تختلف الشقوق الجراحية في الشكل، فليست كلها متشابهة؛ إذ يفضل بعض الأطباء الجروح المستقيمة النموذجية، في حين أن البعض الآخر يعتقد أن الجرح المتعرج قد يقلل من الأنسجة الندبية، ما يجعلها الطريقة الفُضلى التي يعتمدها الأطباء في بعض الإجراءات التجميلية.
أجرى باحثون من جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة بحثًا أشار إلى وجود اختلافات خلوية بين شكليّ الجرحين، الأمر الذي قد يؤثر في التئام الشقوق الجراحية.
بعد المراقبة لمحاكاة التئام الجروح في البوليمرات الحيوية (مواد تجمع بين المكونات الاصطناعية والبوليمرات الحيوية التي تحاكي الجروح في الواقع) على مدار 64 ساعة وجد الباحثون أن الجروح المتموجة تلتئم أسرع بنحو خمس مرات من الجروح المستقيمة، وذلك بفضل الفروق في مسارات حركة الخلايا.
يقول مهندس الميكانيكا الحيوية كي جيمي هسيا من جامعة سنغافورة: «لقد عرف العلماء منذ وقت طويل أن طريقة إجراء الجرح في البشرة تؤثر في سرعة شفائه. وعلى الرغم من ذلك، لم يعرفوا إلى الآن سبب حدوث ذلك وما العوامل التي قد تؤثر في سرعة الشفاء».
درس هسيا وفريقه، إضافة إلى فهم العلماء لعمليات التئام الجروح، كيفية التئام خلايا مادين داربي (خلايا الكلى الكلبية) MDCK للفجوات في الجروح التي أحدثوها بإجراء جروح في الجلد بوساطة هيدروجل متناهي الصغر.
الخلايا الظهارية التي أخذت من كلى الكلاب هي من نفس نوع الخلايا الموجودة في جلد الإنسان؛ إذ تشكل الخلايا الظهارية الأنسجة البنيوية التي تشكل جلدنا الخارجي وتبطن أعضائنا الداخلية. يعتمد التطور الجنيني، وإصلاح الأنسجة، والتئام الجروح على قدرة هذه الخلايا على سد الفجوات في الأنسجة.
استخدم العلماء طريقةً لقياس حركة السوائل تدعى قياس سرعة صورة الجسيمات لمشاهدة خلايا مادين داربي الكلبية في أثناء عملها بالقرب من الجروح التي يتراوح عرضها بين 30 و100 ميكرومتر.
بلغ قياس نصف قطر الجروح المتموجة إما 50 أو 75 أو 100 ميكرومتر؛ إذ أولوا اهتمامًا خاصًا لكيفية تأثير عرض ودرجة انحناء الجروح في العملية.
وفقًا للمهندس الميكانيكي الحيوي شو هونغمي: «أتاحت الحركة غير المنتظمة والدورانية التي سببتها الجروح المتموجة مزيدًا من الفرص للخلايا للتحرك مقارنة بالجروح المستقيمة».
تتحرك الخلايا القريبة من الجروح المستقيمة على طول الحواف، في حين تجعل الجروح المتموجة الخلايا تتحرك بحركة تشبه الدوامة.
أوضح شو هونغمي بقوله: «مكنت تلك العملية الخلايا من الاتصال بسرعة بخلايا مماثلة في الطرف المقابل لحافة الجرح، إضافة إلى تكوين جسر لسد فجوات الجرح المتموجة بصورة أسرع من الجروح المستقيمة».
لم يكن لمدى الانحناء تأثير كبير في سرعة التئام الجروح المتموجة، لكن كان يجب أن يكون العرض صغيرًا بما يكفي لتكوين الجسور فيما بينها؛ إذ أظهرت التجارب نجاحًا على جرح يبلغ حدا أقصى نحو 75 ميكرومتر.
لاحظ الفريق أن هذه المسافة القصوى قد تكون مختلفة باختلاف أنواع الخلايا، فقد يكون هناك تأثير في تكوين الجسر وسرعة الشفاء إذا كانت الانحناءات أصغر أو أكبر من تلك التي استخدموها. وعلى الرغم من ذلك، فإن الخلايا تتحرك غالبًا حتى في أصغر جرح تجريبي يبلغ 30 ميكرومترًا بالتوازي مع الجروح المستقيمة، إلا أنها نادرًا ما تتحرك باتجاه الجروح المستقيمة من دون تكوين جسور بينها.
اعتقد هسيا وزملاؤه أن الحواف المتموجة للجرح قد تساعد في تكوين الجسر ما يسبب انقسام مزيدٍ من الخلايا ونموها، الأمر الذي من شأنه أن يزيد عدد الخلايا القابلة للشفاء والالتئام، إلا أن هذا الاعتقاد استبعد فيما بعد.
بحسب ما جاء في ورقتهم البحثية، قالوا: «تُظهر الملاحظات بوضوح أن الحواف المستقيمة والمتموجة وفرت قيودًا هندسية مختلفة لهجرة الخلايا، ما أدى إلى توليد أنماط مختلفة لحركة الخلية ما ينجم عنها كفاءة علاجية مختلفة».
لاحظ الباحثون أيضًا توضع نواة الخلية في الخلايا غير المساهمة في التئام الجرح التي تمركزت في المنتصف تقريبًا. وعلى الرغم من ذلك، فإن الخلايا الموجودة فوق الجروح الملتئمة، كان من الواضح أنها منزاحة عن المركز، وتبدو أنها تقترب من حواف الخلية لتجنب التموضع مباشرة فوق الفجوة؛ إذ إن ذلك كان أكثر وضوحًا في الخلايا الموجودة فوق الجروح المتموجة.
اقترح الباحثون أن ذلك يشير إلى أن الخلايا التي أغلقت فجوات الجروح كانت تحت تأثير كثير من التوتر الميكانيكي، وكانت الخلايا القريبة من الجروح المتعرجة أكثر تمددًا من تلك الموجودة فوق الجروح المستقيمة.
خلَص المهندس الميكانيكي هوانغ تشانغجين في ختام بحثه بقوله: «هذه الدراسة كشفت عن الآليات الخلوية والجزيئية لسد فجوات الجروح، ما يساهم في الفهم العلمي للمبادئ الأساسية التي تحكم عملية التئام الجروح؛ إذ يمكن للأطباء والجراحين تسخير هذه المعرفة في تطوير استراتيجيات أفضل، مثل طرق إجراء الشقوق الجراحية التي من شأنها رعاية جروح المرضى في المستقبل».
اقرأ أيضًا:
كيف تعرف إذا كان جرحك يحتاج إلى خياطة؟
ترجمة: محمد ديبة
تدقيق: ريمي سليمان