التهاب السحايا هو التهاب يصيب الأنسجة الداعمة والسائل المحيط بالدماغ والنخاع الشوكي. مع أن الأطفال الصغار أكثر عرضة للإصابة بالعدوى، إلا أنه يصيب الصغار والبالغين. تسبب العديد من الفيروسات والبكتيريا والفطريات التهاب السحايا عند الأطفال.
مع العناية الطبية الحاضرة في الوقت المناسب، أصبح بالإمكان علاج التهاب السحايا عند الأطفال والشفاء منه تمامًا. مع ذلك في حال كانت العدوى شديدة أو كان التشخيص متأخرًا فقد تكون الإصابة مهددة للحياة وتؤدي إلى آثار طويلة الأمد.
مع التطور الحاصل عند العلماء في فهم التهاب السحايا، طُوّرت العديد من اللقاحات التي توفر الحماية من المرض، مثل لقاحات المكورات السحائية، والمستدمية النزلية من النوع ب (Hib) ولقاحات المكورات الرئوية.
يستعرض المقال التهاب السحايا عند الأطفال بما في ذلك الأسباب والأعراض وخيارات العلاج.
الأسباب:
قد يُصاب الأطفال بالتهاب السحايا بالاتصال الوثيق مع شخص مصاب بالعدوى أو من خلال الأسطح والأشياء المادية الصلبة الملوثة بالجرثومة التي تسبب التهاب السحايا. ومن الممكن أيضًا أن تسبب عدوى البرد أو الجهاز التنفسي التهاب السحايا.
يؤثر نوع العامل الممرض على شدة المرض والأعراض، وقد يُصاب الرضع والأطفال الصغار(حتى ثلاث سنوات) والأطفال اليافعون (من 3-12 سنوات).
التهاب السحايا الفيروسي:
تُعد العدوى الفيروسية من أكثر الأسباب شيوعًا للإصابة بالتهاب السحايا عند الأطفال. تُظهر الأبحاث أن أكثر من 70% من الإصابات تحدث عند الأطفال دون سن الخامسة، والأطفال الذين تقل أعمارهم عن شهر واحد هم الأكثر عرضة للإصابة الشديدة.
في معظم الحالات، يُعتبر الشفاء من التهاب السحايا الفيروسي عفويًا في غضون 7-10 أيام. مع ذلك، من الأفضل زيارة الطبيب بسبب خطر الإصابة بالمضاعفات.
وفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، فإن الفيروسات المعوية هي السبب الرئيسي لالتهاب السحايا الفيروسي في الولايات المتحدة الأميركية. تشمل الفيروسات الأخرى: فيروس النكاف، فيروس الهربس، فيروس الحصبة، وفيروسات الأنفلونزا. في المناطق التي لا تتوافر فيها اللقاحات، يكون فيروس النكاف مسؤولًا عن 10-20% من الحالات.
التهاب السحايا البكتيري:
الأكثر خطورة مقارنةً بالتهاب السحايا الفيروسي، يفقد حوالي 250000 شخص حياتهم بسبب الإصابة في كل عام
خلافاً للإصابة الفيروسية فإن بعض البكتيريا المُسببة للالتهاب قد تفرز سمومًا في الجسم ما قد يؤدي إلى مضاعفات عصبية.
يصيب التهاب السحايا الجرثومي في الغالب الأطفال والشباب، ويخلّف من بين كل خمسة أشخاص شخصًا يعاني من أثار طويلة الأمد مثل النوبات وفقدان السمع والبصر والأضرار العصبية والضعف الإدراكي.
وفقًا للجمعية الدولية لجراحة الأعصاب لدى الأطفال (ISPN)، فإن التهاب السحايا الناتج عن المستدمية النزلية هو الشكل الأكثر شيوعًا لالتهاب السحايا الجرثومي في فترة الرضاعة. تنخفض نسبة الإصابة بالتهاب السحايا بعد عمر الشهرين بسبب التطعيم. وعلى مدار السنة الأولى من العمر، يحدث التهاب السحايا بالمكورات السحائية والمكورات الرئوية بشكل متكرر. يُعد التهاب السحايا بالمكورات السحائية أكثر أنواع التهاب السحايا الجرثومي انتشارًا عند الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 سنوات فما فوق.
