواتي وُلدن ولادة طبيعية. وفي أثناء هذا الوقت، سينصح مقدم الرعاية باستخدام الفوط الصحية السميكة للنزيف لا السدادة القطنية.
يخف النزيف غالبًا بحلول الوقت الذي تغادر فيه الأم المستشفى، وإذا كان عليها تغيير الفوط الصحية عدة مرات في الساعة بعد مغادرة المستشفى أو لاحظت خثرات دموية أكبر من كرة الجولف باستمرار، فيجب الاتصال بمقدم الرعاية لأن هذا قد يكون علامة على نزيف ما بعد الولادة.
يجب أيضًا مراجعة مقدم الرعاية الصحية إذا زاد النزيف مرة أخرى أو إذا كانت هناك أية علامات للعدوى كالإفرازات المهبلية كريهة الرائحة.
2. التقلصات الشديدة أو الألم البطني:
يتوسع الرحم في أثناء الحمل، ويبدأ بالعودة إلى حجمه الطبيعي بعد الولادة، ولكن هذا يحتاج إلى بعض الوقت، لذلك من الشائع حدوث تقلصات.
تقول الطبيبة زانوتي: «قد تكون التقلصات بعد الولادة شديدة جدًا، وقد تسبب الرضاعة الطبيعية تقلصات أيضًا خصوصًا في الأسابيع القليلة الأولى».
التقلصات التي تظهر وتختفي ولا تدوم أكثر من خمس دقائق تكون طبيعية، أما إذا كانت الأم تعاني ألمًا شديدًا أو مستمرًا، فيجب الاتصال بمقدم الرعاية الصحية؛ فقد يكون الألم البطني المستمر علامة على التهاب بطانة الرحم بعد الولادة، وهي عدوى جرثومية في بطانة الرحم، وربما يكون مصحوبًا بحمى أو قشعريرة أو الشعور بوهن عام.
3. الصداع الشديد:
تسمم الحمل هي حالة خطيرة تصاب فيها الأم بارتفاع ضغط الدم في أثناء الحمل، وقد تصاب الأم بتسمم الحمل بعد الولادة أيضًا بغض النظر عن حدوث ارتفاع في ضغط الدم قبل ذلك أو الإصابة بتسمم الحمل في أثناء الحمل.
إن الأعراض التي تدل على تسمم الحمل هي ضغط الدم المرتفع (140/90 مم زئبقي أو أعلى)، ولكن غالبية الناس لا يقيسون ضغط دمهم بانتظام في المنزل.
تقول الطبيبة زانوتي إن أحد أشيع الأعراض لتسمم الحمل بعد الولادة الذي تلحظه النساء هو الصداع الشديد، وقد يعانين أيضًا:
- تغيرات في الرؤية مثل الرؤية الضبابية أو حساسية الضوء.
- تورم الوجه أو اليدين أو القدمين أو جميع الأطراف.
إن تسمم الحمل بعد الولادة نادر لكنه قد يكون خطيرًا، وهو أكثر شيوعًا في الأيام القليلة الأولى بعد الولادة، وقد يحدث لمدة ستة أسابيع بعدها. ويجب الاتصال بمقدم الرعاية الصحية إذا عانت الأم صداعًا أو علامات أخرى.
4. مضاعفات الشقوق والجروح:
تعود الكثير من النساء إلى المنزل بعد الولادة مع وجود الغرز، التي توجد إما نتيجة التمزق الطبيعي من بَضع الفرج (شق يُحدثه مقدم الرعاية الصحية للمساعدة على الولادة الطبيعية) أو نتيجة الشق القيصري. وتلتئم الجروح والشقوق معظم الأحيان دون أية إجراءات وتختفي الغرز وحدها، وتستطيع الأم أن تسأل مقدم الرعاية عما تتوقعه في أثناء التعافي قبل العودة إلى المنزل.
في حالات نادرة، قد تصاب الشقوق وبَضع الفرج والجروح بالعدوى، لذلك يجب طلب العناية الطبية إذا كانت الأم تعاني حمى أو لاحظت إفرازات كريهة الرائحة أو في حال ازداد الآلم، فقد تكون هذه أعراض الإصابة بالعدوى.
5. سلس البول:
من الشائع حدوث سلس البول في نهاية الحمل والأسابيع القليلة الأولى بعد الولادة، وتوصي الطبيبة زانوتي معظم النساء بتمارين كيجل للمساعدة على شد عضلات قاع الحوض وإيقاف سلس البول.
قد تعاني بعض النساء من سلس البراز بعد الولادة، خصوصًا إذا كان الشق كبيرًا في أثناء الولادة.
إذا كانت الأم تعاني سلس البول أو الغازات أو حركة الأمعاء أو ضعف قاع الحوض، فيجب التحدث مع مقدم الرعاية، فقد تستفيد من العلاج البدني لقاع الحوض.
