أحيانًا ما يفيد قلبك يفيدُ عقلك أيضًا! فبحسب دراسة حديثة تضمنت بالغين في الولايات المتحدة تزيد أعمارهم عن 50 عامًا، تبين أن الذين امتلكوا حيوانًا أليفًا أكثر من خمسة أعوام سجلوا درجات أفضل في اختبارات الذاكرة المعرفية، وذلك لدى مقارنتهم بمن يعيشون دون رفاق سكن من هذه الأنواع.
تشير نتائج دراسة في جامعة ميشيغان إلى أن تأثير الحيوانات الأليفة يتجاوز حماية صحة البدن، فقد يؤدي دورًا في صحة الدماغ لدى المسنين أيضًا، إذ أظهرت النتائج اختلافات مثيرة للاهتمام في الدرجات المعرفية للمشاركين الذين سبق أن امتلكوا حيوانات أليفة ضمن فترة الاختبار التي استمرت ستة أعوام، وكان التأثير جليًا خاصةً في المشاركين الذين تزيد أعمارهم عن 65 عامًا، أي العمر الذي تبدأ فيه أعراض الخرف عادةً.
وُجد أن الشخص في هذه الفئة العمرية الذي يمتلك حيوانًا أليفًا أكثر من خمسة أعوام، يتمتع بذاكرة قصيرة المدى وطويلة المدى للكلمات، أفضل بكثير من أشخاص في نفس عمره وليس لديهم حيوان أليف.
قد توضح نتائج هذه الدراسة علاقة ارتباط لكنها لا تؤكد وجود (تأثير الحيوانات الأليفة). فمثلًا، قد يكون الأشخاص الذين يتمتعون بوظيفة معرفية أفضل أكثر حفاظًا على رفقة الحيوانات الأليفة وقدرةً على الاعتناء بها لوقت أطول.
لكن هذه الدراسة تشترك مع كثير من الدراسات الحديثة في الإشارة إلى أن تربية حيوان أليف مفيدة عمومًا، وتحاول كثير من النظريات تفسير السبب دون إثبات أحدها لحد الآن.
أشارت بحوث سابقة إلى أن العلاقة بين الإنسان والحيوان قد تمتلك فوائدًا صحية كخفض ضغط الدم والإجهاد، ولكن أمام الكثير من الدراسات التي ركزت على تربية الحيوانات الأليفة وتأثير الكلاب أو القطط في المشاعر والعاطفة والصحة الجسدية، نجد عددًا أقل بكثير منها تبحث في كيفية تأثير الحيوانات الأليفة في التفكير والقدرات المعرفية.
أظهرت بعض هذه الدراسات نتائج لاغية، ولكن يقترح الباحثون في جامعة ميشيغان أن تأخر المدة التي يستغرقها حيوان أليف للتأثير في الدماغ هو السبب، إضافةً إلى اعتماد الدراسات السابقة على تجارب قصيرة مع كلاب غير معروفة للمشاركين لاختبار هذا التأثير، فطبعًا لن يتغلب الشخص على الوحدة في يوم واحد، والصداقة لا تُبنى بجلسة مداعبة واحدة.
هل تؤثر تربية الحيوانات الأليفة إيجابيًا في صحة الدماغ ؟
تُظهر إحدى دراسات الأكاديمية الأمريكية لطب الأعصاب أن امتلاك الحيوانات الأليفة كالكلاب أو القطط مدة خمسة أعوام أو أكثر يرتبط بتأخير تراجع الإدراك والقدرات المعرفية لدى المسنين، وعليه بالوسع القول إن له دور وقائي ضد التدهور المعرفي.
استخدم الباحثون بيانات من دراسة الصحة والتقاعد (وهي دراسة كبيرة للمستفيدين من برنامج Medicare)، وخضع المشاركون لاختبارات معرفية متعددة، استُخدمت لتقييم صحة الدماغ بدرجة معرفية مركبة لكل شخص، تتراوح من صفر إلى 27.
تضمنت النتيجة المركبة اختبارات حسابية شائعة وحفظ الكلمات واسترجاعها، وقُدّر منها مدى الارتباط بين سنوات امتلاك الحيوانات الأليفة والوظيفة المعرفية.
على مدى ستة أعوام، انخفضت الدرجات المعرفية بمعدل أبطأ لدى أصحاب الحيوانات الأليفة، وكان الاختلاف أكبر لدى مالكي الحيوانات الأليفة على المدى الطويل.
ومع الأخذ بالحسبان العوامل الأخرى المعروفة بتأثيرها في الوظيفة المعرفية للدماغ، أظهرت الدراسة أن أصحاب الحيوانات الأليفة على المدى الطويل لديهم درجة معرفية مركبة أعلى بمقدار 1.2 نقطة مقارنة بمن لا يملكون حيوانات أليفة، وذُكر أن هذه الفوائد المعرفية المرتبطة بامتلاك الحيوانات الأليفة كانت أقوى لدى البالغين السود، والبالغين المتعلمين في الجامعات، والرجال.
يفرض امتلاك الكلاب على أصحابها النهوض والتحرك أكثر، ومن المعلوم مدى ارتباط الحركة والنشاط اليومي بصحة الدماغ وطول العمر الوظيفي.
تجلب حيوانات المنزل أيضًا بكتيريا جديدة إلى الدورة الدموية لأصحابها، ما يحقق فائدة مهمة لصحة الأمعاء، وفي هذا السياق، بات العلم يدرك مؤخرًا أن الاتصال بين الجهاز الهضمي والدماغ أكثر أهميةً بكثير مما بدا في السابق.
إضافةً إلى ذلك، قد تجعل الحيوانات الأليفة أصحابها أكثر سعادةً، إذ تشير الدراسات إلى أن وجود الحيوان في المنزل يخفف الشعور بالوحدة والتوتر المزمن، ولهذا الأمر أهمية بالغة في سن الشيخوخة أكثر من أي وقت مضى، فالعزلة قادرة على تغيير بنية الدماغ ووظيفته حسب الكثير من الأدلة.
يقضي مربّو الحيوانات الأليفة أيامهم بصحبتها، ما يخلق تأثيرًا في كل جانب من جوانب حياتهم تقريبًا، وقد يُعد وجود كائن ما للتحدث معه ضمن اليوم (حتى لو لم يكن إنسانًا) تدريبًا لشبكات باحات الكلام في الدماغ، إذ تُنشط الحيوانات الأليفة مالكيها وتجعلهم أكثر لياقةً شكليًّا وضمنيًا.
يرى الباحثون أن تخفيف الإجهاد والتوتر في وجود حيوان أليف يشارك الشخص حياته اليومية يقدّم سببًا معقولًا لهذه النتائج، نظرًا إلى الأثر السلبي المعروف للتوتر في الوظيفة الإدراكية والمعرفية على المدى الطويل.
إذن باختصار، يساعد امتلاك حيوان أليف في الوقاية من سبل مختلفة للتدهور المعرفي، وما زلنا بحاجة إلى مزيد من البحث لاستكشاف الأسباب المحتملة لهذه الارتباطات وتأكيدها، إذ تقدّم بمجملها أسلوبًا لطيفًا ومُحببًا للحفاظ على صحة الدماغ.
اقرأ أيضًا:
متى أصبحت القطط حيوانات أليفة؟ هذه الدراسة تحمل الإجابة
شبكیة العین نافذة مباشرة على صحة الدماغ، تكشف أعراض ألزھایمر المبكرة
ترجمة: لمك يوسف
تدقيق: هادية أحمد زكي
مراجعة: محمد حسان عجك