عندما تسمع كلمة (التنويم المغناطيسي)، ما الصورة التي تخطر ببالك؟ قد تفكر في شخصية غامضة تلوح بساعة الجيب ذهابًا وإيابًا، وهي صورة نمطية رُسمت في أذهان الأطفال عبر الرسوم المتحركة. نقدم في هذه المقالة نظرةً موضوعية للتنويم المغناطيسي الذاتي، وطرق استثماره واستخدام قوة الإيحاء لتغيير أفكارك وعواطفك وسلوكياتك.
بالطبع، لا يمكنك الاستمرار بذاك التصور دون جو من الحقد، إذ يكون الشخص غالبًا في هذه التمثيلات النمطية منومًا مغناطيسيًا ضد إرادته. ودائمًا ما يخطئ التمثيل التلفزيوني والأفلام فيما يخص العلاج بالتنويم المغناطيسي، إذ يحرّفون التنويم المغناطيسي وكأنه تلاعب سحري وفقدان كامل للسيطرة. في الواقع، يعد العلاج بالتنويم الإيحائي ممارسة علاجية واعدة يستخدمها متخصصون مدربون في الرعاية الصحية.
قد تمنع المفاهيم الخاطئة للتنويم المغناطيسي الناس من تجربة ممارسة هذه اليقظة الذهنية، وتشوش أيضًا إمكانية التنويم المغناطيسي الذاتي. لكن التنويم المغناطيسي الذاتي حقيقي، ويُستخدم بوصفه وسيلة تمكينية لإعادة توجيه التركيز وتحقيق أهداف وتغييرات إيجابية في حياة الشخص.
ما هو التنويم المغناطيسي الذاتي؟
يوصف التنويم المغناطيسي بأنه نشوة متعمدة ذاتية، وتقول المعالجة النفسية جيليان ويليامز: «ندخل عادةً في غيبوبة يومية عندما ننغمس بعمق في كتاب أو فيلم، هذا ما يحدث عندما يمر الوقت بسرعة دون عناء. يبدو الأمر كما لو كنا نقود إلى مكان ما، ونصل دون تذكر أي شيء عن الرحلة».
يسمح التنويم المغناطيسي الذاتي للدماغ بتحقيق حالة عميقة من الاسترخاء، وفي أثنائها نستطيع تقديم اقتراحات أو تحديد نوايا شخصية وأهدافًا يريد الإنسان تحقيقها.
ويعد أيضًا وسيلة تمكينية لتحسين التحكم في الأفكار والعواطف، وبهذا التركيز يشعر الشخص بأنه في ذروة قوته الشخصية.
التنويم المغناطيسي الذاتي هو وسيلة لتعلم التركيز على النفس، وزيادة الوعي بها، والاستفادة القصوى من المهارات الفطرية. أغلب الأشياء المذهلة التي يمارسها الناس تنتج عن تركيزهم الشديد على ما يودون فعله، وهذا ما يقدمه بالضبط التنويم المغناطيسي الذاتي الذي يسهم بتوجيه التركيز نحو الهدف.
كيف يعمل التنويم المغناطيسي الذاتي؟
حقيقةً لم تُدرس طرق التنويم المغناطيسي الذاتي جيدًا مثل الأنواع الأخرى من العلاج بالتنويم المغناطيسي، وتوجد حاجة أكبر لمزيد من الأبحاث في هذا المجال الواعد.
في أثناء التنويم المغناطيسي، يدخل الدماغ حالةً فريدةً، يتركز اهتمام الفرد على ما يريد، ويقل مستوى وعيه بالمحفزات الخارجية وتشتته بها، وقد أظهرت الأبحاث حدوث تغييرات محددة في أثناء التنويم المغناطيسي، تشمل التغييرات في أنماط موجات الدماغ وتدفق الدم والنشاط في مناطق معينة من القشرة المخية.
بمَ يُستخدم التنويم المغناطيسي الذاتي؟
لدى الكثير من الناس مشاعر وأفكار وسلوكيات يرغبون بتغييرها، ولا يمكن للتنويم المغناطيسي الذاتي أن يحل جميع المشكلات، لكنه خيار شائع وجيد لعلاج مجموعة واسعة من الحالات، من القلق إلى الإقلاع عن التدخين. ومن أكثر الاستخدامات شيوعًا لتقنية التنويم الذاتي هي:
التنويم المغناطيسي الذاتي لفقدان الوزن
إن أحد الأسباب الأكثر أهميةً للاستفادة من التنويم الذاتي تعزيز فقدان الوزن، إذ يسهّل تعلم كيفية التحكم في الأفكار بطريقة أفضل، وتعديل المواقف والغرائز تجاه الطعام وتدبير الأكل العاطفي وتقليل الرغبة الشديدة.
التنويم المغناطيسي الذاتي للقلق
ليس غريبًا أن الحد من التوتر والقلق هو سبب شائع لبدء نظام التنويم المغناطيسي، فعندما لا يستطيع الإنسان التخلص من مسببات التوتر سيوجه تركيزه على الاسترخاء، وتهدئة الأفكار والعواطف السلبية قليلًا ومحاولة الهروب منها.