6. تكرار التبول أو الحرقان:
من الطبيعي الشعور بعدم الراحة عند التبول بعد الولادة، قد تشعر الأم بالوخز قليلًا عند التبول وخصوصًا إذا كان لديها غرز. ويوصي مقدم الرعاية الصحية باستخدام عبوة لرش ماء بدرجة حرارة الغرفة؛ لتخفيف الانزعاج في أثناء التبول والمساعدة على التنظيف جيدًا، ويقل الشعور بعدم الراحة في الأسبوع الأول (أو نحو ذلك) بعد الولادة.
يكون الشعور أكثر شدة عند بعض النساء، وقد يكون علامة على الإصابة بعدوى المسالك البولية التي تُعد شائعة جدًا بعد الولادة، وخصوصًا في حال وجود قسطرة.
يجب التحدث مع مقدم الرعاية الصحية إذا كانت الأم تعاني حرقًا أو تشعر بضغط حاد أو ألم عند التبول أو بحاجتها إلى التبول المتكرر.
7. ألم الساقين:
قد تكون الأم بعد الولادة أكثر عرضةً للإصابة بجلطات الدم، وليس فقط بسبب خروج بطانة الرحم كما تقول الطبيبة زانوتي: «تزداد كمية الدم في الرحم في أثناء الحمل من أجل رعاية الجنين، وقد يتجلط الدم بسهولة أكبر بعد الولادة، ما يعرض الأم لخطر الإصابة بجلطات الدم في الأوردة، فتنتشر في الجسم وتصبح خطيرة للغاية».
إن الساقين هي أكثر الأماكن شيوعًا لحدوث جلطات الدم في مرحلة ما بعد الولادة؛ بسبب انخفاض تدفق الدم إلى الساقين في أواخر الحمل.
تشمل علامات تجلط الدم في الساقين (الخثار الوريدي العميق) ألمًا في الساقين، إضافةً إلى احمرار أو انتفاخ أو حرارة في الساقين. ويجب الاتصال بمقدم الرعاية الصحية على الفور عند ملاحظة أي من هذه الأعراض.
8. ألم في الصدر أو صعوبة في التنفس:
قد تنتقل جلطات الدم من الساقين إلى الرئتين وتمنع تدفق الدم إليهما، وهذا ما يُسمى بالانصمام الرئوي وقد يكون خطيرًا جدًا، وتشمل أعراض الانصمام الرئوي ضيق التنفس والألم الصدري والسعال، وأحيانًا سعال مع مخاط دموي.
إذا كانت هناك شكوك بشأن ظهور أعراض الانصمام الرئوي، فالعلاج الفوري مهم جدًا، لذلك يجب طلب العناية الطبية العاجلة.
9. الشعور بألم في الثدي أو الحرقان:
يتغير الثديين مع إفراز الحليب وتنظيمه بعد الولادة، ومن الطبيعي حدوث تورم الثديين والشعور بعدم الراحة، خصوصًا في الأسابيع القليلة الأولى بعد الولادة.
سوف تعتاد الأم التغيرات الطبيعية وغير الطبيعية التي تطرأ على الثديين في فترة الرضاعة، فقد تظهر بين الرضعات بعض الكتل والانتفاخات ثم تختفي، ولكن إذا كانت الأم تعاني أعراضًا مثل ألم الثديين أو الحرقان أو الحرارة عند اللمس أو ظهور بقع حمراء، فقد تكون علامة على التهاب الثديين، وهي عدوى تحدث في حال انسداد قنوات الحليب.
يجب التحدث مع مقدم الرعاية الصحية بشأن هذه الأعراض، فإن معظم حالات التهاب الثدي تتطلب مضادات حيوية، وقد تؤدي إلى خراج الثدي إذا لم تُعالج.
10. حزن دائم أو إلحاق الضرر بالنفس:
صرحت نحو 70% إلى 80% من النساء عن شعورهن بالحزن أو نوبات البكاء ما بعد الولادة، ويُسمى ذلك بإكتئاب ما بعد الولادة، وهو رد فعل طبيعي نتيجة الإرهاق في فترة ما بعد الولادة والتغيرات الهرمونية الشديدة التي تسببها الولادة.
بإمكان الأم طلب المساعدة من الشريك والأصدقاء والعائلة؛ لأن هذا قد يساعدها على الحصول على الراحة التي تحتاجها وعلى ضبط مشاعرها. ويختفي الاكتئاب ما بعد الولادة بعد نحو أسبوعين من الولادة، ولكن إذا استمرت الأعراض أو ساءت، فيجب الاتصال بمقدم الرعاية الصحية.
صرحت الطبيبة زانوتي: «قد تكون الأسابيع القليلة الأولى بعد الولادة مرهقة جدًا، إذا كانت الأم تشعر بالإرهاق المستمر وليست قادرة على رعاية نفسها أو طفلها، فهذه أعراض اكتئاب ما بعد الولادة، وعليها طلب المساعدة من أجل صحتها وصحة طفلها».
اقرأ أيضًا:
ذهان ما بعد الولادة: الأعراض والتشخيص والعلاج
سقوط المشيمة بعد الولادة، إليك ما يجب معرفته
ترجمة: رغد بركة
تدقيق: لين الشيخ عبيد
مراجعة: هادية أحمد زكي