الذاكرة البانورامية ، كيف تتذكر أدمغتنا تفاصيل الأشياء حولنا ؟
إذا طلب منك أحدهم يومًا وصف المنزل الذي كنت تقطن فيه أيام طفولتك فإنك على الأرجح لن تصف منزلك وحسب، بل ستصف المباني التي كانت بالقرب من منزلك أيضًا أو على الجهة المقابلة من الشارع.
واستنادًا إلى ذلك حدد علماء معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا منطقتين في الدماغ تساهمان في بناء هذه الذكريات البانورامية.
وينوّه الباحثون إلى أن هاتين المنطقتين في الدماغ من شأنهما مساعدتنا في دمج هذه المشاهدة العابرة في صور بانوراما 360 درجة.
قالت كارولاين روبرتسون طالبة بحوث ما بعد الدكتوراه في معهد ماكغفرن التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لأبحاث الدماغ والزميلة المساعدة في جمعية زملاء هارفارد:
«إن لبيئاتنا تأثيرًا في تشكيل ذكرياتنا».
كما أضافت: « إن ما نحن بصدد البحث عنه هو تلك المراكز الموجودة في الدماغ حيث تندمج ذكرياتك البيئية البانورامية مع مجال رؤيتك الحالي».
وكانت روبرتسون مُعدّة الدراسة قد ظهرت على مجلة علم الأحياء.
أما نانسي كانويشر بروفيسورة والتر آلتر روزينبلث في علم المعرفة والدماغ وعضوة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، فهي المؤلفة الرئيسية لورقة البحث.
بناء الذكريات:
في الوقت الذي ننظر فيه إلى مشهد ما، فإن المعلومات تتدفق من شبكية العين إلى الدماغ الذي يحتوي بدوره على المناطق المسؤولة عن معالجة العناصر المختلفة لما رأيناه كالوجوه والأشياء.
لكن يُشكك فريق معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن المناطق المشاركة في معالجة المشاهد، الفص القذالي والقشرة خلف الدماغ ومنطقة المكان المجاور للحُصين، قد تكون أيضًا مشاركةً في توليد ذكريات بانوراميةٍ لمكان ما كناصية الشارع.
وفيما إذا كان هذا صحيحًا، فإنك إن رأيت منزلين مألوفين لديك على جانبين مختلفين من الطريق فسيكون من شأن ذلك استحضار أنماط مشابهة للأنشطة في هذه المناطق المخصصة من الدماغ. ولذلك فإن منزلين مختلفين في شارعين مختلفين لن يحفزا أنماطًا متشابهة.
نوّهت روبرتسون: «توضح نظريتنا أننا حين نبدأ في بناء ذكرى للبيئة من حولنا فإن هناك مناطق محددة من الدماغ حيث يبدأ فيها تمثيل صورة واحدة بالتداخل مع تمثيلات المناظر الأخرى من المشهد عينه».
واستعرض الباحثون هذه النظرية باستخدام صور للواقع الافتراضي التي تتيح لهم أن يعرضوا للناس مشاهد بانورامية مختلفة.
وعرضوا في هذه الدراسة على المشاركين أربعين صورة لزوايا من شوارع في حي بوسطن بيكون هيل.
أما هذه الصور فقد عُرضت بطريقيتن: رأى المشاركون في النصف الأول من الوقت امتداد 100 درجة من مشهد 360 درجة، بينما رأوا في النصف الثاني من الوقت امتدادات متقطعة من مشهد 360 درجة.
وبعد أن شاهد المشاركون هذه البيئات البانورامية عرض الباحثون عليهم أربعين زوجًا من الصور وسألوهم فيما إذا كانت لذات الزاوية من الشارع أم لا.
حينها، استطاع المشاركون تحديد ما إذا كانت هذه الأزواج تعود لزاوية الشارع عينها بشكل أفضل بكثير حين شاهدوا هذه المشاهد مرتبطة بصورة المائة درجة مما إذا كانوا قد شاهدوها بشكل متقطع.
ووفقًا لما قاله الباحثون، فإن المسح الدماغي أظهر أنه حينما شاهد المشاركون الصورتين وهم على دراية بارتباطهما، كانت أنماط الاستجابة في منطقة القشرة خلف الدماغ والفص القذالي متشابهة، بينما لم يكن الأمر كذلك في حالة أزواج الصور التي شاهدها المشاركون دونما ارتباط بينها.
وتقترح هذه النتيجة أن منطقة القشرة خلف الدماغ ومنطقة الفص القذالي مشتركتين في بناء الذكريات البانورامية من حولنا، بينما لم يكن الأمر كذلك بالنسبة لمنطقة المكان المجاور للحُصين.
إعداد الدماغ:
اختبر الباحثون في تجربة أخرى ما إذا كانت صورة واحدة كفيلة بإعداد الدماغ لتذكر صورة من المشهد البانورامي ذاته.
ولتحقيق هذه الأمر عرض الباحثون على المشاركين مشهدًا وسألوهم فيما إذا كان المشهد عن يمينهم أوعن شمالهم في الوقت الذي رأوه فيه، وقبل ذلك أيضًا أروهم صورة أخرى من ناصية الشارع نفسه أو صورة أخرى لا علاقة لها بسابقتها، فأظهر المشاركون حينها أداءً أفضل بكثير حين تم إعدادهم مع الصورة ذات الصلة.
قالت روبرتسون: « بعد أن ترى سلسلة من المناطر لبيئات بانورامية فإنها ترتبط في الذاكرة بوضوح بمكان معروف».
وأضافت قائلة: « كما أنها تستحضر تمثيلات متداخلة في مناطق محددة من الدماغ مما يعمل على توجيه تجربتك الحسية القادمة ضمنيًا».
ترجمة: شذى الطيار
تدقيق: بدر الفراك
المصدر