التنويم الذاتي للإقلاع عن التدخين
قد يساعد التنويم المغناطيسي الذاتي أيضًا على تغيير عادات التدخين، إذ يقلل من إلحاح الرغبة به، ويسهم في تحمل آثار السحب عند الإقلاع عنه.
التنويم الذاتي للنوم
لا تسير الأمور بسهولة تمامًا في هذا الهدف، لكن ممارسة التنويم المغناطيسي الذاتي هي أحد العلاجات الشائعة و المساعدة على النوم والمثبتة فائدتها.
قد يلجأ الكثير من الناس إلى التنويم المغناطيسي الذاتي للمساعدة في بدء النوم، وتظهر الإحصائيات أن أكثر من 70 مليون أمريكي محرومون من النوم، إما لعدم حصولهم على قسط كافٍ منه أو لأن نومهم ليس مريحًا بما يكفي.
بالإضافة إلى تعزيز الاسترخاء، قد يساعد التنويم المغناطيسي الذاتي في تنحية الأفكار وعزل العواطف السلبية التي تزيد من اليقظة في الليل.
التنويم المغناطيسي الذّاتي للثقة بالنفس
يعد التنويم المغناطيسي الذّاتي أداة ممتازة لتغيير أنماط التفكير السلبي المزعجة، وبوسعه أيضًا إسكات الناقد الداخلي المزعج داخل الإنسان، ما يكسبه احترامًا لذاته وثقةً بنفسه، وليس ذلك بالأمر البسيط حقيقةً.
التنويم المغناطيسي الذاتي للتحكم في الألم
يعرف أي شخص يعاني من ألم مزمن مدى صعوبة التركيز على أمور أخرى عندما يتألم، و لا يستطيع التنويم المغناطيسي الذاتي معالجة سبب الألم العضوي، لكنه يحقق استرخاءً وراحةً حقيقةً، ويقلل الإحساس بالألم وإدراكه، منحيًا الأفكار والعواطف السلبية التي تأتي معه.
التنويم المغناطيسي الذّاتي لتحسين الأداء
قد تشكل الأشياء التي تثير قلق الإنسان عادةً هدفًا مناسبًا لتقنيات التنويم المغناطيسي الذاتي، كعرض تقديمي كبير في العمل، أو خوض أول ماراثون أو مسابقة رياضية، أو اختبار أداء للمسرحية المدرسية، إذ تعزز هذه التقنيات الثقة بالنفس أكثر وتسهم في حل التوتر الناجم عن مثل هذه الأحداث.
تقنية التنويم المغناطيسي الذاتي
تقسّم ويليامز التنويم المغناطيسي الذاتي إلى الخطوات البسيطة التالية:
- ابحث عن مكان هادئ ومريح للاسترخاء سواءً أكان للجلوس أو الاستلقاء، ما يهم فعلًا كونك مرتاحًا تمامًا ولا تشعر فيه بالانزعاج.
- ابدأ بإرخاء جسدك بشد كل مجموعة عضلية ثم إطلاقها، ابدأ من أصابع قدميك صعودًا إلى أعلى رأسك، يساعد ذلك على التخلص من أي توتر جسدي وإعداد الجسم لحالة التنويم المغناطيسي، وفور استرخاء جسمك، تستطيع الانتقال إلى الخطوات التالية.
- حدد هدفك، أي ما الغاية التي تود الحصول عليها بعد هذه التجربة؟ ابدأ بهدف واضح، سواء أكان ذلك الثقة أو تحسين النوم أو القضاء على عادة سيئة.
- ركّز بصرك، ابحث عن شيء بسيط في نطاق رؤيتك للتركيز عليه.
- تنفس ببطء وعمق، واجعل عينيك تستقر على نقطة تركيزك. استمر في التنفس، وتخيل أنه مع كل زفير، تصبح أجفانك أثقل. استمر في ذلك حتى تشعر بثقلهم لدرجة لا تقدر بها على مقاومة إغلاقهما، استمر في الاسترخاء.
- استمر في التنفس ببطء مع إغلاق عينيك، وركّز على أنفاسك لمنع أفكارك من الشرود، إذا لاحظت أن وعيك ينحرف عن مساره، فأعده إلى أنفاسك.
- تخيل باستخدام حواسك، وارسم صورةً بمخيلتك لمكان هادئ ومريح. قد تحيط نفسك بشاطئ أو مرج أو جبل أو حتى فناء صغيرًا تعرفه.
- استخدم كل حواسك لتكون في مكانك الهادئ. تخيل أن جسمك أصبح ثقيلًا جدًا، تمامًا كما يحدث عندما توشك على النوم.
- انتقل إلى هدفك باستخدام التخيل، ركز على هدفك بأكبر قدر ممكن من التفاصيل.
