الدوريات الطبية تصاب بحمى التزييف والمعلومات المغلوطة
ازداد انتشار الأخبار الكاذبة في الآونة الأخيرة وخاصة خلال الانتخابات الأمريكية الأخيرة وكان كثير منها ملفق تمامًا نتيجة التحيز الحزبي الشديد، وهي أخبار قد تحفز الناس لاتخاذ قرارات لمنع تهديدات غير موجودة أصلًا.
وربما يظن الناس أن الطب ومنشوراته بعيدان كل البعد عن مثل هذه الأخبار الملفقة، لكن المؤسف أن ذلك ليس صحيحًا، إذ تعتمد عدة دوريات ظهرت في الأعوام الأخيرة أساسًا على نشر مقالات تتضمن علومًا زائفة.
وبنظرة سريعة على هذه المقالات نجدها تبدو كمقالات علمية حقيقية إلا أن ذلك مجرد مظهر.
ويجدر بناشري تلك المقالات الاهتمام أكثر بالأمانة العلمية، وهم يعرفون أن مقالاتهم عن العلوم الزائفة ستخلق طلبًا لا متناهي يضرّ بالعلوم الحقيقية.
تخيل للحظة أن ناشرًا أنشأ دورية للطب السحري تحت شعار كبير ومحترم.
وبعد تأسيس هيئة التحرير المكونة من أكاديميين تابعين لجامعات معروفة يؤمنون بالطب السحري، بدأت الدورية باستقبال وتدقيق المقالات المرسلة من أكاديميين آخرين يؤمنون بالسحر، وبمرور الوقت ستنشأ تغذية مستمرة بمثل هذه المقالات.
وستظهر وتتطور شبكة كبيرة من الخبراء في الطب السحري يراجعون الأوراق البحثية لبعضهم البعض ويدققونها، وينشرون مقالات تتحدث أحيانًا عن حالة الفن في الطب السحري.
ويسمي د. هاريت هال هذا العلم باسم «علوم جنيّة الأسنان،» ويفضل تسميتها بعلوم تقليد البضائع لأن ممارسيه يقلدون سلوك العلماء الحقيقيين من دون أي فهم للواقع.
ولا يمكن لعالم يحترم نفسه أن يهدر وقته بقراء القمامة لذلك فإن معظم العلماء سيتجاهلون مجلة الطب السحري لكنها على الرغم من ذلك ستستمر بالنشر.
وهذا هو بالضبط وضعنا الآن، وربما خمّنت أن مجلة الطب السحري غير موجودة فعلًا، لكن بدلاً منها لدينا العديد من الدوريات المكرسة لأمور خيالية وغير قابلة للتصديق، ومنها الوخز بالإبر فلدينا:
مجلة الوخز بالإبر ودراسات ميريديان. تنشرها إلسيفير.
الوخز بالإبر في الطب. تنشرها المجلة الطبية البريطانية.
الطب الصيني. ينشرها مركز بيوميد.
وتلك بعض المجلات الموجودة على هذا الصعيد لكنها كافية للتوضيح، ونذكر على الخصوص دورية إلسيفير لأن في اسمها نوعًا من السحر: فالميرديان أو الخطوط المغناطسية مفهوم وهمي تمامًا تشير إلى خطوط طاقة وهمية يفترض أنها تتدفق من خلال الجسم.
وهي مثال ممتاز عن الطب السحري الذي تقدم دورية إلسيفير مقالات عنه للأشخاص الذين يودون دراسة هذا الموضوع.
ويشير البروفيسور إدزارد إرنست إلى أن هذه الدوريات والمشابهة لها مجرد مهزلة.
ويقول: «يطلب من المؤلفين المفترضين اقتراح مراجعي المقالات الذين يفضلونهم والذين يعينون حتمًا لتنفيذ هذه المهمة. ولذلك فإن أغلب المقالات التي المنشورة في الطب البديل عديمة القيمة.»
ويثير البحث في المقالات التي نشرتها هذه الدوريات أخيرًا غثيان المهتمين بالشؤون العلمية، ومنها مثلًا مثال عن الوخز بالإبر في المجلة الطبية البريطانية عن إدخال الإبر في جثث الموتى.
أما لماذا تتم دراسة هذا الأمر لأنه حسب تعبير المجلة إذا أدخلت الإبر عميقًا في الجسم فإنها قد تؤذي الكلى.
وفي مثال آخر من دورية إلسيفير نجد أن الوخز بالإبر يساعد على تخفيف الاكتئاب لدى الفئران لكن إذا تم استخدام نقطتين للوخز بالإبر في آن واحد.
وتوجد الآلاف من هذه المقالات المبنية أساسًا على العلوم الزائفة، مع أن الوخز بالإبر مجرد خرافة ما قبل علمية ليس لها أي أساس في الطب، ولم تحصل على أي دليل علمي يدعمها.
ولم تكن منتشرة في الصين حتى نشرها الرئيس ماو بصفتها جزءًا من الطب الشعبي الصيني.
وفعل ماو ذلك لأن الصين كانت تعاني من نقص حاد في العدد الكافي من الأطباء لعلاج عدد سكانها الضخم.
وكان عليه أن يقنع الناس أن المعالجين المحليين يقدمون شيئًا جيدًا وما زالت الصين حتى الآن تستخدم هذه الطريقة للأسباب غير العلمية ذاتها.
ومع أن الوخز بالإبر لا يفيد إلا أنه يواصل انتشاره ويعود ذلك جزئيًا إلى الدراسات السيئة جدًا التي تتلاعب غالبًا بنتائجها.
والوخز بالإبر لا يفيد لأي شيء وهو لا يزيد عن كونه عمل مسرحي يقدمه الدجالون لإقناع المرضى بأن للإبر تأثيرًا عليهم.
ويدعي أنصار الوخز بالإبر أنها تشفي العشرات بل المئات من الحالات المختلفة، لكن في كل مرة تبقى ادعاءاتهم سطحية.
ويحمل الوخز بالإبر مخاطر جدية على المرضى من إصابتهم بالالتهابات وفي بعض الحالات قد يكون الأمر أخطر ويصيب بعضهم بثقوب في الرئة.
ترجمة: أمين السيد
تدقيق: أحمد شهم شريف
المصدر