ركّزت دراسة جديدة على مرضى ارتفاع ضغط الدم الذين يعانون من مرض الكلى المزمن، وتحديدًا على أثر العلاج الدوائي التقليدي لوحده ومقارنة أثر زيادة استهلاك الخضراوات والفواكه إلى جانب الدواء، فأظهرت النتائج أن هذه الإضافة أكثر فاعلية في الحفاظ على صحة الكلى وتحسين صحة القلب والأوعية الدموية.

يُعد ارتفاع ضغط الدم العامل الرئيسي الممكن تجنبه لأمراض القلب والأوعية الدموية مثل أمراض القلب والسكتة الدماغية، وتقدّر بيانات من 2017 إلى 2020 أن 47% من البالغين في الولايات المتحدة يعانون ارتفاع ضغط الدم.

أظهرت دراسة متابعة جديدة لمدة 5 سنوات نُشرت في المجلة الأمريكية للطب أن تناول كمية 2-4 أكواب إضافية -بين 350-700 غرام- من الخضراوات والفواكه في النظام الغذائي اليومي مع العلاج الدوائي أدى إلى خفض ضغط الدم، وتقليل أكبر لعوامل خطر الإصابة بأمراض القلب، والحفاظ على صحة الكلى أكثر من العلاج الدوائي وحده.

بالنسبة للمرضى الذين لاحظوا تأثيرات وقائية في صحة الكلى، طلب الباحثون منهم بالتحديد تناول الخضراوات والفواكه التي تزيد من مستويات درجة الحموضة pH في الدم بعد استقلابها، ولوحظت نفس التأثيرات الوقائية أيضًا في مجموعة المرضى الذين تناولوا قرص بيكربونات الصوديوم فمويًا يوميًا. إذ يزيد بيكربونات الصوديوم أيضًا من درجة حموضة الدم، أي أن كليهما أظهر تحسينًا في صحة الكلى، لكن تناول الخضراوات والفواكه فقط هو الذي قلل من ضغط الدم وعوامل خطر الإصابة بأمراض القلب.

قال الدكتور دونالد ويسون بوصفه مؤلف الدراسة: «تبرر الدراسة مضاعفة جهودنا لجعل الأنظمة الغذائية الغنية بالخضراوات والفواكه أساسية في علاج ارتفاع ضغط الدم، مع إضافة الأدوية حسب الحاجة لتحقيق أهداف ضغط الدم ومنع مضاعفات الكلى و القلب».

العلاقة بين ارتفاع ضغط الدم ومرض الكلى المزمن:

يعد ارتفاع ضغط الدم غير المنضبط عامل خطر لمرض الكلى المزمن إلى جانب ارتباطه بأمراض القلب والأوعية الدموية، إذ يرتبط ارتفاع ضغط الدم بتضيق الأوعية الدموية في الجسم وتصلبها، ومن ضمنها أوعية الكلى.

يملك الجسم عادةً آليات للحد من تلف الكلى استجابةً لتغيرات ضغط الدم، لكن زيادته فوق عتبة معينة قد تؤدي إلى تصلب الأوعية الدموية في الكلى وتؤثر في وظيفتها.

تحديدًا، قد يؤدي ارتفاع ضغط الدم على فترة طويلة إلى تلف الكبيبات، ويؤثر سلبًا أيضًا في وظيفة الكلى ويعيق قدرتها على تصفية الفضلات من الدم. ويتميز مرض الكلى المزمن أيضًا بطرح البروتينات في البول.

يزيد تطور مرض الكلى المزمن خطر الأمراض الوعائية، إذ تُعد أمراض القلب والأوعية الدموية السبب الرئيسي للوفاة لدى المرضى الذين يعانون أمراض الكلى، وهذا يبرز أهمية تدبير ارتفاع ضغط الدم وحماية وظيفة الكلى.

