على بُعد 600 مليون سنة ضوئية، يقع العنقود المجري (Abell3376)، الذي يضم مجرة تضم ثقبًا أسود ضخمًا يلتهم المواد والأجسام القريبة منه. يسبب هذا الامتصاص الذي يقوم به الثقب إنتاج تدفقات بلازما تصل إلى ملايين السنين الضوئية في الفضاء. جذبت هذه المجرة التي تسمى (MRC-0600-399) اهتمام العديد من العلماء بسبب غرابة التيارات التي تصدرها، إذ وجد الباحثون أن الحقول المغناطيسية الواقعة بين المجرات في الفضاء تسبب انحناءً في هذه التيارات يصل إلى 90 درجة، فقد أكدت دراسةٌ جديدة أن هذا الانحناء يعود إلى هذه الحقول المغناطيسية التي تولد عبر التفاعلات الحاصلة بين العناقيد المجرية والفضاء الواقع بينها.
يمكن فهم ومعرفة الكثير عن العناقيد المجرية عبر دراسة الحقول المغناطيسية التي توجد بينها، لكن مراقبة ورصد هذه الحقول ليست مهمةً سهلة. تقترح الدراسة الجديدة منهجًا لمراقبة هذه الحقول، إذ يمكن رصدها عند احتكاكها مع أجسام أو حقول أخرى. وتؤكد الدراسة أن تيارات البلازما التي يصدرها الثقب الأسود تساهم في تحديد هذه المجالات المغناطيسية عندها، ما يسهل من رصدها.
من المتعارف عليه استحالة هروب أي جسم من عتبة أفق حدث الثقب الأسود. لكن الأجسام والمواد التي تحيط بالثقب الأسود لا تتجه جميعها نحو هذا الأفق، إذ يعود جزءٌ منها من أطراف الثقب، ما يؤدي إلى انطلاقها على شكل بلازما بسرعات عالية. يظن علماء الفلك أن حقل الثقب الأسود المغناطيسي يتداخل بهذه العملية.
ووفقًا للبيانات الحالية، فإن المجال المغناطيسي للثقب يتصرف على شكل مسرع دوراني زماني، إذ يساهم بتسارع البلازما قبل انطلاقها وامتدادها نحو مساحاتٍ شاسعة في الفضاء المجري.
رُصدت العديد من التدفقات باستعمال موجات الراديو، لكن شكل تدفقات (MRC-0600-399) هو ما ميزها. لذا، لجأ عدد من الباحثين إلى تلسكوب الراديو (MeerKat) الموجود في جنوب أفريقيا، لإلقاء نظرة أقرب على هذه التيارات. وباستعماله وجد الباحثون بياناتٍ أدق من قبل، ما ساهم بالغوص في تفاصيل التيارات بشكلٍ أعمق. وأكدت البيانات الجديدة المعطيات السابقة التي اقترحت انحناءً يصل إلى 90 درجة.
ومن جهة أخرى، أظهرت بيانات (MeerKat) انتشارًا لانبعاثاتٍ في موجات الراديو على شكل حرف (T) لحظة انحناء التدفقات، أطلق عليها العلماء اسم المنجل المزدوج (double scythe).
تبعًا لذلك، حاول العلماء إنشاء محاكاةٍ شبيهةٍ بشكل موجات الراديو المنتشرة لمعرفة سببها. باستخدام المحاكاة، أكد الباحثون أن تصادمًا بين تيارات البلازما المتسارعة وحقلٍ مغناطيسي منحنٍ قد يكون المسبب الرئيسي لانتشار موجات الراديو بهذا الشكل. ويشبّه الباحثون هذا التصادم بتضارب تدفق المياه مع الصخر، إذ يكون تصادمًا فوضويًا.
ويقترح البعض سببًا آخر، إذ يظن بعض العلماء أن مجرة (MRC-0600-399) تعود بتسارعٍ نحو العنقود المجري (Abell 3766) بعد خروجها منه.
ويوضح الباحثون في الأطروحة أن انحناء التيارات سببه ضغط الدفع من الغاز المنتشر بين المجرات. لكن هذه الأطروحة لا تفسر كل تفاصيل الانحناء، خاصةً انتشار موجات الراديو، ما يؤكد ضرورة وجود حقلٍ مغناطيسي يسببه.
ويعتبر هذا الاكتشاف ذا أهمية في علم الفلك، إذ يؤكد وجود حقول مغناطيسية داخل العناقيد المجرية، الأمر الذي قد يساهم في فهم هذه الهياكل بشكلٍ أعمق.
ومن جهةٍ أخرى، تؤكد الدراسة إمكانية استعمال تدفقات البلازما لفهم الحقول المغناطيسية التي تصعب مراقبتها. إضافةً إلى ذلك، قد يتمكن الباحثون من مساعدة علماء الفلك في فهم الحقول المغناطيسية ومعرفة أصل تدفق البلازما التي تنطلق من الثقوب السوداء.
اقرأ أيضًا:
دراسة جديدة على الحقول المغناطيسية للثقوب السوداء تفاجئ علماء الفلك
الفوضى البيضاء للحقول المغناطيسية قد تفسر التألق الشديد للثقوب السوداء
ترجمة: محمد علي مسلماني
تدقيق: باسل حميدي