ماذا يحدث عندما نقع في الحب؟ تتسارع نبضات القلب، ويختل التوازن لدرجة عدم الشعور بأطرافنا، وتصبح أفكارنا عديمة الجدوى، وتحل علينا حالة من الغباء!
شهر العسل هو المرحلة التي يكون فيها كل شيء حولك غير مألوف ومثير للذة، لا تستطيع الابتعاد عن شريكك بل تود البقاء بقربه أكثر وعلى تلامس دائم معه، ما يثير الرعشة بداخلك ويهيج أعصابك، لكن بالمقابل تجده من أسوأ الأوقات لاتخاذ قرارات مصيرية بشأن الأمور المالية أو المهنية المهمة!
شغل هذا السؤال العلماء سنوات عديدة، ولم يتمكنوا إلى الآن من إيجاد جواب واضح ومباشر يفسر لماذا يفقد الإنسان تركيزه ويصعب عليه التفكير عند اشتعال شرارة الحب بداخله؟ لدينا الآن دراسة حديثة قد تقدم بعض الإجابات.
يُعتقد أن الظهور الأول للحب الرومانسي حدث منذ نحو خمسة ملايين سنة، بعد الانفصال عن أسلافنا أشباه البشر. عُرف اليونانيون القدماء بتوسعهم في بحث فلسفة الحب والمشاعر، معتبرين أنه تجربة مذهلة وفي ذات الوقت صادمة ومؤلمة. صرح المؤلف الأول، طالب الدكتوراه في الفلسفة في الجامعة الوطنية الاسترالية آدم بودي: «تاريخ أقدم قصيدة معروفة على الإطلاق يعود إلى عام 2000 قبل الميلاد، وكانت في الحقيقة قصيدة غرامية».
«رغم مرور كل هذه القرون، ما زلنا لا نعرف سوى القليل عن تطور المشاعر الغرامية ونشوء الحب».
أشرف الدكتور بودي بالتعاون مع الدكتور فيل كافانا من جامعة كانبيرا وجامعة جنوب أستراليا على دراسة موسعة وشاملة ضمت 1556 من البالغين الشباب المدركين لحقيقة مشاعرهم جيدًا، إذ يعيشون حالة من الحب. كان هدف الدراسة طرح أسئلة ومناقشتها مع المشاركين لتقييم مشاعرهم وسلوكهم تجاه شركائهم.
في المرحلة الثانية من الدراسة، ركز البحث عن الحب الرومانسي المبكر الشديد، ما قلّص عدد المشاركين إلى 812، هم الذين استمرت مشاعرهم وعلاقاتهم مدةً لا تزيد على عامين.
نظام التنشيط السلوكي هو آلية في العقل البشري تعزز السلوكيات المولدة للمكافأة، أراد العلماء التقصي عنه أكثر ليعرفوا هل يسهم حقًا في حالة الحب الرومانسي أم لا؟ للمرة الأولى ندرسه في هذا السياق، إذ ارتبط عادةً بجوانب متنوعة من السلوك البشري إضافةً إلى حالات نفسية مثل الاضطراب ثنائي القطب.
أثبتت النتائج أنه عندما يكون الإنسان في حالة حب، ينشط الدماغ بشكل خارج عن المألوف، وتدور جميع أفكاره وأفعاله -على الأقل مؤقتًا- حول محور واحد: الشريك العاطفي الجديد.
يشرح المؤلفون: «إن نظام التنشيط السلوكي قديم من الناحية التطورية، وقد استفاد منه الحب الرومنسي بأسلوب جديد».
أما عن الدوافع وراء هذه التغيرات في السلوك، يشير الدكتور كافانا إلى أن فورة النشاط الهرموني واندفاعه هو المسؤول عن ذلك بالدرجة الأولى.
نعرف جيدًا تأثير هرمون الأوكسيتوسين في إشعال شرارة الحب والمشاعر الغرامية داخلنا، إذ تنتشر استثاراته في كل أجزاء نظامنا العصبي ومجرى الدم على شكل موجات عندما نكون منسجمين مع من نحب.
أما المكانة الخاصة لشركائنا العاطفيين، فهم يكتسبونها نتيجة تفاعل بين هرمون الحب الأوكسيتوسين وهرمون المتعة أو الناقل العصبي الدوبامين، المادة الكيميائية التي تطلقها أدمغتنا خلال العلاقة الغرامية.
أساسًا، ينشّط الحب المسارات المرتبطة بالمشاعر الإيجابية في الدماغ.
يركز بودي وكافانا انتباههما على المرحلة التالية من هذا البحث، معتمدين بقوة على نتائجه الجديدة، ويخططون لإجراء دراسة جديدة بهدف معرفة الأساليب المختلفة للتعبير عن الحب لدى كل من الرجال والنساء، إضافةً إلى إجراء استطلاع عالمي شامل يصنّف من يعيشون تجربة الحب الرومانسي إلى أربعة أنماط مختلفة.
حتى الآن، ما زال هناك الكثير من التفاصيل عن الحب لا يمكننا تفسيرها، باختصار فهو أحد أعظم أسرار الكون، ويمثل هذا البحث خطوة نحو فهم آلية تأثيره فينا.
اقرأ أيضًا:
هرمون الحب الأوكسيتوسين قد يساعد في تعزيز صحة القلب بعد النوبة القلبية
ما أصل الحب وكيف تطور عبر الأنواع خلال التاريخ؟
ترجمة: رغد شاهين
تدقيق: أكرم محيي الدين