- أكّد هدفك، عندما تتخيل نفسك تحقق هدفك، كرر ذلك لنفسك باستخدام خطاب مثل: «أنا أتحدث بثقة أو أنام بسلام» عندما تكرر هذه الكلمات، وجه التعاطف بلطف نحو نفسك، واشعر بذلك حقيقةً.
- بعد خمس دقائق تقريبًا استعد لمغادرة حالة التنويم، ابدأ بالشعور بأنك تعود إلى الغرفة بهزّ أصابع يديك وقدميك والشعور بالسطح تحتك.
- اسمح لنفسك بالعودة ببطء وبلطف إلى الغرفة.
- عندما تكون مستعدًا لمغادرة الحالة التأملية التي أحدثتها، افعل ذلك بلطف وبقصد. انتبه أن يكون (إيقاظ) جسدك تدريجيًا، بدءًا من أصابع قدميك أو عن طريق العد تنازليًا من 10 إلى حالة اليقظة.
التنويم المغناطيسي الذاتي يشترك مع العلاج بالتنويم المغناطيسي لدى خبير بعدة نقاط، لكنهما ليسا متشابهين تمامًا.
يوجه معالج التنويم المختص المريض إلى حالة تنويم مغناطيسي منظمة، ويقدم نصوصًا واقتراحات مصممة خصوصًا لاحتياجات الشخص، ومن المرجح أن تكون الجلسة المهنية أكثر تركيزًا وتوجيهًا نحو الهدف.
هل يمكن لأي شخص أن ينوّم نفسه مغناطيسيًا؟
في حين أن خطوات التنويم المغناطيسي الذاتي قابلة للتنفيذ بالنسبة لمعظم الناس، فلن يحصل الجميع على نفس النتائج من الممارسة في البداية.
إن الافتقار إلى الخبرة أو صعوبة التركيز أو الشك بصحة العملية قد يجعل التنويم المغناطيسي الذاتي صعب التنفيذ.
يستطيع المعالج المختص أيضًا إرشاد المريض وتقديم الملاحظات المناسبة لتحقيق تنويم فعّال، وتجاوز الصعوبات التي يواجهها.
يلاحظ المتدرب مع الوقت أن التنويم المغناطيسي الذاتي مهارة بوسعه تعلمها وممارستها كأي مهارة أخرى، فمع الوقت والصبر والممارسة، يتعلم معظم المتدربين إحداث التنويم المغناطيسي الذاتي.
كلمة تحذير
إن التنويم المغناطيسي الذاتي والعلاج به عمومًا آمنان لمعظم الناس، لكنه غير مناسب أو فعال في جميع الحالات. يجب استشارة مقدم الرعاية الصحية أو ممارس مرخص لتحديد ملاءمة التنويم المغناطيسي للحالات الخاصة، مثل بعض أمراض الصحة العقلية، كالفصام أو أي اضطراب ذهاني، وكذلك قصة نوبات صرعية أو غيرها من الحالات العصبية، أو وجود ضائقة عاطفية أو شدة نفسية شديدة التأثير ناجمة عن صدمة حديثة عنيفة، واضطراب ما بعد الصدمة.
وحتى دون هذه الحالات ومع جاهزية الشخص لإحداث تنويم مغناطيسي ذاتي، لا يُعد بديلًا عن العلاج الطبي أو النفسي المناسب بأي حال من الأحوال، بل له دور مساعد بحسب ما يقرره الطبيب، ولا يُعتمد عليه وحده في حل مشكلات معقدة قد تملك أبعادًا نفسية مرضية.
ولتحسين هذه الممارسة يُنصح باعتماد نصوص التنويم المغناطيسي الذاتي أو التسجيلات من مصادر موثوقة، وعدم استخدام هذه الممارسة لاتخاذ قرارات ضارة لنفسك أو بالآخرين.
نصائح للنجاح
يُعد التنويم المغناطيسي الذاتي طريقة مفيدة لتغيير الأفكار والعواطف والسلوكيات السلبية، وقد يقدم فائدةً عظيمةً في المثابرة في مواجهة النكسات. لكنه ليس علاجًا لجميع المشكلات، وقد يستغرق الأمر بعض الوقت والممارسة لتحقيق النتائج المرجوة، إذ يعيد الشخص تدريب عقله بهذه العملية، فمن الطبيعي أن تستغرق بعض الوقت لتحقيق مثل هذا الهدف.
خلاصةً، إن سحر التنويم المغناطيسي وجماليته ليس في الممارسة بحد ذاتها، إنما في إدراك القوة الخاصة بالإنسان لإحداث التغيير، والإيمان بها حقيقةً، للانطلاق من هذه الفكرة نحو تحقيق شخصية متوازنة تنعكس بالرضا على صاحبها في شتّى مجالات حياته.
اقرأ أيضًا:
التنويم المغناطيسي: أين تبدأ الخرافات؟
ترجمة: لمك يوسف
تدقيق: هزار التركاوي
مراجعة: محمد حسان عجك