هناك طريقة لتحويل أي جسم تقريبًا إلى حاسوب، وقد تُحدِث قفزة في مجال الذكاء الاصطناعي
تحوي أحدث شريحة جهاز أيفون 7 على 3.3 مليار ترانزستور محشوة في قطعة سيليكون يعادل حجمها حجم قطعة نقدية تقريباً.
إلا أن النزعة الشائعة نحو الحواسيب الصغيرة متزايدة القدرة قد تصل إلى نهاية مسدودة، لأن رقائق السليكون تتسارع تدريجياً إلى نقطة تمنعها قوانين الفيزياء عندها من أن تصبح أصغر.
لذا هناك حدود مهمة لما قد تستطيع الأجهزة المصنوعة من السيليكون القيام به وهذا يعني أيضاً أنه يوجد حجج قوية للبحث عن طرق أخرى لصنع حواسيب ذات قدرة عالية.
ربما أكثر البدائل المعروفة التي يبحث فيها الباحثون هي الحواسيب الكمومية، التي تتلاعب في خصائص الشرائح الحاسوبية بطرق تختلف عن الآلات الرقمية التقليدية.
لكن هناك أيضاً احتمال استخدام مواد بديلة –سواء كانت مادة ام نظام فيزيائي – كالحواسيب لإجراء العمليات الحسابية، دون الحاجة للتلاعب بالإلكترونات كما في شرائح السيليكون. وتبين لنا أن هذا البديل قد يطور من الذكاء الاصطناعي بشكل أفضل من الحواسيب الحالية.
تعرف هذه الفكرة باسم «الحوسبة الاحتياطية – reservoir computing»، والتي أتت من محاولات تطوير شبكات حاسوبية لمحاكاة الدماغ.
وتوضح الفكرة أننا نستطيع الاستفادة من سلوك الأنظمة الفيزيائية – أي شيء يخطر في بالك من دلو مياه إلى قطع بلاستيك مربوطة بأنابيب كربونية صغيرة – لنستغل قدرتها الحاسوبية الطبيعية.
مدخلات ومخرجات
تستغل الحوسبة الاحتياطية «reservoir computing» الخصائص الفيزيائية للمادة وهي في حالتها الطبيعية لتجعلها تساهم في جزء من الحوسبة.
ويختلف هذا عن نموذج الحوسبة الرقمية الحالية من ناحية تغيير خصائص المواد لتأدية الحوسبة.
على سبيل المثال، لصنع شريحة ميكروية حديثة فإننا نغير من البنية البلورية للسيليكون.
أما في حالة الحوسبة الاحتياطية فإننا لا نحتاج إلى هذه التعديلات سواء كانت المادة سيليكون أو غيرها.
الفكرة الأساسية هي في تحفيز أي مادة بطريقة ما ودراسة التأثير عليها.
إذا تم التوصل إلى كيفية تحويل التحفيز من حالة المدخلات إلى المخرجات، فإننا عندها سوف نحصل على نتيجة حسابية نستطيع استخدمها في حساباتنا. خلاف الشرائح الحواسيب التقليدية التي تعتمد على موضع الإلكترون، فإن هذا النسق المطلوب في المواد لا يعد ضرورياً، فعوضاً عن ذلك نحتاج فقط إلى مراقبة خصائص عامة محددة والتي تسمح لنا بقياس تغير المخرجات في المواد.
يوجد لدينا العديد من التطبيقات، حيث بنى فريق من الباحثين حاسوبًا احتياطيًّا بسيطًا باستخدام دلو مياه.
وبينوا أنه بعد تحفيز الماء بمجسات كيماوية، فإنهم تمكنوا من برمجة كاميرا تراقب سطح المياه لتصبح قادرة على قراءة أنماط التموجات الدقيقة المتكونة على السطح.
ثم توصلوا إلى الحسابات التي ربطت حركة المجسات مع حركة أنماط التموج، ثم استخدموا النتائج لتنفيذ بعض العمليات المنطقية البسيطة.
ويجدر الذكر أنه في الأساس كان يحولالماء بنفسه المدخلات من المجسات إلى مخرجات مفيدة، وهذه بحد ذاتها خطوة رائعة.
خلايا الهدف العام في الدماغ
تبين أن فكرة الحوسبة الاحتياطية تتماشى جنبا إلى جنب مع بحث جديد في علم الأعصاب اكتشف فيه أن أجزاءً من الدماغ تبدو أنها تمتلك ما سمي بال«الهدف العام –general purpose».
هذه المناطق مصنوعة في الغالب من مجموعة أعصاب مرتبة بعشوائية لكن مع ذلك تستطيع دعم الوظيفة المعرفية أو الإدراكية في مناطق أكثر تخصصا في الدماغ، تساعدها بذلك على أن تصبح أكثر فعالية تماما كالحاسوب، لذا إذا حفز هذا الاحتياطي من الأعصاب بإشارة محددة فإنه سوف يستجيب بطريقة مميزة، وهذه الاستجابة تستطيع المساعدة بأداء الحسابات.
على سبيل المثال، فإن دراسة حديثة تقترح أنه عندما نسمع أو نرى شيئا، فإن جزءً كبيرًا من الدماغ يتحفز للصوت أو الضوء.
واستجابة الأعصاب في تلك المنطقة من الدماغ سوف تُحللها منطقة أكثر تخصصا.
كما يشير البحث إلى أن حواسيب الاحتياط يمكن أن تكون قوية للغاية وذات قدرة حاسوبية فائقة، وسوف تستطيعنظريا تنفيذ عدد لا نهائي من الوظائف على نحو فعال. وقد أصبحت هذه الحواسيب على أرض الواقع رائجة جدا في بعض مجالات الذكاء الاصطناعي وذلك بفضل هذه الخصائص.
وإحدى أمثلتها أن الأنظمة التي تستخدم طرق الحوسبة الاحتياطية للتنبؤ في البورصة يُشارُ إلى تفوقها على العديد من تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي التقليدية.
وهذا لأنه تبين أنه من الأسهل تدريب ذكاء اصطناعي يستفيد من قدرة الاحتياط بدلاً من تدريب ذكاء لا يستطيع ذلك.
في نهاية الأمر، لا تزال هذه تكنولوجيا ناشئة وموضوع بحث يستحق الدراسة من نواحي الإمكانيات والآثار المترتبة.
لكن تتمثل أمامنا الإمكانات الهائلة والتطبيقات لهذه التكنولوجيا على الذكاء الاصطناعي ومجالات أخرى عديدة من تحليل ومعالجة أنظمة الزمن الحقيقي إلى تمييز الأنماط والصور والتحكم بالروبوتات.
ترجمة : قصي أبوشامة
تدقيق :بدر الفراك