يشير مصطلح الديتوكس إلى اتباع حميات ووسائل أخرى أو استخدام منتجات معينة بغية تخليص الجسم من السموم المزعومة. انتشرت أنظمة الديتوكس أو إزالة السمية على وسائل التواصل الاجتماعي، وروّجتها العلامات التجارية التي توفر منتجات ديتوكس وبعض المشاهير والمؤثرين، لكن ما صحة هذه المنتجات علميًا، وهل تزيل السموم حقًا؟
مفهوم إزالة السمية ليس بجديد:
يرجع رواج إزالة السمية إلى عهد أبقراط الذي كان يعتقد أن الصحة السليمة تعتمد على التوازن بين أربعة من سوائل الجسم: الدم والبلغم وعصارة المرارة السوداء والصفراء، وأن الإصابة بالمرض تعني اختلال التوازن بين الأعضاء وسوائل الجسم، وينبغي تصحيح الاختلال للتعافي.
عولجت هذه الاختلالات بوسائل مختلفة على مدى قرون؛ بدءًا من الحقن الشرجية ومحفزات التقيؤ، إلى العلقات الطبية والعلاج بالإدماء.
تتضمن الحقن الشرجية إدخال أنبوب في الشرج يعمل على إيصال الدواء أو السوائل إلى المستقيم، وتشير محفزات التقيؤ إلى المركبات المصممة لتحفيز التقيؤ، ويتمثل الإدماء في استخدام طرائق معينة مخيفة لإزالة دم من المريض وشفاء المرض افتراضيًا.
في حين انتشر طقس الصيام تاريخيًا ولا سيما بين النساء بصفته دليلًا على ضبط النفس والنقاء والصلاح والقدسية.
أنواع الديتوكس:
تختلف أنظمة الديتوكس في وقتنا الحالي عن صورها القديمة، إذ تكمن منتجات الديتوكس التي يمكن شراؤها دون وصفة طبية عادةً في مشروبات أو أنواع شاي تُستخدَم بديلًا عن الطعام، وتبدأ أنظمة الديتوكس أحيانًا بمرحلة صيام أو تتضمن صيامًا متقطعًا طيلة مدتها.
أصبحت بعض العلامات التجارية تضيف ملصق «ديتوكس» أو عبارة «مزيل السمية» على عبوات منتجات مختلفة، مثل القهوة والشاي والمياه المنكهة ومشروبات الفاكهة المضافة والخضراوات وخلطات الأعشاب والمغذيات، إلى جانب الخلطات المضافة التي يُزعَم أنها تتضمن مكونات طبيعية. تدّعي الشركات غالبًا أن هذه المنتجات تطرد السموم من الجسم أو تعزز المناعة.
تشير التوقعات العالمية أن مستوى الطلب على مشروبات الديتوكس في الأسواق، الذي قُدر في عام 2022 بأكثر من 5 مليار دولار، ستزداد قيمته بنسبة 50% قبل عام 2030.
أظهر استبيان عن علاجات إزالة السمية التي يستخدمها المعالجون بالمداواة الطبيعية في الولايات المتحدة، أن أكثر من ثلاثة أرباع المعالجين أوصوا باتباع تدابير غذائية من ضمنها أطعمة يقال إنها مطهرة مثل الشمندر، ومكملات غذائية مثل الفيتامينات والمعادن ومضادات الأكسدة، إضافةً إلى أطعمة عضوية وحميات الإقصاء والمعززات الحيوية أو البروبيوتيك.
في حين أن المشروبات والتدابير الغذائية تمثل النهج التقليدي لإزالة السموم، فهناك ممارسات ديتوكس أخرى أكثر غرابة؛ فمثلًا، خضع ثلث المرضى الذين تضمنتهم الدراسة الأمريكية المذكورة آنفًا لعملية تطهير القولون، التي تعمل بضخ السوائل في القولون لإزالة فضلات الهضم، واستخدم أكثر من ربع المرضى المعالجة المثلية أو الأعشاب المليّنة.
