تتطلب الذرات الكبيرة طاقة كبيرة لتتشكل، ويقترح نموذج جديد للتفاعلات الكمومية الآن أن بعض أخف الجسيمات في الكون قد تؤدي دورًا حاسمًا في كيفية تكوين بعض العناصر الثقيلة على الأقل.

أظهر فيزيائيون في الولايات المتحدة كيف تستطيع الجسيمات الشبحية دون الذرية -النيوترينوات- أن تجبر النوى الذرية على التحول إلى عناصر جديدة. ولن تكون هذه محض طريقة مختلفة لبناء العناصر الأثقل من الحديد، بل قد تصف أيضًا طريقة افترضها العلماء منذ فترة طويلة، وهي على الحدود بين عمليتين معروفتين: الاندماج النووي والتخليق النووي.

بالنسبة لمعظم العناصر الأكبر من الهيدروجين، يشكل النجم الكبير الساطع بيئةً تجعل البروتونات والنيوترونات تتغلب على قوى التنافر فيما بينها فترة كافية لتتولى التفاعلات قصيرة المدى السيطرة، واحتضان هذه البيئة للاندماج سيحرر طاقةً إضافيةً تُبقي حرارة نوى النجوم.

ما إن تصل الذرات إلى 55 نوكليون تقريبًا -ما يكافئ كتلة نواة الحديد- تصبح إضافة بروتونات إضافية تتطلب طاقة أكثر مما تستطيع عملية الاندماج تعويضه.

ويُقصد بذلك أن العناصر الثقيلة في الجدول الدوري تتشكل فقط عندما تلتصق النيوترونات الإضافية بكتلة الجسيمات النووية فترة كافية ليتحلل أحدها ويخرج إلكترونًا ونيوترينو ويتحول إلى البروتون الإضافي المطلوب لتصبح عنصرًا جديدًا.

هذه العملية بطيئة وتستغرق عقودًا أو حتى قرونًا، فكثيرًا ما تتدافع النوى داخل النجوم الكبيرة وتكتسب النيوترونات وتفقدها، لكن القليل فقط يتحول إلى البروتونات في اللحظة الحاسمة.

ولكن قد تصبح هذه العملية سريعة فجأة بأخذ دفعة كافية، ومصدرها غضون دقائق في الفوضى الساخنة لانهيار النجوم واصطدامها. وبعض الفيزيائيين النظريين يتساءلون عن وجود طرق أخرى وسيطة، بين العملية البطيئة (s-process) والعملية السريعة (r-process).

يقول المؤلف الرئيسي للدراسة عالم الفيزياء بهاء بالانتيكين من جامعة ويسكونسن ماديسون: «من غير الواضح أين تُصنع العناصر الكيميائية، ولا نعرف جميع الطرق الممكنة لذلك. نعتقد أن بعضها يُصنع في انفجارات المستعرات العظمى أو اندماجات النجوم النيوترونية، والكثير من هذه الأجسام تحكمها قوانين الميكانيكا الكمومية، لذلك بالوسع استخدام النجوم لاستكشاف جوانب الميكانيكا الكمومية».

قد يكمن الحل في الطبيعة الكمومية لفائض النيوترينوات التي تنبعث في البيئات الكونية، فهي أكثر الجسيمات ذات الكتلة وفرةً في الكون. ومع أنها شبه عديمة الكتلة وبالكاد تجعل وجودها معروفًا، فإن أعدادها الكبيرة تعني أن انبعاث هذه الجسيمات الشبحية العرضية وامتصاصها عرضيًا ما يزال له تأثير في البروتونات والنيوترونات التي تدور في أعماق النجوم الضخمة والأحداث الكونية الكارثية.

أحد الألغاز الغريبة للنيوترينو هو عادته في التذبذب ضمن ضبابية كمومية، متحولًا بين مختلف الهويات بينما يطفو في الفراغ.

إن نمذجة أعداد هائلة من النيوترينوات تتقلب في فوضى نوكليونيات فوضوي ليست بالأمر السهل، لذلك غالبًا ما يعامل الفيزيائيون هذه الجسيمات كنظام واحد تُعد فيه خصائص الجسيمات الفردية جسيمًَا فائقًا واحدًا كبيرًا ومتشابكًا.

استخدم بالانتيكين -وزملاؤه من جامعة جورج واشنطن وجامعة كاليفورنيا بيركلي- هذا النهج نفسه لفهم أفضل لكيفية تأثير رياح النيوترينوات في التخليق النووي بينما تنبعث من نجم نيوتروني حديث الولادة وتضرب البيئة المحيطة.

بتحديد المدى الذي تعتمد فيه هوية النيوترينو الكمومية الفردية على مدى هذه الحالة المتشابكة، وجد الفريق أن كمية كبيرة من العناصر الجديدة قد تنتجها هذه العاصفة ذات الجسيمات الشبحية.

يقول بالانتيكين: «تظهر هذه الورقة أنه إذا كانت النيوترينوات متشابكة، فتوجد عملية جديدة معززة لإنتاج العناصر، وهي العملية المتوسطة (i-process)».

بينما تتطابق الأرقام في النظرية، فإن اختبار الفكرة هو مسألة أخرى تمامًا. وما زالت دراسة تفاعلات هذه الجسيمات الشبحية (النيوترينوات) على الأرض في بدايتها، ما يدفع الباحثين إلى البحث في الفضاء البعيد عن دليل على الطرق الجديدة التي تتشكل بها أكبر العناصر.

اقرأ أيضًا:

الصين تبني أكبر تليسكوب تحت الماء لرصد الجسيمات الشبحية النيوترينوات

رصد الجسيمات الشبحية النيوترينوات من حطام نجم ممزق

ترجمة: حمداش رانية

تدقيق: محمد حسان عجك

المصدر