وضع الجزومات-Assumptions
جل الاختبارات والتجارب العلمية تتطلب وضع جزومات-Assumptions، تكون الكثير منها مبررة.
فتخيل مثلًا تجرية بسيطة وسهلة لاختبار الفرضية-Hypothesis التي تنص على أن المادة A تمنع نمو البكتيريا.
يوضع في بعض أطباق بتري مزيجًا من المادة A في وسطٍ ملائمٍ لنمو البكتيريا وتُملأ أخرى بالمادة B الجامدة في وسط ملائم لنمو البكتيريا.
تترك البكتريا داخل أطباق بتري لمدة يوم ثم تُراقَب، وذلك لاستخلاص الأطباق التي حرضت على نمو البكتيريا.
رغم اننا نعتبر أت هذا الاختبار بسيط إلا أنه يعتمد على عدة جزومات: نجزم أنه بإمكان البكتيريا أن تنمو في وسط النمو.
ونجزم أن المادة B لا تؤثر على نمو البكتيريا.
ونجزم أن يومًا واجدًا يكفي لنمو مجموعة من الخلايا.
كما أننا نجزم أن حبر القلم المستعمل لتعليم الأطباق لا يؤثر على نمو البكتيريا.
يمكن اعتبار هذه الجزومات معقولةً وأنه يمكن اختبارها.
فالعلماء الذين يقومون بالاختبار يعللون الجزومات بالتجربة.
على سبيل المثال، يمكن اختبار بطريفة منفصلة إذا كانت المادة B تؤثر على نمو البكتيريا للتحقق أنها جامدة كما تم جزمه.
كما أن هناك جزومات أخرى قد حققت من طرف علماء آخرين خلال تجارب ماضية.
فمثلًا إمكانية نمو البكتيريا في وسط النمو قد درست سابقا من طرف العديد من العلماء.
تبقى بعض الجزومات غير محققة لأن معلوماتنا حول المجال تسمح لنا بالقول إن الجزم آمن.
كل الاختبارات العلمية تتطلب الجزم، ولكن معظمها قد تحققت أو ستتحقق خلال اختبار منفصل.
خلال تقييم فكرةٍ ما تحت ظل نتائج الاختبار، يجب معرفة الجزومات جيدًا ومدى دعمها وصحتها.
إذا لم تتحقق التوقعات المنتظرة بعد التجربة أو الاختبار، فيكون بسبين، أولهما أن الفكرة المتوقع الوصول إليها خاطئة، أو أن الفكرة صحيحةً بينما تم انتهاك واحدةٍ من الجزومات.
إذا كانت النتائج تؤيد الفكرة الأولية، فذلك بسبب كون الفكرة صحيحة ويمكن تقبلها، أو بالمقابل، بسبب الجزم المنتهك قد أدى إلى نتيجةٍ إيجابية ولكن خاطئة.
التحليل داخل المجتمع العلمي
الفكرة النمطية التي قد يملكها البعض حول الباحث العلمي على أنه شخصٌ وحيد يوظف خليطًا من المصطلحات العلمية، والتي لا تعطي صورة شخص يعتمد عمله على التواصل مع المجتمع العلمي، رغم أن للتفاعل والتبادل مع المجتمع العلمي دورٌ أساسيٌّ في المنهاج العلمي.
لا يعمل العلماء وهم منعزلون عن غيرهم.
هم في بعض الأحيان وحيدون (البحث عن دليل خلال تجربة علمية، رحلات استكشاف علمية في الأمازون، الخربشة في مفكرة…)، ولكن عامة ما تجدهم يراسلون زملائهم، يتجادلون مع علماء آخرين وهم يتناولون القهوة، يجلسون في اجتماع داخل مختبر أو يحضِّرون مقالةً وعرضًا لندوة علمية.
ففي المنهاج العلمي، حتى هؤلاء العلماء القليلون الذين يعملون لوحدهم مضطرون لمشاركة عملهم ليصبح جزءً من المعرفة العلمية المُتوصل إليها.
يلعب أفراد المجتمع العلمي أدوارًا أساسية في المنهاج العلمي:
ناقد/فاحص الحقائق: يقوم المجتمع العلمي بتقييم الدلائل والأفكار.
يساعد الفحص الدقيق على أن التكون الدلائل والبراهين ذات مستويات عالية الجودة، وذلك من خلال اكتشاف وتتبع مصادر الأدلة، والتأكد من أن تكون الأحكام غبر معتمدةٍ على منطقٍ معيب.
مبدع/بعيد الرؤى: للمجتمع العلمي دورٌ مهمٌّ في توليد الأفكار، فالاحتكاك مع المجتمع العلمي ينتج بريقًا جديدًا من الأفكار ومصادر للأدلة، تفسيرات وتأويلات للبيانات، تطبيقات جديدة، أسئلة جديده للطرح، كما تساعد على الحصول تفسيرات جديدة مغايرة للتفسيرات التقليدية.
وهذه الأمور تساعد بتقدم العلم وتطويره والدفع به نحو الأمام.