دور النظام الغذائي في تدبير ارتفاع ضغط الدم:

تُعد تغييرات نمط الحياة الخط الأول الموصى به لعلاج ارتفاع ضغط الدم، ومن ضمنها اعتماد أنماط غذائية أكثر صحة، فقد طُوِّر مثلًا نظام DASH الغذائي للمساعدة على خفض ضغط الدم لدى المرضى الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم، وهو يشجع على تناول الخضراوات والفواكه والبروتينات الخالية من الدهون ومنتجات الألبان منخفضة الدهون. وقد يقلل أيضًا خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية عمومًا ويمنع تقدم مرض الكلى المزمن أو يبطئه.

تشير الدراسات عمومًا إلى أن الأنظمة الغذائية الغنية بالخضراوات والفواكه مرتبطة بانخفاض خطر حدوث مرض الكلى المزمن وتقدمه وانخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.

في هذه الدراسة عمل الباحثون على تحديد الدور الوقائي للخضراوات والفواكه لدى الأفراد الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم ومرض الكلى المزمن.

كيف تؤثر الأطعمة المنتجة للأحماض في صحة الكلى؟

تنتج معظم الأطعمة النباتية -ومنها الخضراوات والفواكه- مركبات قلوية بعد الهضم، ما يؤدي إلى زيادة صافية في مستويات pH في الدم، ولذلك تُعرف هذه الأطعمة بالأطعمة القلوية. وفي المقابل تميل معظم المنتجات الحيوانية والحبوب إلى إنتاج الأحماض وتقليل مستويات pH في الدم بعد استقلابها، فتُعرف هذه بالأطعمة الحامضية.

تساهم الكلى في الحفاظ على مستويات pH في الدم بطرح الأحماض وإعادة امتصاص القلويات، لكن قدرة الكلى على طرح الأحماض محدودة، وقد يؤدي الاستهلاك المرتفع للأطعمة المنتجة للأحماض إلى إضعاف وظيفة الكلى.

قال الدكتور ويسون: «أظهرت دراساتنا على الحيوانات منذ سنوات أن الآليات التي تستخدمها الكلى لإزالة الأحماض من الدم قد تسبب إصابة كلوية إذا كانت الحيوانات معرضة لنظام غذائي منتج للأحماض فترة طويلة. أظهرت دراسات المرضى لدينا نتائج مشابهة، أي أن النظام الغذائي المنتج للأحماض -الذي يحتوي على كميات كبيرة من المنتجات الحيوانية- كان ضارًا بالكلى، بينما النظام الغذائي المنتج للقلويات -الذي يحتوي على كميات كبيرة من الخضراوات والفواكه- كان صحيًا للكلى».

تشير الدراسات الرصدية أيضًا إلى أن تناول نظام غذائي غني بالأطعمة الحامضية مرتبط بنتائج صحية سلبية، ومنها زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.

أضاف الدكتور ويسون: «أظهر باحثون آخرون أن النظام الغذائي الغني بالخضراوات والفواكه مفيد لصحة القلب، فافترضنا أن إحدى الطرق التي تجعل هذه الحمية مفيدة لكل من الكلى والقلب هي أنها تقلل من كمية الأحماض في النظام الغذائي، وبالنتيجة كمية الأحماض التي يجب على الكلى إزالتها من الجسم».

تماشيًا مع هذه الفرضية، اقترحت بعض الدراسات أن تقليل الحمض الغذائي باستخدام بيكربونات الصوديوم فمويًا (صودا الخبز) قد يبطئ تقدم مرض الكلى المزمن. ولكن توجد حاجة إلى مزيد من البحث لفهم دور الحِمل الحمضي الغذائي بطريقة أفضل في الوقاية من مرض الكلى المزمن وتدبيره.

في الدراسة الحالية، قارن الباحثون فاعلية زيادة استهلاك الخضراوات والفواكه مع بيكربونات الصوديوم في إبطاء تقدم مرض الكلى المزمن، والتحكم في ضغط الدم، وتحسين الصحة القلبية الوعائية لدى مرضى ارتفاع ضغط الدم الذين يعانون من مرض الكلى المزمن.

