كانت للحروب الأهلية بين عامي 1642 و1651 آثار ونتائج متعددة وبعيدة المدى، فقد أُعدم الملك تشارلز الأول «حكم في الفترة 1625-1649» وألغيت الملكية، من ثم ترأس أوليفر كرومويل «الذي عاش بين عامي 1599 و1658» الجمهورية بوصفه اللورد الحامي لإنجلترا وأسكتلندا وأيرلندا، أما بالنسبة إلى عامة الناس فقد صودرت أراضي وممتلكات العديد منهم، وأصبحت الضرائب أعلى من أي وقت مضى، كما عانوا الموت والمرض بشكل غير مسبوق، وأخيرًا أدى انعدام اليقين حول كيفية استبدال الملكية إلى ظهور جماعات تحمل أفكارًا جديدة حول الحياة وكيفية تفسير الكتاب المقدس، وعن الالتزامات والمسؤوليات المترتبة على الحكام.
تشمل النتائج والعواقب الرئيسية للحروب الأهلية الإنكليزية:
- إعدام الملك تشارلز الأول.
- نفي تشارلز الثاني إلى فرنسا.
- إلغاء الملكية في إنكلترا.
- إلغاء مجلس اللوردات.
- إلغاء محكمة النجوم(*).
- الإصلاحات في الكنيسة الأنغليكانية.
- تعاظم نفوذ البرلمان الإنكليزي.
- انتشار موجة من الأفكار الجديدة والمتطرفة المتعلقة بالدين والسياسة.
- ازدهار المطبوعات خاصةً من قبل الجماعات الدينية المختلفة.
- تعرض الناس لضرائب ورسوم باهظة لدفع تكاليف الحروب.
- مصادرة أراضي العديد من الأيرلنديين الكاثوليك.
- حل الكنيسة الأسكتلندية.
- إرسال ممثلين عن أسكتلندا وأيرلندا إلى برلمان ويستمنستر.
- إنشاء جيش نظامي.
- بيع العقارات التابعة للملكيين والكنيسة.
- دمار القلاع التاريخية والأبنية والبلدات في الممالك الثلاثة.
- وقوع نحو مائة ألف قتيل في المعارك.
- مقتل نحو مائة ألف مدني.
- التحول من الملكية إلى الجمهورية، ثم إلى الملكية مرة أخرى.
لاحقًا، لخسارته في ساحة المعارك فيما بات يعرف بالحرب الأهلية الإنكليزية الأولى «1642-1646» والحرب الأهلية الإنكليزية الثانية «بين شباط وآب 1648»، حوكم الملك تشارلز الأول وأدين بتهمة خيانة شعبه وحكومته، وأُعدم في 30 يناير 1649، وهو أول ملك إنكليزي يتعرض لمثل ذلك، ما حدا البعض لإطلاق تسمية الثورة الإنكليزية على الحدث.
(*) كانت قاعة النجوم محكمة إنجليزية في القصر الملكي في وستمنستر، وكانت تتألف من مستشاري الملك الخاصين وقضاة القانون العام، لاستكمال الأنشطة القضائية لمحاكم القانون العام والبت في المسائل المدنية والجنائية. تأسست في الأصل لضمان التنفيذ العادل للقوانين ضد الشخصيات البارزة اجتماعيًا وسياسيًا، إذ قد تتردد المحاكم العادية في إدانتهم بجرائمهم. مع ذلك، أصبحت مرادفًا للقمع الاجتماعي والسياسي من خلال الاستخدام التعسفي وإساءة استخدام السلطة التي كانت تمارسها.
ألغيت مؤسسات الملكية ومجلس اللوردات وكذلك محكمة النجوم التي تعود إلى القرون الوسطى والتي ضمت الملك مع اثنين من كبار القضاة بغية الحفاظ على النظام العام، وبيعت العقارات الملكية التي تقدر بنحو 10% من مجموع أراضي إنجلترا، ورغم ذلك لم تغير هذه الأحداث شيئًا في حياة الناس العاديين وبقيت المؤسسات الوسطى والدنيا للحكومة المركزية والمحلية قائمة، فبحسب تعبير المؤرخ ج. موريك: «حدث انزياح في السلطة داخل طبقة النبلاء ولكن ليس إلى خارجها».