كلب الحراسة/الواشي: يساعد المجتمع العلمي على القضاء في قضايا الانحياز والتزوير وذلك بالمراقبة الدائمة.
رغم ندرة الاحتيال والتزوير وكون الانحياز غير مقصود، فيتم التفطن إلى هذه الأمور غبر الفحص الدقيق والعمل المتواصل للمجتمع العلمي.
المشجع/صاحب العمل: يشجع المجتمع العلمي العلماء والباحثين ويمنحهم التكريم التقدير والاعتبار.
هذا يدفع العلماء لمواصلة عملهم وبحثهم.
قد يسبب التواصل داخل المجتمع العلمي والفحص الدقيق بتبطيء تقدم المنهاج العلمي.
ولكنهما حساسين جدًّا لكونهما يقدمان تفسيرًا ووصفًا أدق وأصح للعالم المحيط بنا.
والسؤال المطروح، كيف يتمكن المجتمع العلمي من القيام بهذه الأدوار وتخطي هذه التحديات؟
لمعرفة هذه الميزات والملامح الأساسية لدور المجتمع العلمي في التحليل والمراقبة، منها النشر، مراجعة الأقران أو مراجعة النظراء والتكرار، تابع باقي السلسلة معنا.
النشر أو الفناء
يستخدم الأكاديميون والباحثون عبارة النشر أو الفناء – Pusblish or Perish كتذكير أنه إن لم يتم نشر البحث فقد يتم إنهاء العمل عليه، وهذا يبين أهمية النشر لدى الباحثين والعلماء.
رغم أن التعبير ساخرٌ نوعًا ما، ولكنه يحوي نقطةً مهمة: أن نشر الاكتشاف العلمي والنظريات والدلائل المتوصل إليها حساسٌ جدًّا لتطور العلم وتقدمه.
يستطيع المجتمع العلمي أن يقوم بدوره كفاحص، مراقب ومشجع إذا كان بين يديه عمل أعضاء المجتمع.
يقوم العلماء بنشر ومشاركة أفكارهم بعدة طرق، كالتحدث مع الزملاء، عرض الأعمال خلال ندوات وملتقيات، تحرير كتب… إلخ.
تعتبر مراجعة النظراء قبل النشر في الدورية العلمية من أهم طرق نشر وتوصيل العلم.
ما هي مقالة الدورية العلمية؟
المقالة المنشورة في الدورية العلمية-Scientific Journal، هي عبارة عن إصدار رسمي ومطور لتقرير علمي تجريبي نموذجي حرر بالثانوية.
حيث يقوم مجموعة من الباحثين (مجموعة من العلماء المتعاونين في المشروع) بوصف الدراسة التي قاموا بها وتدوين أي تفصيل أساسي استُعمِل للدراسة (معلومة أساسية، البيانات المستخدمة، نتائج دراسة إحصائية، خرائط، مخططات ورسومات بيانية، شروحات حول طريقة الدراسة وكيفية استخلاص النتائج والاستنتاجات…إلخ.).
تنشر الأبحاث في الدوريات العلمية المطبوعة أو الرقمية على شبكة الأنترنت.
تشبه الدوريات العلمية المطبوعة أي مجلة من المجلات، غبر أنها ممتلئة بتقارير وأبحاث علمية.
تقوم الدوريات بنشر ومشاركة العلم مع الباحثين في مختلف أنحاء العالم، ليقوموا بدورهم بالمراجعة والبقاء على علمٍ بآخر المستجدات العلمية.
للدوريات العلمية دور هام في ترتيب ما ينتجه العلم من استنتاجات مبعثرة، وتقديمها حتى تكون سهلة الفهم رغم كون منهاج العلم جد ملتوٍ ومضجر.
تابع قصة والتر ألفاراز والتي تعطي مثالًا عما تحدثنا عنه.
حل وتفكيك الطريق الملتوي:
عام 1980 قام ولتر ألفاراز وزملائه بنشر مقالةٍ علميةٍ في دورية Science، يصفون فيها فرضيةً مثيرةً للجدل حول انقراض الديناصورات بسبب اصطدام كويكب بالأرض.
رغم غرابته فقد وضعت الفرضيات والدلائل بطريقة تقليدية ملائمة وخطية سمحت لزملاء الجيولوجيا وعلم الأثار بفهمٍ وتقييمٍ سريع.
قد نعتقد أن البحث والتحقيق كان مبرمجًا من البداية، ولكن في الحقيقة كان والتر بعيدًا عن أية خطيةٍ في عمله.
تعثر بالفرضية بطريقةٍ غير متوقعة، حيث كان يخطط لدراسة الحركات التكتونية لشبه الجزبرة الإيطالية.
بعد أن تخبط في حلقةٍ من الالتواءات والانطلاقات الخاطئة والفرضيات الغير المقبولة، وجد أنه توصل إلى بحثٍ قويٍّ ومغايرٍ تمامًا.
ترجمة: عبروش محمَّد السَّعيد
تدقيق: بدر الفراك
تحرير: جورج موسى
المصادر: