عند التحدث عن التطور البشري، فإننا غالبًا ما نقصد دراسة تطور البشر كأنواع مختلفة، وعلاقتنا مع أسلافنا القدامى، واستمرارنا في التغيير في العصر الحديث. لكن الدراسات الجديدة الآن تكشف أن دراسة التطور البشري قد تشمل بُعدًا جديدًا داخل خلوي، إذ لوحظ تغيير في طريقة دخول المادة الوراثية من الميتوكوندريا إلى الجينوم.
فضلًا عن اكتشاف آلية تدرس التغير الذي حصل لجينوم الإنسان العاقل، وكيفية نقل هذه التغيرات إلى نسلهم، اكتُشف أن إدخالات الحمض النووي الميتوكوندري توجد في بعض الأورام. وتعني هذه النتائج أن هذه الإدخالات حدثت في الجينوم للمساعدة على محاولة إصلاح الضرر الذي يحصل في الخلية، ولكن تسببت أحيانًا هذه الإدخالات في الإصابة بالسرطان.
يدير هذا البحث جامعة كامبريدج وجامعة كوين ماري في لندن حيث درس العلماء الحمض النووي لدى 11000 عائلة كجزء من مشروع 100000 جينوم في إنجلترا الذي يهدف إلى دراسة السمات الموروثة من الأب. إذ كانوا يجرون الدراسة بصفتها جزءًا من بحث سابق كان يظن أن الحمض النووي الميتوكوندري ينتقل إلى الأبناء من الأب، وهو اكتشاف مثير للفضول نظرًا إلى أنه كان يبدو سابقًا أنه يورث من الأم فقط.
كشفت الدراسات أن الإضافات التي تحدث في الحمض النووي الميتوكوندري عند الأطفال المشاركين في الدراسة لا يبدو أنها تأتي من الوالدين. وبعد توسيع نطاق بحثهم ليشمل أكثر من 66000 شخص، أصبح من الواضح أن دخول الحمض النووي الميتوكوندري إلى الجينوم يحدث طبيعيًا، ويمثل آلية جديدة تساعد على التطور البشري.
قد لا يكون لإدخالات الحمض النووي الميتوكوندري في الجينوم أي آثار ملحوظة على الشخص بسبب الطريقة التي قد يُعبر عنها جينيًا بالتعديلات غير الجينية. أما عند بعض الأشخاص، فقد تؤدي هذه الإدخالات إلى مرض خطير.
نشر البروفيسور باتريك تشينري من وحدة علم الأحياء الميتوكوندريا التابعة لمجلس البحوث الطبية وقسم علوم الأعصاب السريرية بجامعة كامبريدج على موقع IFLScience: «تقع هذه الإدخالات عادةً في منطقة مشفرة لا يُعبر فيها عن الحمض النووي أو قد يحدث لها إسكات بواسطة المثيلة لمنعها من التأثير في عملية صنع البروتينات. ولكن إذا تسببت في تعطيل أي جين، فقد تؤدي إلى الإصابة بالسرطان أو الأمراض الوراثية النادرة».
أما أولئك الذين يحتاجون إلى خلاصة سريعة، احتلت الميتوكوندريا مكانة باعتبارها قوة الخلية، وهو وصف دقيق للعضية التي تزود الخلية بالطاقة اللازمة للحفاظ على عملياتنا البيولوجية مستمرة.
أوضح تشينري في بيان: «بدا أن كل هذا حدث منذ وقت طويل جدًا حتى قبل أن نتشكل كنوع مستقل في مسيرة التطور البشري، ولكن ما اكتشفناه هو أن هذا ليس صحيحًا؛ لأننا الآن يمكننا نقل أجزاء من الشيفرة الوراثية للميتوكوندريا إلى الجينوم النووي بطريقة قابلة للقياس».
يتطلب فهم الطريقة الدقيقة التي تدخل بها هذه الإدخالات إلى الجينوم مزيدًا من الدراسات، ولكن يبدو أنها تؤثر في طفل واحد من بين 4000 طفل يولد، وربما تحدث هذه الإدخالات داخل بويضة الأم.
كشفت التحليلات التي أجريت على 12500 عينة من الورم أن هذه الإدخالات أكثر شيوعًا في السرطانات، وتوجد في 1 من 1000 تقريبًا، وقد تكون في بعض الأحيان مسؤولة عن المرض. مع ذلك، تؤدي هذه الإدخالات دورًا في فهم أبحاث السرطان نظرًا إلى تأثيرها في الخلايا الورمية.
أوضح تشينري على موقع IFLScience: «يبدو أن الإدخالات تعمل على إصلاح الخلل الذي يطرأ على انقسام الخلايا الذي يعد سببًا رئيسًا للسرطان».
تظل الأسئلة حول كيفية دخول الحمض النووي الميتوكوندري إلى الجينوم، وهل يؤثر في الحمض النووي في النواة أو لا؟ ولكن هذا الاكتشاف له دور كبير في فهم التطور البشري، وآلية حدوث العديد من الأمراض.
اختتم البروفيسور مارك كولفيلد نائب مدير الصحة في جامعة كوين ماري بلندن في بيان: «أنا سعيد جدًا لأن مشروع 100000 جينوم قد اكتشف التفاعل الديناميكي بين الحمض النووي الميتوكوندري والجينوم في نواة الخلية. ويؤدي هذا الاكتشاف دورًا جديدًا في إصلاح الحمض النووي، ولكن في بعض الحالات ربما يؤدي إلى الإصابة بمرض نادر أو حتى ورم خبيث».
اقرأ أيضًا:
تساعد الميتاكوندريا عيون الثدييات على الرؤية عبر معالجة الضوء
ترجمة: فاطمة الرقماني
تدقيق: هادية أحمد زكي