التهاب السحايا الفطري:
على الرغم من أنه أقل شيوعًا من الفيروسي والبكتيري منه فإن العامل الفطري قد يسبب أيضًا التهاب السحايا عند الأطفال.
في معظم الحالات، يُعد التهاب السحايا الفطري عدوى انتهازية أي أنه يتطور عندما يضعف جهاز المناعة لدى الطفل بسبب عدوى ما أو علاجٍ ما. إذ تشير الدراسات إلى ارتفاع معدل الإصابة بالتهاب السحايا الفطري لدى الأطفال المصابين بأمراض الدم مثل اللوكيميا أو الأطفال الذين خضعوا لعملية زراعة الخلايا الجذعية المكونة لخلايا الدم أو زراعة الأعضاء الصلبة.
يزيد استخدام القثاطر أو أجهزة التهوية أو الأجهزة الأخرى الغير توسعية من خطر الإصابة بالتهاب السحايا الفطري عند الأطفال.
الأعراض:
عادةً ما تكون الأعراض الأولية عند الأطفال هي الحمى والصداع الشديد والقيء. ونظرًا لأن الأعراض هذه غير موجهة، فقد يُخطئ الآباء بالظن على أنها أنفلونزا. بالتالي قد يتسبب هذه في تأخير التشخيص ويسمح للمرض بأن يصبح أكثر خطورة.
تتضمن الأعراض الأخرى ما يلي:
- الوهن.
- النعاس غير المبرر أو الصعوبة في الاستيقاظ.
- صلابة النقرة.
- الحساسية تجاه الضوء.
- الارتباك.
- الاختلاجات أو النوبات.
على الرغم من أن الحمى هي أكثر الأعراض توجهًا لكنها قد تكون غائبة عند الأطفال البالغة أعمارهم ما دون الثلاث سنوات. قد يُظهر الأطفال باختلاف مراحلهم العمرية أعراضًا أخرى، منها: الهياج ورفض تناول الطعام أو ظهور بقعة ناعمة صلبة أو منتفخة على رؤوسهم.
الآثار طويلة الأمد:
من الممكن علاج جميع أشكال التهاب السحايا عند التشخيص والعلاج في الوقت المناسب، مع هذا فإن الأطفال المصابين بالتهاب السحايا الجرثومي هم الأكثر عرضة للإصابة بالآثار طويلة الأمد.
وفقًا لتقديرات منظمة الصحة العالمية (WHO)، قد يؤدي التهاب السحايا الجرثومي إلى تلف الدماغ أو فقدان السمع أو إعاقة في التعلم لدى 10-20% من الأشخاص وقد يفقد البعض حياتهم بسببه.
في دراسة أُجريت في العام 2014 تم النظر فيها إلى الآثار الجسدية والعقلية لالتهاب السحايا الجرثومي على الأشخاص الذين أُصيبوا في طفولتهم أو مراهقتهم. شملت هذه الدراسة ما يقارب 61 شخصًا، بينهم 36 شخصًا ذوي إصابة سابقة و25 آخرون لم يصابوا بالعدوى أبدًا.
أشارت النتائج أن الأشخاص أصحاب تاريخ سابق بالإصابة كان لديهم سيطرة أقل على وضعية الجسم وعانوا مشكلات بالتوازن والثبات بعد عدة سنوات من التعافي من العدوى، وأبلغوا عن إحساس الدوخة والدوار وخفة الرأس وضعف البصر أثناء الدراسة.
التشخيص:
الطريقة المعتمدة لتأكيد الإصابة بالتهاب السحايا هي الفحص المخبري. يتضمن هذا سلسلة من اختبارات التحقق من وجود فيروسات أو بكتيريا أو فطريات أو عوامل أخرى تسبب الالتهاب.
سيجمع الطبيب أو الاختصاصي عينة من الطفل لإجراء المزيد من الفحوصات، مثل:
- مسحة من الأنف أو الحلق.
- عينة من براز الطفل.
- وخز الإصبع لسحب الدم.
- البزل النخاعي أو البزل القطني لسحب السوائل من حول الحبل الشوكي.
