استُخدمت الرسوم الجمركية لجمع الإيرادات وحماية الصناعات المحلية من المنافسة الأجنبية، وللتعاون مع -أو التضييق على- الدول الأخرى حول العالم.

الرسوم الجمركية، وهي ضرائب تُفرض على السلع المستوردة، كانت ميزة من ميزات السياسة التجارية الأمريكية منذ تأسيس الأمة. شكلت غالبية الإيرادات الحكومية حتى وقوع الحرب الأهلية، وظلت مصدرًا مهمًا للغاية للإيرادات حتى إقرار ضريبة الدخل رسميًا عام 1913.

مع أن الرسوم الجمركية المرتفعة فقدت الكثير من شعبيتها بعد الحرب العالمية الثانية، بسبب المخاوف من تراجع التجارة وارتفاع التكاليف على المستهلكين، فإنها تصدرت عناوين الأخبار في السنوات الأخيرة بوصفها أداة أساسية في السياسة التجارية الأمريكية، تجاه الصين تحديدًا.

تعريف الجمارك وهدفها

ببساطة، الجمارك هي ضريبة تفرضها حكومة بلد ما على السلع المستوردة من بلدان أخرى. يدفع المستورد الرسوم الجمركية عندما تعبر البضائع الحدود إلى داخل البلد، عادةً في ميناء أو مطار. أكثر أنواع الجمارك شيوعًا هي جمارك «القيمة»، التي تُحدد بوصفها نسبةً ثابتة من قيمة الواردات، وجمارك «النوع»، التي تُفرض بوصفها مبلغًا ثابتًا على كل وحدة من السلع المستوردة.

في كتابه «صراع التجارة: تاريخ السياسة التجارية الأمريكية»، يقول دوغلاس إروين، بروفيسور الاقتصاد في كلية دارتموث: «لاستخدام الجمارك ثلاثة دوافع أساسية: الإيرادات، والقيود، والمعاملة بالمثل. إنها ضريبة، لذا فهي تجمع الإيرادات. لكنها أيضًا تُبقي البضائع الأجنبية خارجًا، فهي تقيد الواردات، غالبًا لمساعدة الشركات المحلية التي تواجه منافسة أجنبية. يمكن أيضًا استخدامها من أجل المعاملة بالمثل، إذ تفرض الدول الأخرى جمارك على منتجاتنا، فيمكننا التفاوض لخفضها وتعزيز التجارة، أو إذا كان سوقك مغلقًا أمامنا، يمكننا رفع الجمارك ضدك للتضييق عليك».

الجمارك في التاريخ الأمريكي المبكر

يعود استخدام الجمارك والنقاش حولها إلى زمن تأسيس الولايات المتحدة. رأى الكثيرون في هذه الأمة الجديدة أن التجارة الحرة مبدأ مهم، خاصةً مقابل سيطرة بريطانيا على الممارسات التجارية الاستعمارية. شكلت الجمارك أيضًا مصدرًا مهمًا للإيرادات، وهو مبدأ ينص عليه الدستور الأمريكي في المادة الأولى، القسم الثامن من وثيقة التأسيس، التي تمنح الكونغرس «السلطة لفرض الضرائب من مختلف الأنواع وتحصيلها، متضمنةً الضرائب على السلع المستوردة، لسداد الديون وضمان الأمن الوطني والرفاه للشعب الأمريكي». في يوليو 1789، وقع الرئيس جورج واشنطن قانون الجمارك لعام 1789، وهو أول تشريع جوهري يمرره الكونغرس.

دافع أليكسندر هاملتون، أول وزير للخزانة الأمريكي، بقوة لصالح الجمارك، ليس فقط بوصفها مصدرًا رئيسيًا للإيرادات، بل وسيلةً لحماية الصناعات المحلية الناشئة في الأمة الجديدة. في تقريره الشهير عام 1791 «موضوع الصناعات»، ناقش هاملتون أن الجمارك المرتفعة هي المفتاح لتمكين الصناعات الأمريكية من النمو وكسر اعتماد الأمة المستمر على التجارة والتصنيع البريطانيين.

الجمارك خلال القرن التاسع عشر

بعد حرب عام 1812، استُخدم تشريع الجمارك لتشجيع النمو الصناعي المحلي للأمة بدرجة أكبر. عام 1828، أقر الكونغرس قانونًا لرفع الجمارك بنسبة تصل إلى 50%، أعلى زيادة في تاريخ البلاد. أدت ردود الفعل إلى زيادة التوترات بين الشمال الصناعي -حيث فضل الكثيرون الجمارك المرتفعة لحماية الصناعات المحلية- والجنوب الزراعي، الأكثر اعتمادًا على الصادرات إلى بريطانيا ودول أخرى.