أُعطيت أسكتلندا حرية الاختيار فظلت مخلصة للتاج، وتبعًا لذلك أصبح تشارلز، الابن الأكبر لتشارلز الأول، ملك أسكتلندا الجديدة بموجب حق الوراثة، إلا أنه في النهاية اضطر للهروب من البرلمانيين والعيش منفيًا في فرنسا، وعندها استُبدل الحكم الملكي بجمهورية الكومنولث التي حكمها أوليفر كرومويل بوصفه اللورد الحامي، وأصبحت الدولة عسكرية مقسمة إلى مقاطعات عسكرية يحكم كل منها لواء.
حُلّت الكنيسة الأسكتلندية -مركز الكنيسة المشيخية- وكذلك البرلمان الأسكتلندي، وبديلًا منه أُرسل ثلاثون ممثلًا عن أسكتلندا إلى برلمان ويستمنستر، وأرسلت مملكة أيرلندا ممثليها إليه أيضًا بعد قمع كرومويل الوحشي للتمرد الذي حدث بها عام 1650. وصودرت الأملاك من الكاثوليك وأعطيت للبروتستانت فأصبحوا يمتلكون أكثر من نصف أراضي أيرلندا.
مع أن كرومويل ذاته قد حل البرلمان عام 1653، فإن سلطته -أي البرلمان- قد تعاظمت بثبات خلال سنوات الحرب عبر المراسيم التي أقرها برلمان عام 1640 الممتد، التي ألزمت الملك بدعوة البرلمان للانعقاد على الأقل مرة واحدة كل ثلاث سنوات، وسحبت منه سلطة حله، وأصبح يتعين على الوزراء المقترحين من قبله الحصول على موافقة البرلمان المسبقة. واستبدل كرومويل المحبط البرلمان، بسبب الافتقار إلى الوحدة والإنجاز، بشخصه وبمجلس دولة صغير يتألف من مجموعة من الحلفاء وبعض الأعضاء السابقين الذين يوافقونه الرأي من مجلس اللوردات.
أنشأ كرومويل ديكتاتورية عسكرية يدعمها الجيش النظامي المؤسس حديثًا، لكن عند وفاته لم يستطع وريثه المختار، ابنه ريتشارد كرومويل، الحصول على الدعم الكافي لتجنيب البلاد الدخول في حرب أهلية جديدة، فاستُعيدت الملكية عام 1660.
وعاد تشارلز من فرنسا ليصبح تشارلز الثاني ملك إنكلترا الذي حكم بين عامي 1660 و1685، وأبطُلت جميع مراسيم برلمان أوليفر كرومويل التي صدرت بدءًا من آذار 1642، مع ذلك تعاظم نفوذ البرلمان نتيجةً لمراسيم 1641 التي مُررت لإنهاء فترة الحكم الفردي لتشارلز الأول، وبنهاية القرن اتحدت إنكلترا وأسكتلندا في نظام يسير حثيثًا نحو ديمقراطية برلمانية حقيقية.
الخسائر العسكرية للحروب الأهلية:
أورد المؤرخ ب. جاونت الإحصائيات التالية للمشاركة الفعالة في الحروب الأهلية الإنكليزية: «تورطت نسبة كبيرة من السكان في القتال مباشرةً، وخلال كل موسم من مواسم الحملات بين عامي 1643 و1645، شارك في الأعمال العسكرية فرد واحد تقريبًا من كل عشرة ذكور بالغين تتراوح أعمارهم بين 16 و60 عامًا، ويمكن القول إجمالًا أن ربع تعداد السكان البالغين الذكور في إنكلترا وويلز قد تورطوا بحمل السلاح في مرحلة ما خلال فترة الحروب الأهلية».
مع أكثر من 600 معركة وحصار، كان من الجلي سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى ذوي الإصابات الخطيرة، فربما لقي مائة ألف جندي حتفهم، مع احتمال وجود عدد كبير من الوفيات التي لم تُسجل في الاشتباكات الصغيرة المتكررة على مدار عقد كامل، إذ لا يُحصى غالبًا سوى قتلى المعارك الكبيرة، ودائمًا ما يكون هناك اختلاف بين الأرقام المعلنة من قبل طرفي الصراع.