هل يعطي الديتوكس مفعولًا؟
الجواب المختصر هو لا. أظهرت مراجعة بحثية نُشرت في عام 2022 أن حميات الديتوكس فشلت في توضيح المسارات المحتملة التي بإمكانها طرد السموم منها، أو تحديد السموم التي يُزعَم أنها تزيلها.
أوضحت المراجعة أيضًا أن أنظمة الديتوكس تعارض الأسس العامة لفيزيولوجيا الإنسان التي تقول إن فاعلية الكبد والكليتين في طرد السموم من الجسم كافية.
فضلًا عن ذلك، وجدت مراجعة سابقة من عام 2015 أن دراسات الديتوكس لم تقدم أدلة مقنعة تدعم اتباع حميات الديتوكس.
بيد أنه لا يتحتم على الشركات التي تصنع منتجات الديتوكس إثبات فاعليتها قبل بيعها في الأسواق في العديد من الدول، إذ لا تعمل السلطات الرقابية في أغلب الحالات إلا على تقييم مكونات المنتجات لضمان جودتها وأمانها، لكنها لا تقيّم فاعليتها أو نجاحها.
ينبغي تفقد الادعاءات التسويقية على المنتجات قبل شرائها لمعرفة ما يقوله مصنعوها، ومن ضمن الوعود التي قد تكون مضللة عن تأثير المنتجات: قدرتها على طرد السموم، أو إنقاص الوزن بسرعة، أو تعزيز قوة الإرادة، أو زيادة الثقة بالنفس، أو تقوية الطاقة والمناعة، أو إثارة الشعور بالسعادة والسلام الداخلي، أو تحسين البشرة والشعر والأظافر.
مخاطر الديتوكس المحتملة:
يؤدي تناول منتجات الديتوكس عوضًا عن اتباع حمية غذائية عادية إلى انخفاض كبير في إجمالي السعرات الحرارية التي نتناولها، ومن ثم فهي قد تساعد على فقدان الوزن على المدى القصير، لكنها ليست مناسبة للالتزام على المدى الطويل.
تؤدي حميات الديتوكس التي تحصر السعرات الحرارية أو مجموعات غذائية معينة حصرًا شديدًا إلى زيادة خطر نقص المغذيات، ومن ضمن التأثيرات السلبية الناجمة عن ذلك: الإرهاق وحدّة المزاج ورائحة النفس الكريهة.
علاوةً على ذلك، قد لا تكون قائمة مكونات منتجات الديتوكس دقيقة، ما يزيد خطر حدوث الأعراض الجانبية وتناول جرعات مفرطة وغيرها؛ إذ توفي رجل كان يبلغ 50 عامًا في إسبانيا بعد تناوله منتج ديتوكس يطهر الكبد أضيف إليه مكوّنٌ خاطئ أدى إلى تسممه بالمنغنيز.
وجدت مراجعة من عام 2018 و2019 لأماكن تجري عمليات تطهير القولون في نيو ساوث ويلز أن العمليات لا تستوفي معايير مكافحة العدوى.
بيد أن الديتوكس قد يكون خطيرًا على بعض الأشخاص، من ضمنهم الذين يعانون حالات طبية مزمنة مثل اضطرابات الأكل، إضافةً إلى المسنين والأطفال والنساء الحوامل أو المرضعات.
يتمثل الجانب الإيجابي من أنظمة الديتوكس في أنها تنشر الوعي حول العادات التي يمكننا تحسينها في نمط حياتنا، مثل النظام الغذائي وشرب الكحول؛ إذ قد يساعدنا التفكير في هذه الأمور على الشعور بالتحفيز لمحاولة تغيير نظامنا الغذائي وتناول أطعمة صحية أكثر.
اقرأ أيضًا:
بين غياب الفوائد والأضرار المحتملة
دراسات خاطئة تعني أن كل شيء تعرفه عن التغذية خاطئ
ترجمة: رحاب القاضي
تدقيق: جعفر الجزيري
مراجعة: هادية أحمد زكي