يوضح إروين: «يوضح تاريخ الولايات المتحدة الصراع بين كونك مصدرًا للبضائع وتريد جمارك منخفضة، أم أنك مصنع منافس للبضائع المستوردة وتريد جمارك مرتفعة. إنهم موجودون في أجزاء مختلفة من البلاد، لذا فإن هذه الأجزاء المختلفة تصارعت معًا بشأن ما يجب أن تكون عليه السياسة التجارية».

قبل الحرب الأهلية، مثلت الجمارك نحو 90% من إيرادات حكومة الولايات المتحدة. انخفضت هذه النسبة إلى نحو 50% مع ظهور ضرائب جديدة لدفع تكاليف الحرب. أصبحت الجمارك مصدرًا غير مهم للإيرادات الحكومية بعد ظهور ضريبة الدخل عام 1913، لكنها ظلت أداة مهمة لحماية المنتجين المحليين من المنافسة الأجنبية.

تأثير قانون سموت – هولي الجمركي (1930)

عقب انهيار سوق الأسهم عام 1929، أقر الكونغرس قانون «سموت – هولي» الجمركي، المُسمى باسم رعاته الرئيسيين، السيناتور ريد سموت من ولاية يوتاه والنائب ويليس هولي من ولاية أوريغون، الذي رفع معدل التعريفة الجمركية للبلاد بنسبة 20% تقريبًا. في توقيعه على قانون سموت – هولي في يونيو 1930، تجاهل الرئيس هربرت هوفر نصيحة أكثر من 1000 اقتصادي رجوه استخدام حق النقض «فيتو» ضد القانون.

يقول إروين: «اعتقد الناس أن هذا قد يساعد الاقتصاد، لأنه إذا منعت دخول الواردات، فعليك شراء السلع المحلية. لكنهم يتجاهلون أنه إذا أبقينا الواردات خارجًا، فإننا نؤثر في إقبال البلدان الأخرى على شراء صادراتنا، فتبدأ البلدان الأخرى أيضًا برفع الجمارك على الصادرات الأمريكية، ما يضر بتجارتنا».

فرضت العديد من البلدان الأجنبية تعريفات جمركية عقابية، بين عامي 1929 و1932، انخفضت واردات الولايات المتحدة من أوروبا وصادراتها إليها على حد سواء، بنحو الثلثين، وبالمثل انخفضت التجارة الخارجية إجمالًا.

مع أن المشكلات الاقتصادية العالمية لم تبدأ بقانون سموت – هولي، فإن العديد من المؤرخين الاقتصاديين يتفقون على أن مشروع قانون التعريفة الجمركية ساهم بدرجة كبيرة في تفاقم الكساد الكبير.

تحول سياسة الجمارك بعد الحرب العالمية الثانية

كان قانون سموت – هولي آخر تشريع يحدد فيه الكونغرس التعريفة الجمركية، إذ تنازلت السلطة التشريعية تدريجيًا عن نفوذها في تحديد السياسة التجارية لصالح السلطة التنفيذية. بدأ هذا التحول عام 1934 عندما وقع الرئيس فرانكلين د. روزفلت قانون الاتفاقيات التجارية المتبادلة، ما مهد الطريق لعصر جديد من السياسة التجارية الأمريكية، قائم على مبدأ التفاوض لتخفيض التعريفات مع دول أخرى لتعزيز النمو الاقتصادي عمومًا.

«بعد الحرب العالمية الثانية، أردنا إعادة الاقتصاد العالمي سيرته الأولى، من طرق ذلك كان تحفيز التجارة العالمية. لذا كنا مستعدين لخفض التعريفة الجمركية، إذا كانت الدول الأخرى مستعدة لعمل المثل».

استمر هذا المبدأ بتوجيه السياسة التجارية الأمريكية في العقود القادمة، ما أدى إلى اتفاقيات مثل الاتفاق العام بشأن التعريفات والتجارة، ومنظمة التجارة العالمية، واتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية، التي تفاوض عليها جميعًا رؤساء الولايات المتحدة، بدلًا من الكونغرس.

اقرأ أيضًا:

ما المقصود بمصطلح الانهيار الاقتصادي

أيهما أسوأ الكساد الاقتصادي أم الركود الاقتصادي؟

ترجمة: علي هيثم

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر