تتخلل الجاذبية كل جزء من عالمنا، وتسحبنا إلى الأرض وتربط النظام الشمسي والمجرات والكون الذي ينساب كوكبنا من خلاله.
إن الجاذبية قوة غير مرئية، قد تُظهر نفس الخصائص الكمومية التي تظهرها أصغر أجزاء المادة. إنها إحدى أكثر الأفكار جرأة وإثارة للدهشة في الفيزياء، ويعد اختبارها من أصعب الأمور على الإطلاق.
يدّعي الآن فريق من الفيزيائيين من هولندا وألمانيا أنهم ابتكروا تجربة قد تكشف ما إذا كانت الجاذبية هي في الأساس قوة كمومية، وتتشكل خصائصها في أصغر المقاييس الممكنة، أم أنها قوة كلاسيكية هندسية كما تصورها أينشتاين.
يمكن وصف ثلاث من القوى الأساسية الأربع في الطبيعة بواسطة ميكانيكا الكم، إلا قوة الجاذبية. إن معرفة ما إذا كانت الجاذبية كلاسيكية أم كمومية بطبيعتها قد يساعد في التوفيق بين تلك الاختلافات الظاهرة، وقد يساعد أيضًا في حل بعض ألغاز الجاذبية الحالية التي لم تُحل بعد.
ترتبط ميكانيكا الكم عادةً بأصغر أجزاء عالمنا، إذ نرى التأثيرات الكمومية بوضوح أكثر بين الجسيمات دون الذرية مثل الإلكترونات والفوتونات، إضافةً إلى الذرات الكاملة، وحتى الجزيئات.
من الناحية النظرية، يمكن وصف جميع الأجسام، من الكواكب إلى الأنظمة الشمسية، وحتى المجرات ، وربما الكون بأكمله، من خلال قوانين ميكانيكا الكم الموجودة بمنزلة طيف من الاحتمالات قبل أن تلاحظ.
كلما ازداد حجم الأجسام وتراكمت جاذبيتها، فإنها تميل إلى التخلص من خصائصها الكمومية وتظهر خصائصها الكلاسيكية فقط، وهذا ما اعتدنا على معرفتها به.
مع ذلك، إذا تمكنت الكتل الأثقل ذات مجالات الجاذبية الأقوى من التصرف كجسيم كمي، موجود بعدة حالات في وقت واحد، وأصبح متشابكًا، فسيكون من الصعب للغاية اكتشافه، لأن التشابك الكمي -الذي كان حتى الآن هو الاختبار الأمثل للخصائص الكمومية- هش للغاية، وينهار مع أدنى اضطراب حتى على المستويات دون الذرية.
كتب لودوفيكو لامي، عالم الفيزياء الرياضية في جامعة أمستردام، إضافة إلى بعض زملائه في ورقتهم البحثية: «وضعنا الضعف الشديد لتفاعل الجاذبية، مقارنة بجميع القوى الأخرى، في موقف مرير يتمثل في عدم قدرتنا بعد على التحقيق في طبيعته النهائية»
في تجارب سابقة تبحث عن التشابك الكمي بين الكتل ومجالات جاذبيتها، كان أثقل جسم لاحظه الفيزيائيون ينزلق إلى حالة تشابك، أخف بمقدار كوينتيليون مرة من أصغر كتلة اكتُشف مجال جاذبية لها، ويقول العلماء إن هذا ما يزال صغيرًا جدًا، إذ لا يمكنه توليد مجال جاذبية ملموس.
لتجاوز هذا المأزق، اقترح لامي وزملاؤه بدلًا من ذلك سلسلةً من التجارب التي قد تكشف عن خاصية الكم للجاذبية، دون الحاجة إلى توليد أي تشابك أو اكتشافه.
ستشمل التجارب بندولين ملتويين مشابهين للبندول الذي استخدمه العالم الإنجليزي هنري كافنديش لقياس قوة الجاذبية لأول مرة في عام 1797، إلى جانب بعض الدروع والمرايا وأشعة الليزر.
تظل هذه التجارب نظريةً تمامًا في الوقت الحالي، لكن هذا لم يمنع لامي وزملاءه من حساب الحدود العليا لبعض الإشارات التجريبية للكمية، التي لا ينبغي للجاذبية إذا كانت كلاسيكية، أن تكون قادرة على التغلب عليها.
يوضح لامي قائلًا: «لقد حللنا المتطلبات التجريبية اللازمة لتنفيذ اقتراحنا في تجارب فعلية بعناية، ووجدنا أنه ومع الحاجة إلى وجود تكنولوجيا أكثر تطورًا، فإن مثل هذه التجارب قد تكون قابلة للتطبيق قريًبا».
مع ذلك، وضع الباحثون بعض الافتراضات في حساباتهم، التي تعد موضوع جدال ساخن. وتوجد أيضًا اقتراحات أخرى لتجارب سطحية أخرى يمكنها اكتشاف الجاذبية الكمومية.
اقرأ أيضًا:
ما هي طرق تحديد موجات الجاذبية؟
هل نستطيع قلي البطاطا في الفضاء في حالة انعدام الجاذبية؟
ترجمة: يوسف الشيخ
تدقيق: نور حمود