كان هناك إجمالًا نحو 1500 حالة وفاة في أول معركة كبرى في الحرب الأهلية وهي معركة «إيدج هيل» عام 1642، وسقط 4500 من الملكيين في معركة «مارستون مور» عام 1644 إضافة إلى 3000 من الأسكتلنديين في معركة «دنبار» عام 1650. إجمالًا، بلغ عدد القتلى خلال الحرب ما يعادل 200,000 قتيل تقريبًا من الجنود والمدنيين، وذلك بالنسبة إلى عدد السكان أكبر من خسائر الحرب العالمية الأولى.
كان التخلص من تراتبية الأساقفة بالنسبة إلى البعض قلبًا للعالم رأسًا على عقب، وخاف الكثير من داخل الكنيسة الأنغليكانية وخارجها من الفوضى، بعد أن جذب فراغ السلطة الحاصل كل أصناف المهرطقين من هوامش مجتمع القرن السابع عشر، وأصبح من المستحيل فرض رقابة فاعلة على المطبوعات نظرًا إلى كثرتها، وكون الأساقفة هم من كانوا مسؤولين سابقًا عن مراقبتها. كان المعمدانيون المستقلون والأبرشيون من ضمن أبرز الجماعات التي ظهرت ونادت بحرية المؤمنين الدينية في اتباع ضمائرهم بعيدًا عن سلطة أي هيئة حاكمة مركزية. خالفت الكنيسة المشيخية الأبرشيين بإيمانها في هيكلية وتراتبية الكنيسة وإن كانت بصورة أقل صرامة من السابق، مع احتمال وجود أساقفة محدودي السلطة، لكن بالتأكيد بوجود قس أبرشية خاضع بشكل ما لسلطة هيئة كنسية عليا منتخبة.
دعت حركة المسوّين (The Levellers) البارزة في جيش البرلمان النموذجي الجديد إلى إصلاحات جذرية، مثل توسيع نطاق حق الاقتراع والمساواة في توزيع الثروات وزراعة الأراضي المشاع، إضافةً إلى خلق مجتمعات مكتفية ذاتيًا تمامًا، هذا المطلب الأخير كان مشروع الحفارين والمسوّين الحقيقيين الخاص، ودعا الكويكرز المؤمنين إلى النظر داخل ذواتهم فقط بحثًا عن الإرشاد الروحي وانتقدوا الأغنياء لتقصيرهم في مد يد العون إلى الفقراء، وادعى أتباع الحركة المعروفة بالمتشدقين أن أفكارهم مستوحاة من الرؤى الإلهية، واحتج بعضهم بأن الخطيئة غير موجودة .
آمن أتباع طائفة المملكة الخامسة أن عهد الملك تشارلز هو آخر عهود الممالك الأربع المذكورة في سفر دانيال، وأن المملكة الخامسة ستكون بقيادة يسوع المسيح العائد قريبًا ليحكم مدة ألف عام.
حملت بعض الطوائف رؤى أكثر تطرفًا قياسًا إلى أفكار ذلك العصر، ومنحوا المرأة حريات أوسع، وسمحوا بإمكانية إشراكها في عمليات صنع القرار للمرة الأولى في نطاق الدين والعقيدة.
نجح كرومويل من خلال سن العديد من القوانين في البرلمان وعبر القمع خاصةً للكاثوليك في فرض سياساته البيوريتانية على الدولة، إلا أن هذه السياسات لم تكن شعبية قط. وليست المحاولات الخاطئة لحظر الاحتفال بعيد الميلاد ومنع لعب الكرة أيام الآحاد سوى مثالين صارخين للسلطة المنعزلة بعيدًا عن شعبها، وهو الوضع الذي سمح بإمكانية استعادة الملكية عام 1660.
فاز البرلمانيون البيوريتانيون في الحروب داخل الممالك الثلاث عبر الوسائل العسكرية، لكنهم فشلوا في كسب قلوب الناس الذين يعيشون فيها.
اقرأ أيضًا:
حروب الوردتين: الأصل التاريخي لمسلسل صراع العروش
ترجمة: مرهف علم الدين
تدقيق: هزار التركاوي
