من المعروف الآن أن لأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي الشهيرة مثل شات جي بي تي من أوبن أيه أي شهية كبيرة للبيانات. تتطلب مليارات، وأحيانًا تريليونات، من معايير المعلومات لتدريب هذه النماذج، التي تُخزن في مراكز بيانات ضخمة تستخدم الكهرباء للتبريد وقوة المعالجة.

لكن التوقعات والتنبؤات الجديدة تشير إلى أن الطلب المتزايد على نماذج الذكاء الاصطناعي الأكثر قوة قد يزيد من استهلاك الطاقة أكثر مما كنا نظن في السابق.

في الولايات المتحدة وحدها، وفقًا لتقرير جديد صادر عن معهد بحوث الطاقة الكهربائية (EPRI)، قد تمثل مراكز البيانات المكلّفة بتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة ما يصل إلى 9.1٪ من إجمالي الطلب على الطاقة في البلاد بحلول نهاية العقد. يُسد جزء كبير من هذه الحاجة الجديدة باستخدام الغاز الطبيعي غير المتجدد، ما قد يعقد الجهود العالمية لتقليل انبعاثات الكربون.

يحذر تحليل EPRI من أن الاعتماد الواسع لأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي في السنوات القادمة قد يؤدي إلى “تغيير تدريجي في متطلبات الطاقة”. يشير التقرير إلى أن متطلبات الطاقة لمراكز البيانات قد تشكل ما بين 4.6٪ و9.1٪ من إجمالي الكهرباء المولدة في الولايات المتحدة بحلول عام 2030، مقارنة بـ 4٪ اليوم. ولا يقتصر الطلب الجديد على الولايات المتحدة فقط. بحلول عام 2026، تقدّر وكالة الطاقة الدولية (IEA) أن الطلب على الطاقة في مراكز البيانات عالميًا قد يتضاعف.

يشير التقرير إلى أن جزءًا كبيرًا من هذا الارتفاع المتوقع في الطلب ينبع من نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي الفريدة الكثيفة الطاقة. يقدر EPRI أن استعلامًا بسيطًا إلى شات جي بي تي يتطلب نحو عشرة أضعاف الكهرباء المطلوبة لبحث نموذجي على غوغل. ومن المحتمل أن يكون هذا الفارق الواسع بسبب الكمية الهائلة من بيانات التدريب وقوة الحوسبة المطلوبة لكي تؤدي هذه النماذج كما هو متوقع. وهذا فقط للردود النصية. أما كمية البيانات التي تنتجها نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي الناشئة في الصوت والفيديو مثل سورا من أوبن أيه أي فـ”ليس لها سابقة” وفقًا للتقرير. يبدو أن شيئا واحدًا واضح: الذكاء الاصطناعي مسؤول عن زيادة حاجة مراكز البيانات للطاقة. توقع حديث أصدرته شركة غولدمان ساكس المالية العملاقة يتنبأ بأن الذكاء الاصطناعي وحده سيشكل 19٪ من طلبات الطاقة لمراكز البيانات بحلول عام 2028.

تلجأ مراكز البيانات إلى الوقود الأحفوري لتلبية الطلبات قصيرة الأجل على الطاقة.

قد تهدد مراكز البيانات المتعطشة للطاقة بفرض ضغوط حقيقية على شبكات الطاقة في السنوات القادمة. بدءًا من عام 2024، وفقًا لتوقعات غولدمان ساكس تشكل مراكز البيانات بين 1-2٪ من الطلب العالمي على الطاقة. ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 3-4٪ بحلول نهاية العقد. في الولايات المتحدة، التي تحتوي على نحو نصف مراكز البيانات في العالم، من المتوقع أن تمثل هذه المنشآت 8٪ من استهلاك الطاقة الوطني بحلول عام 2030. يسارع مزودو الطاقة بالفعل لتشغيل محطات طاقة جديدة لضمان تلبية تلك الطلبات المتزايدة على الطاقة. تشير توقعات غولدمان ساكس إلى أن أكثر من نصف الطاقة المستخدمة لتلبية تلك الطلبات ستأتي من موارد غير متجددة. تعزز هذه التوقعات تقارير سابقة تشير إلى أن الموارد المتجددة وحدها قد تكون غير كافية لتلبية احتياجات مراكز البيانات من الطاقة.

تزيد المتطلبات الجديدة للطاقة من تعقيد التصريحات السابقة لقادة التكنولوجيا مثل سام ألتمان من أوبن أيه أي، الذين أشاروا إلى أن نماذج الذكاء الاصطناعي القوية قد تلعب دورًا في تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة على المدى الطويل. ألتمان، الذي قال سابقًا إن عصر الذكاء الاصطناعي القوي سيتطلب “اختراقًا في مجال الطاقة”، كان من بين عدد قليل من الشخصيات البارزة في سيليكون فالي الذين استثمروا مؤخرًا 20 مليون دولار في شركة Exowatt الناشئة، التي تحاول تسخير الطاقة الشمسية لتشغيل مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي.

لكن مراكز البيانات ومزودي الطاقة لا يحتاجون بالضرورة إلى انتظار حل تقني فوري لمحاولة معالجة بعض مشاكل الطاقة المتعلقة بالذكاء الاصطناعي. في تقريرها، دعت EPRI مراكز البيانات للتحقيق في طرق لزيادة الكفاءة الداخلية عن طريق تقليل كمية الكهرباء المستخدمة للتبريد والإضاءة. يمثل التبريد وحده، وفقًا للتقارير، نحو 40٪ من استخدام الطاقة في مراكز البيانات. إضافةً إلى ذلك، تشير EPRI إلى أن المولدات الاحتياطية التي تعمل بمصادر الطاقة المتجددة قد تلعب دورًا في دعم شبكات الطاقة الأكثر استدامة وموثوقية.

يلاحظ التقرير أن “تحويل العلاقة بين مركز البيانات والشبكة من نموذج ‘الحمولة السلبية’ الحالي إلى اقتصاد طاقة مشترك ومتعاون” قد يساعد شركات الكهرباء في التعامل مع النمو الهائل للذكاء الاصطناعي وأيضًا المساهمة في تعزيز القدرة على تحمل التكاليف والموثوقية لجميع مستخدمي الكهرباء.

اقرأ أيضًا:

هل يستطيع الذكاء الاصطناعي حلّ المعادلات الرياضية التي عجز العلماء عن حلّها؟

مخاطر الذكاء الاصطناعي وعواملها الاقتصادية

اسم المترجم: أمير المريمي

تدقيق: زين حيدر

مراجعة: باسل حميدي

المصدر