قبل إجراء الفحص التشخيصي، يجب على الآباء ومقدمي الرعاية إبلاغ الطبيب بشأن المضادات الحيوية الأخرى الموصوفة أو الأدوية التي قد تسبب الحساسية.
العلاج:
يتوقف علاج التهاب السحايا على نوعه، ما إذا كان فيروسيًا أو جرثوميًا أو فطريًا.
علاج التهاب السحايا الفيروسي: يرجح التهاب السحايا الفيروسي إلى الشفاء تلقائيًا بالراحة والسوائل الكافية. في جميع الأحوال، يحتاج الأطفال المصابون بالتهاب السحايا الجرثومي أو الفطري أو المعرضين لخطر الإصابة الشديدة إلى مراقبة وعلاج من كثب في المستشفى.
قد يصف الطبيب في بعض الأحيان مضادًا فيروسيًا للأطفال في حال كانت الإصابة فيروسية تُعرف على انها التهاب السحايا بالهربس البسيط. قد تُعطى أيضًا مسكنات لتخفيف الآلام الناتجة عن الصداع ومضاد للقيء لتقليل الشعور بالغثيان وحدوث القيء.
علاج التهاب السحايا الجرثومي: يعالج الأطباء التهاب السحايا الجرثومي بالمضادات الحيوية. تم إدراج الأدوية التالية على لائحة ISPN لعلاج التهاب السحايا الجرثومي، وتشمل ما يلي:
- سيفترياكسون.
- أمبيسللين.
- سيفوتاكسيم.
- جنتامايسين.
- فانكومايسين.
- كلورأمفنكول.
يعتمد اختيار المضادات الحيوية على نوع الجراثيم المسببة للمرض وعمر الطفل ووجود المضاعفات. قد يصف الطبيب مضادات حيوية أخرى بدل الأدوية السابقة أو بالإضافة إليها اعتمادًا على المسبب. سيقترح الأطباء الخيار الأفضل للمسار العلاجي مع التحذير من آثاره الجانبية.
قد يستمر العلاج بالمضادات الحيوية لمدة 5-21 يومًا أو أكثر على حسب نوع الكائن الحي المسبب للعدوى ونوع المضاد الحيوي المستخدم وشدة المرض.
علاج التهاب السحايا الفطري: يُعد المسار العلاجي لعلاج التهاب السحايا الفطري مسارًا طويلًا من الأدوية المضادة للفطريات بجرعات عالية. عادةً ما يقوم اختصاصي الرعاية الصحية بإعطائها وريديًا وفي بعض الأحيان قد يكون الإعطاء فمويًا.
تُعد الأدوية الأكثر شيوعًا عند الأطفال في مجال خواصها المضادة للفطريات: أمفوتيريسين ب وفلوكونازول. تعتمد مدة العلاج على نوع الفطريات المسببة للعدوى والأعراض الظاهرة عند الطفل والصحة العامة لجهاز المناعة الخاص به، إضافةً لى اللقاحات التي تُعطى ضد الإصابة بالتهاب السحايا.
في الختام، يُعد التهاب السحايا عند الأطفال مصدر قلق صحي على المستوى العالمي، إذ يحمل مخاطر ومضاعفات على المدى البعيد. تتوفر اليوم العديد من اللقاحات التي تساعد على الوقاية من المرض.
قد يكون سبب الإصابة بالتهاب السحايا فيروسيًا أو جرثوميًا أو فطريًا، ويؤثر هذا بشكل مباشر على الأعراض وعلى خيار العلاج ومدتّه.
يُعد التهاب السحايا الفيروسي غير خطير نسبيًا وشفاؤه عفوي، لكن يحتاج التهاب السحايا الجرثومي والفطري إلى مراقبة دقيقة وغالبًا ما يتطلب علاجًا في المستشفى.
يجب على الآباء توخّي الحذر من أعراض الإصابة بالتهاب السحايا والاتصال بالطبيب على الفور لمنع وقوع أي مضاعفات.
اقرأ أيضًا:
التهاب السحايا بالمكورات الرئوية: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج
خطورة متلازمة الطفل الرمادي على الأطفال
ترجمة: سنا أحمد
تدقيق: بدور مارديني