التأثير الصحي لتناول المزيد من الخضراوات والفواكه:

شملت الدراسة العشوائية المضبوطة 153 فردًا يعانون ارتفاع ضغط الدم ومرض الكلى المزمن. تضمنت الدراسة المشاركين الذين لديهم نسبة ألبومين في البول إلى الكرياتينين مرتفعة (200 ملغ/غ).

مع أن هؤلاء المرضى كانوا يعانون من مرض الكلى، فقد أظهروا معدلات تصفية كلوية طبيعية، ما وضعهم في فئة من المرجح أن تستفيد أكثر من التدخلات الواقية للكلى. وقد أُسنِد المشاركون عشوائيًا إلى مجموعة تدخل الخضراوات والفواكه، أو مجموعة علاج بيكربونات الصوديوم الفموية، أو مجموعات العلاج المعتادة.

تناول المشاركون في مجموعة الخضراوات الفواكه نحو 350-700 غرام إضافي من الفواكه والخضراوات المنتجة للقلويات يوميًا، بالإضافة إلى نظامهم الغذائي اليومي المعتاد. بينما أُعطيَ الأفراد في مجموعة بيكربونات الصوديوم جرعة فموية لها تأثير مشابه في مستويات pH في الدم لما لوحظ بعد استقلاب تلك الكمية من الخضراوات والفواكه.

خلال فترة المتابعة التي استمرت خمس سنوات، تتبع الباحثون التغيرات في معدلات تصفية الكلى لتقييم وظيفة الكلى ونسبة الألبومين إلى الكرياتينين في البول لمراقبة تقدم مرض الكلى. ونظروا أيضًا إلى علامات أمراض القلب والأوعية الدموية.

وجد الباحثون أن الأفراد في مجموعة العلاج المعتادة أظهروا انخفاضًا أكبر في وظيفة الكلى وزيادة أكبر في نسبة الألبومين إلى الكرياتينين في البول مقارنة بمجموعتي الخضراوات والفواكه وبيكربونات الصوديوم.

لم يلاحظ الباحثون فرقًا في وظيفة الكلى أو مستويات الألبومين في البول بين مجموعة الخضراوات والفواكه ومجموعة بيكربونات الصوديوم، لكن تشير هذه النتائج أيضًا إلى أنه كان لكليهما تأثير وقائي أكبر في صحة الكلى ووظيفتها مقارنة بالعلاج الدوائي وحده.

إضافةً إلى ذلك، أظهرت كل من مجموعة الخضراوات والفواكه ومجموعة بيكربونات الصوديوم مستويات أعلى من البيكربونات البلازمية مقارنة بمجموعة العلاج المعتادة، ما قد يشير إلى توازن أفضل للحمض والأساس في الجسم. وهذا يشير إلى أن زيادة استهلاك الخضراوات والفواكه وبيكربونات الصوديوم الفموية قد يؤثر وقائيًا في صحة الكلى بفضل تغييرات في توازن الحمض والأساس.

سجلت مجموعة الخضراوات والفواكه تحسينات أكبر في علامات القلب والأوعية الدموية الأخرى، ومنها مؤشر كتلة الجسم (BMI) والكوليسترول و (LDL)، مقارنة بمجموعتي بيكربونات الصوديوم والعلاج المعتاد. وأخيرًا، أظهرت هذه المجموعة تفوقًا صحيًا مع إن مشاركيها تناولوا جرعات أخف من دواء ضغط الدم مقارنةً بمجموعة بيكربونات الصوديوم والعلاج المعتاد.

اقرأ أيضًا:

هل يسبب القلق ارتفاع ضغط الدم؟

أشياء غير متوقعة تدمر الكلية

ترجمة: علاء الشحت

تدقيق: محمد حسان عجك

المصدر