لقد تغيرت المجتمعات على مر الزمن، وكنتيجة لذلك فقد تغيّر العلم أيضًا.
على سبيل المثال، خلال النصف الأول من القرن العشرين عندما كان العالم منغمسًا في الحرب، قامت الحكومات بتأمين تمويل للعلماء من أجل القيام بأبحاث لها تطبيقات عسكرية مناسبة لزمن الحرب، وبالتالي تقدم العلم بهذا الاتجاه كاشفًا ألغاز وخفايا الطاقة النووية.
وفي أوقاتٍ أخرى، فإن قوى السوق أدت إلى تقدمات علمية.
على سبيل المثال، قامت الشركات المعاصرة بالبحث عن دخلٍ أكبر عبر المعالجة الطبية، إنتاج العقاقير والأدوية، والزراعة، وازداد تمويل أبحاث التكنولوجيا الحيوية، الأمر الذي أدى إلى إنجازاتٍ في مجال التسلسل الجينومي والهندسة الجينية.
وعلى الجانب الآخر فإن المؤسسات المعاصرة، الممولة بالنجاح المالي لأفراد معيّنين، يمكن أن يستثمروا أموالهم في مجالات قد يعتبرونها مسؤولةً اجتماعيًا، مشجعين أبحاثًا حول تكنولوجيا الطاقة المتجددة على سبيل المثال.
إن العلم ليس ثابتًا بل يتغيّر مع مرور الزمن عاكسًا التغيّرات التي تطرأ على المجتمعات الأكبر التي يتواجد ضمنها.
كيف نقوم بدعم العلم؟
يمكن ممارسة العلم دون الحاجة إلى المال على الإطلاق! فيمكنك القيام بمراقباتٍ حذرةٍ ودقيقةٍ لعصافير الدوري في باحة المنزل الخلفية، أو القيام بأبحاثٍ علميةٍ عن رباط حذاء، إلا أنه هنالك العديد من المواضيع البحثية في العلم التي لا يمكن معالجتها ومواجهتها بهذا الرخص المادي.
على سبيل المثال، العلماء مترقبون بلهفةٍ للإجابات عن أسئلةٍ مفتاحيةٍ في فيزياء الجزيئات، والتي يأملون أنها ستأتي من مسرّع الجزيئات الذي كلّف بناؤه عدة ملياراتٍ من الدولارات.
بالتأكيد فإن ليس كل الأبحاث العلمية تكلّف مليارات الدولارات، لكنها أيضًا وبنفس الوقت ليست مجانية.
يمكن للعلم أن يكون مكلفًا، فهنالك رواتب يجب تأمينها، معداتٌ مخبرية يجب شراؤها، مساحة عمل يجب اقتناؤها، وبحث ميدانيٌّ يجب تمويله.
دون التمويل، فإن العلم كجسمٍ كامل لن يتمكّن من التقدّم، كما أن هذا التمويل يأتي في نهاية المطاف من المجتمعات التي ستحصد فوائده، وبناءً على ذلك فإن تلك المجتمعات تساعد في تحديد كيف يتم صرف أموالها.
على سبيل المثال، مجتمعٌ يوافق بشكلٍ كبيرٍ على أبحاث الخلايا الجذعية سيشجع الدعم الحكومي لهذا المجال، الأمر الذي سيحفّز تقدمات معينة فيه.
وعلى غرار ما سبق فإن مجتمعًا معارضًا بشكلٍ كبير لأبحاث الخلايا الجذعية لن يقوم غالبًا بدعم السياسيين الذين يوفرون التمويل لتلك الأبحاث، وفي هذه الحالة سيتم إنجاز كمية أقل من أبحاث الخلايا الجذعية، وحينها فمن المرجّح ألّا يكون هذا المجتمع رائدًا في ذلك المجال.
دوامة أبحاث الطاقة:
إن العلماء الذين يقومون بأبحاث في مجال مصادر الطاقة البديلة (الرياح والشمس والجيوحرارية، كبدائل عن الوقود الإحفوري) قد اعتادوا على رؤية حظوظهم ترتفع ثم تسقط من جديد بحسب المناخات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
التمويل الموجه لمصادر الطاقة البديلة عادةً ما يرتفع بخطواتٍ ثابتةٍ متأثرًا بأسعار الوقود الإحفوري وباهتمام المجتمع بالتقليل من التلوث والمحافظة على مواردنا الطبيعية.
أطلقت أزمة الطاقة في عام 1970 على سبيل المثال، ارتفاعًا حادًّا في التمويل المتوفّر للبحث عن بدائل للنفط.
هل سيسبب القلق الحالي إزاء الوقود الأحفوري في إشعال زيادة مماثلة في التمويل؟
ابتداءً من النصف الأول لعام 2007، لم يكن اهتمام المجتمع بالشكل الكافي ليحدث زيادةً معتبرة في التمويل، فهذا النوع من الأمور يسير بشكلٍ بطيء، ويمكن لأبحاث الطاقة البديلة أن تضطر للانتظار أكثر للتمويل الذي هي في أمس الحاجة إليه.
يؤثر التمويل على مسار العلم عن طريق تشجيع البحث في مجالاتٍ معينةٍ وبنفس الوقت الابتعاد عن مجالات أخرى (بحسب التمويل).
هذا التأثير قد يكون غير مباشر، مثل عندما تقوم الأولويات السياسية بتحديد برامج التمويل لوكالات التمويل التابعة للحكومة (كالمؤسسة الوطنية للصحة، أو مؤسسة العلم الوطنية).
وقد يكون هذا التأثير مباشرًا أكثر، مثل عندما تقوم مؤسسات خاصة أو أفراد بتأمين تبرعات لدعم البحث في موضوع محدد (كسرطان الثدي مثلًا)، أو عند قيامهم بتوفير جائزة نقدية مقابل حل مشكلة معينة، كجائزة 25 مليون دولار التي تم تقديمها عام 2007 من أجل اكتشاف تقنية قابلة للتطبيق لإزالة ثنائي أوكسيد الكربون من الجو.
فكما أظهرت الأمثلة السابقة، فإن التمويل يمكنه تشكيل مسار العلم عن طريق حثه على سلك اتجاهات معينة، ولكن في النهاية، فإن التمويل لا يمكنه تغيير الاستنتاجات التي تم التوصل إليها من تلك الأبحاث.