أضواء مشعة تظهر من المحاكي الكمّي لجامعة ماريلاند كاشفة عن نتائج التجربة.
جامعة ماريلاند « University of Maryland »
عندَ وضع 50 ذرة مفردة طنانة في وسطٍ فارغ ستتشكل فيما بينها خطوط غير مرئية من القوة المغناطيسية الكميّة ، فإن تهزهزت ذرة واحدة ستهتز الذرات الأخرى معها.
انقُر ذرة ثانية كجرس وستلتقط الذّرات الأخرى النغمة بشكلٍ مختلف أو سرعةٍ أبطأ فأيُّ حركة لذرة واحدة تؤثر على الـ50 ذرة الباقية هذا يشكل عالم صغير دقيق ومعقد.
هناك حدودٌ في عالمنا تجعل هذه الاهتزازات صعبة التنبؤ، على سبيل المثال لا يمكنُ أن يتحرك شيء أسرعَ من الضوء ولا تصل نقطة التجمد لأقل من درجة الصفر المطلق، كما لايمكن للحواسيب الكلاسيكية التنبؤ بما سيحدث في هذا العالم الصغير من ال50 ذرة المتفاعلة.
ليسَت المشكلة أنّ حواسيبنا ليست كبيرة بما يكفي، فإذا كان عدد الذرات 20 ذرة فيمكنك تشغيل المحاكاة على حاسبك المحمول، ولكن عندما يتضخم العدد ليشمل 50 ذرة فالتنبؤ بطريقة تصرفها صعبٌ للغاية على أي جهاز كمبيوترٍ عادي.
حتى أكبر الحواسيب العملاقة التي يمكن للبشرية بناؤها ستدخلُ في متاهةٍ لامنتهية من الحسابات أيًا كان الجواب الذي سينتج في النهاية قد يموتُ الكون ولا ينتهي حسابُه.
«الأسرار الغامضة الـ18 التي لم تحل في الفيزياء-The 18 Biggest Unsolved Mysteries in Physics».
ومع ذلك، فإن المشكلة قد حلت للتو، ومرتين في الواقع.
أنشأ مختبران أحدهُما في جامعة هارفارد والآخر في جامعة ميريلاند«UMD» آلات تحاكي المغناطيسية الكميّة على هذا النطاق، ونُشِرت نتائجهم كوثائق مزدوجة في 29 نوفمبر في مجلة «Nature»، أظهرت قدرات اثنين من أجهزة الكمبيوتر الكميّة الخاصة والتي تخطت ما يمكن لأي جهاز كمبيوتر تقليدي أو كم بُني سابقًا تحقيقه.
أدوات التجربة في متناول اليد
وقال ميخائيل لوكين أحد قادة فريق هارفارد لمجلة «Live Science» -مشيرًا لآلة في مختبره – :«إنها محاكي كمّي».
بُنِيَ المحاكي الكمّي لمهمةٍ محددة لدراسة تطور النظم الكميَة فلن يفكك رموز تشفير البنوك في العالم، أو يَجد أعلى جبل في سلسلة جبال أو ينجز أيًا من المهام الأخرى المناسبة لحواسيب الكم العامة.
فبدلًا من ذلك، تجيد آلات هارفارد و جامعة ماريلاند حلَّ نوعٍ معين من المشاكل: إذا بدأ نظام كَم معقد في حالة ما، كيف يمكنه أن يتحرك ويتطور.
يبدو سؤالًا صغيرًا، ولكن لحلّه يطور الباحثون تكنولوجيا جديدة ويقومون باكتشافات في الفيزياء لتسمحَ ببناءِ حواسيبٍ أكثر تعقيدًا لتتمكن من إنجاز المهام المطلوبة.
آلتان مختلفتان
تتشابه المحاكيات الكميَة في ماريلاند وهارفارد في الكثير من الطرق فإنها تحلُّ نفسَ أنواع المشاكل وتستخدم الذّرات الفردية كبتات كميّة«qubits-Quantum bits» – الوحدات الأساسية في أجهزة كمبيوتر الكم- وتشمل أشعة الليزر المُكلفة وغرفَ الفراغ، ولكنّها ليست نفسها.
في ميريلاند، البتات الكميّة هي أيونات – ذرات مشحونة كهربائيا – من الإيتربيوم«Ytterbium» المعدني الفضي الأبيض.
احتجز الباحثون 53 بت كمي في مكان واحد باستخدام أقطابٍ صغيرة خلقت مجالاتٍ مغناطيسية في فراغ مُفرَغٍ أكثر من الفضاء الخارجي، ثم بُرِّدُوا بأشعة ليزر حتى ثبتوا تقريبا.
تخزن البتات الكميّة في جامعة ماريلاند معلوماتها عميقًا داخل الذرة كحالات دوران «spin states»-ميزات ميكانيكية كميائية خاصة للجزيئات الصغيرة.
وقالَ كريستوفر مونرو، الذي قاد فريق ماريلاند، لـ«Live Science»: »تحتفظ البتات الكميّة بكل معلوماتها طالما أنها معزولة«
ولكن إذا سمح الباحثون لهذه البتات الكمية بالاهتزاز كثيرًا، أو التحطم في جزيئات الهواء أو قاموا حتى بقياس حالة الدوران الموجودة في البت الكمي، فستضيع كلُّ تلك البيانات.
(يندرجُ ذلك تحت قواعد توجيه العقل التي تحكم العالم الكمي، فقياس أو حتى مراقبة الجسيمات دون الذرية ينذرُها).
هذه المجالات المغناطيسية تثبّت الذرات في مكانها دونَ لمسها، مما يسمحُ لها بالبقاء غيرَ مشوشةٍ غالبًا.
حصلَ مونرو وفريقه مرةً على الأيونات حيث أرادوهم، فطبقوا عليهم دفعًا مرةً أخرى باستخدام الليزر فكان لهذا الدفعِ تأثيرٌ ملتوي.
«نطبق قوة على الذرة فتدفعها بطرقٍ مختلفة اعتمادًا على حالة الدوران للبت الكمّي».
ولأن حالة البت الكمّي غيرُ معروفة، وقوانين ميكانيك الكم الغريبة تسبب تحرّك الذرة في كلا الاتجاهين في نفس الوقت، فالجسيمات الصغيرة تنشر نفسها عبر الفضاء، وتتحول لمغناطيس كمّي كبير يتفاعل مع جميع أشقائه في فخ القطب الكهربائي، انتشرت مرةً جميع الأيونات وتحولت بهذه الطريقة الغريبة، فتفاعلت مع بعضها البعض بسرعةٍ كبيرة.
محاكي جامعة هارفارد
لا يعملُ محاكي هارفارد مع الأيونات أو الأقطاب الكهربائية.
قال لوكين «لدينا ما يقرب 100 حزمة ليزرٍ فردية مركزة بإحكام في خليةٍ من فراغ، وداخل الخلية بخار رقيق جدًا من ذرات الروبيديوم» .
تشبه بذلك ملاقطًا بصرية دقيقة، تسحب ذراتٍ فردية من البخار وتحصرهم في مكان معين.
سمحَ ذلك لفريق جامعة هارفارد ببرمجة جهازهم بدقة وأتاح لهم ترتيبَ الذرّات في الإعداد الذي يريدون اختباره قبل بدء المحاكاة.
عندَ تعيين جميع الذرات في الفضاء، يبردُ النظام كاملًا ليصل لدرجة الصفر شبه المطلق، يدفعُ الجهاز الذرات مرة أخرى بأشعة الليزر. لايحرك أو يبرّد الليزر الذرات بدلا من ذلك فإنه يسبب نموهم بشكلٍ نشط ليدخلو ما يسمى حالة ريدبرغ «Rydberg state».
في حالة ريدبرغ، لا تنتشرُ الذرات بين نقطتين لكنّها تنتفخ بدلًا من ذلك.
تملكُ كلّ ذرة إلكترونات تدورُ حولَها، و تبقى عادةً تلك الإلكترونات مقيدةً في مدارات ضيقة أما في حالة ريدبرغ تتأرجح الإلكترونات على نطاق أوسع وأوسع وأبعد وأبعد عن نواة الذرّات – حتى تتقاطعَ مساراتُها مع الذرات الأخرى في محاكاة جهاز الكمبيوتر.
تجدُ الذرات النشطة بشكلٍ مفاجئ نفسها تقاسم نفسَ المكان – كما الحال في آلة ماريلاند – تتفاعل مع بعضها البعض كمغناطيس الكم الذي يمكن للباحثين مراقبته.
ماذا تعني هذه التجربة وإلى أين تتجه
إن محاكاة الكم لـ 50 بت كمّي مثيرةٌ للاهتمام ولكنها ليست مفيدة بشكل هائل، قال مونرو: « إنّ الخطوة التالية لمختبره هي خلق محاكياتِ كَمٍ تتضمن مصفوفاتٍ من أكثر من 50 بت كمّي متصلةً كشبكة لمحاكاة أحداث الكم الأكثر تعقيدًا».
كما ذكر أن فريقه وفريق هارفارد يقدمان خارطةً لمجموعاتٍ أخرى تحاول بناء آلات الكَم.
ذكر مونرو:«تكمن روعة البتات الكمية الذرية بأنها مثالية»
على عكس البتات الكمية الصلبة الأكثر تعقيدًا المطبوعة على رقائقٍ في مختبرات Google وIBM، ستحتفظ البتات الكمية الذرية بمعلوماتها طالما لم تُشوَّش،
يكمنُ التحدي بالنسبة للباحثين كمونرو و لوكين ببناء أشعة ليزر وغرف فراغٍ دقيقة بما يكفي كي لا تتشوش مصفوفاتها المتزايدة من البتات الكميّة.