منذ التخلي عن معيار الذهب بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى، ومؤتمر بريتون وودز في أعقاب الحرب العالمية الثانية، سعت بعض البلدان جاهدة إلى إيجاد السبل الكفيلة بتعزيز الاستقرار الاقتصادي العالمي، ومن ثم تعزيز ازدهارها. لأغلب هذه البلدان، كانت الوسيلة المثلى للحصول على استقرار العملة ربط العملة المحلية بعملة رئيسية قابلة للتحويل. يتمثل خيار آخر في التخلي عن العملة المحلية والاستخدام الحصري للدولار الأمريكي -أو لعملة دولية رئيسية أخرى، مثل اليورو- ما يعرف بالدولرة.
كيفية الربط
الدولرة هي ربط العملة بقيمة ثابتة من عملة أخرى، إذ «تربط» البلدان عملاتها المحلية بعملة قابلة للتحويل -غالبًا الدولار الأمريكي- فتتمتع العملة المحلية بقيمة العملة الأجنبية واستقرارها. ربط العملة هو وسيلة لإثبات قيمة العملة المحلية مقابل العملات العالمية القابلة للتحويل، ما يساعد على تثبيت سعر الصرف.
بدائل الدولرة
بدلًا من «تعويم» قيمة العملة أو ربطها بالدولار، قد تقرر أي دولة تنفيذ الدولرة الكاملة، أي التحول إلى التعامل بالدولار بالكامل. السبب الرئيسي لذلك هو تقليص المخاطر التي تهدد اقتصادها، ومن ثم توفير مناخ اقتصادي واستثماري مستقر وآمن. البلدان التي تنفذ الدولرة الكاملة هي غالبًا دول نامية أو تمر بمرحلة اقتصادية انتقالية، خاصة تلك التي تعاني ارتفاع معدلات التضخم.
إن العديد من الاقتصادات التي اختارت التعامل بالدولار تستخدم -استخدامًا غير رسمي- عطاءات أجنبية في المعاملات الخاصة والعامة والعقود والحسابات المصرفية، لكن هذا الاستخدام لا يُعَد سياسةً رسمية، والعملة المحلية لا تزال العملة القانونية الرئيسية. يمثل قرار استخدام العطاء الأجنبي حمايةً للأفراد والمؤسسات من خفض سعر الصرف المحلي المحتمل. ولما كان التحول إلى التعامل بالدولار بالكامل يشكل قرارًا شبه دائم، فإن الوضع الاقتصادي للبلاد يصبح أكثر مصداقية، مع تراجع إمكانية شن هجمات المضاربة على العملة المحلية وسوق رأس المال.
يشجع تضاؤل المخاطر المستثمرين المحليين والأجانب على الاستثمار في البلاد وسوق رأس المال. ولما كان الفارق في أسعار الصرف لم يعد يمثل مشكلة، فهذا يساعد على خفض أسعار الفائدة على الاقتراض الأجنبي.
عيوب الدولرة
تحول بعض المعوقات الجوهرية دون تبني العملة الأجنبية. فعندما تتخلى دولة ما عن خيار طباعة أموالها الخاصة، فإنها تفقد قدرتها على التأثير المباشر في اقتصادها، متضمنًا حقها في إدارة السياسة النقدية وأي شكل من أشكال نظام أسعار الصرف.
يفقد البنك المركزي قدرته على تحصيل «سندات الملكية»، أي الأرباح المكتسبة من إصدار العملة، إذ يكلف إصدار العملة أقل من القيمة الفعلية لها. بدلًا من ذلك يحصل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على هذه الفوائد، فتعاني الحكومة المحلية والناتج المحلي الإجمالي خسارةً في الدخل.
في ظل اقتصاد دولاري بالكامل، يفقد البنك المركزي أيضًا دوره بوصفه الملاذ الأخير للإقراض في النظام المصرفي. وفي حين لا تزال الدولة قادرة على توفير أموال للطوارئ المؤقتة من الاحتياطيات المحتفظ بها للمصارف التي تواجه صعوبات، فإنها قد لا تستطيع توفير الأموال الكافية لتغطية عمليات السحب حال نقص الودائع.
عقبة أخرى لبلد يُغلّب نظام الدولرة الكامل، هي أنه يجب شراء أوراقه المالية بالدولار الأمريكي. وإذا لم يكن لدى الدولة ما يكفي من الاحتياطي، فإنها تقترض المال بواسطة عجز في الحساب الجاري للدولة، أو تجد وسيلة لمراكمة الفائض في الحساب الجاري لها.
وأخيرًا، ولأن العملة المحلية رمز لدولة ذات سيادة، فإن استخدام العملة الأجنبية بدلًا من العملة المحلية قد يُضر بشعور الأمة بالفخر.
مزايا الدولرة
إلى جانب الحد من المخاطر والحماية من التضخم وخفض القيمة، توجد بعض الأسباب الوجيهة التي قد تدفع أي دولة إلى اتخاذ قرار التخلي عن هذا القدر الهائل من السيطرة على اقتصادها.
كما ذكرنا، فإن التحول الكامل إلى التعامل بالدولار يعزز ثقة المستثمرين، ويقضي على هجمات المضاربة على العملة المحلية وسعر الصرف. والنتيجة هي سوق مالية أكثر استقرارًا، ونهاية لتدفقات رأس المال المفاجئة إلى الخارج، وميزان مدفوعات أقل عرضة للأزمات.
وقد تُحسّن عملية تحويل التعامل إلى الدولار بالكامل الاقتصاد العالمي، بواسطة السماح بقدر أعظم من التكامل بين الاقتصادات في السوق العالمية.
خاتمة
تتعامل العديد من الاقتصادات الناشئة بالدولار بشكل أو آخر. لكن لن تُقدم أكثر الاقتصادات على الدولرة الكاملة، لأن الاقتصادات التي قد تفكر في التحول إلى التعامل بالدولار بالكامل هي تلك التي لا تزال في طور النمو. ولعديد من البلدان، فإن انتهاج سياسة اقتصادية مستقلة والشعور بسيطرة الدولة، أهم من التحول الكامل إلى التعامل بالدولار، وهو خيار خطير لا رجعة فيه غالبًا.
اقرأ أيضًا:
التحليل التقني للأسهم وتوجهات السوق
ترجمة: عمرو سيف
تدقيق: سماح عبد اللطيف
مراجعة: أكرم محيي الدين