دخل التلسكوب الراديوي الأكبر والأكثر حساسية في العالم في الخدمة رسميًا حسب وكالة الإعلام الصينية الحكومية شينخوا Xinhua. رأى تلسكوب FAST الراديوي النور لأول مرة سنة 2016 حين دخل مرحلة التجارب.
يأتي تلسكوب FAST على شكل فتحة كروية طولها 500 متر. يُطلق عليه لقب تيانيان Tianyan ومعناه «عين السماء». بُنيَ التلسكوب على تقعر أرضي ضمن جبل في مدينة غويزهو Guizhou جنوب غرب الصين.
يكمن هدفه العلمي الأبرز في دراسة النجوم النابضة، من بين أهداف متعددة أخرى. اكتشف تلسكوب FAST نجمين من هذا النوع سابقًا، وكان ذلك في أغسطس عام 2017.
اسم التلسكوب ليس دقيقًا تمامًا، فرغم امتلاكه قطرًا يبلغ طوله 500 متر، فإن المساحة المستخدمة في وقتٍ واحد هي 300 متر فقط. التلسكوب في وضع نشط حاليًا، ويمكن تعديله لتركيز الجزء المشتمل على 300 متر على المستقبِل.
وفقًا لوكالة Xinhua، وصلت كل المؤشرات التقنية لتلسكوب FAST إلى المستويات المُخطَّط لها أو تجاوزت ذلك. يُعد فاست تلسكوبًا قويًا، ويظن العلماء أنه سيقوم باكتشافات ضخمة خصوصًا في العامين الأولين من خدمته.
تتضمن أهداف تلسكوب FAST العلمية ما يلي:
- المسح الهيدروجيني المحايد واسع النطاق.
- مراقبة النجوم النابضة.
- قيادة شبكة الخط الدولي الأساسي التداخلي الطويل جدًا (VLBI).
- التقاط الجزيئات البينجمية.
- التقاط إشارات التواصل البينجمية.
- تحديد النسق الزمني للنجوم النابضة.
سيُجري تلسكوب FAST مَسحَين للسماء يستغرقان 5 سنوات تقريبًا. وستأخذ عملية تحليل البيانات 10 سنوات أخرى. ورغم ذلك، فهناك مجال للمناورة في برنامج التلسكوب العملي لمجابهة أي مفاجآت قد تأتي على حين غرة.
سيستحوذ المسح على نصف وقت مراقبة التلسكوب تقريبًا، فاسحًا المجال لمهام أخرى مثل البحث عن كواكب خارج المجموعة الشمسية مع حقل مغناطيسي، الأمر الذي يُعد ضروريًا لازدهار الحياة عليها.
قوة تلسكوب FAST معروفة لدى العلماء الآن، إذ اكتشف نجمين نابضين في أغسطس 2017. في الحقيقة، اكتشف التلسكوب 102 نجم نابض في سنتين فقط.
كان تقرير Xinhua فخورًا بإعلان أن ذلك الرقم أكبر مما اكتشفه علماء الولايات المتحدة وأوروبا مجتمعين خلال نفس الفترة.
تسمح حساسية FAST بقياس أدق بخمسين مرة لتوقيتات النجوم النابضة مقارنة بالطرق السابقة. وسيتمكن الباحثون بفضل التلسكوب من التقاط موجات ثقالية نانوهرتزية ذات ترددات متناهية في الصغر لأول مرة.
يُعد FAST دفعة ضخمة نحو الأمام لعلم الفلك الراديوي عندما يتعلق الأمر بتغطية السماء من فوقنا، إذ ضاعف حجم السماء الذي بإمكان التلسكوبات الراديوية مراقبتها أربعة مرات.
حسب لي كيجيا Li Kejia، وهي عالمة لدى معهد كافلي لعلم الفضاء والفيزياء الفلكية بجامعة بكين، يُعد الأمر قفزة نوعية ويعني ذلك: «بإمكان العلماء اكتشاف نجوم غير معروفة بشكل أكبر، واكتشاف ظواهر كونية، وقوانين الكون، وحتى التقاط وجود حياة فضائية».
لم تتوقف الصين عن التبجح بعظمة إنجازاتها السابقة قط، لكن في هذه الحالة، قد يكون تلسكوب FAST ثوريًا حقًا.
انتهت عملية بناء التلسكوب في عام 2016، أي بعد عشرين سنة من اقتراح ذلك. وكلَّف ذلك الصين 170 مليون دولار تقريبًا. يعمل التلسكوب بقيادة المرصاد الفضائي الصيني الوطني التابع للأكاديمية الصينية للعلوم.
تنوي الصين السماح للباحثين الدولي باستخدام المنشأة، متماشية مع طريقة استخدام المنشآت الفضائية حول العالم. حتى الآن، تمكن نحو عشرة علماء من دول أخرى من استخدام تلسكوب FAST.
تفوّق تلسكوب FAST على أكبر تلسكوب راديوي في العالم سابقًا، وهو مرصد أريسيبو في بورتو ريكو. إن المنشأتين كلتيهما هما صحنان ضخمان، ولا يُستخدم عمليًا سوى جزء محدد منهما.
لكن تلسكوب FAST ليس أكبر وحسب، فهو يعمل بطريقة مختلفة وأكثر مرونة. في حين أن مرصد أريسيبو ذو شكل ثابت، يستطيع تلسكوب FAST تغيير شكله. يمكن تشبيه FAST بتلسكوب مرآوي مجزّأ. يتشكل سطحه من 4500 لوح منفرد تقريبًا. هناك أكثر من 2200 رافعة (ونش) على الجانب السفلي بإمكانها تشكيل صحن موجه نحو مناطق مختلفة من السماء.
صحن تلسكوب FAST أعمق بكثير مقارنة بمرصد أريسيبو، ما يمنحه مجال رؤية أوسع.
يستخدم مرصد أريسيبو سطحه كاملًا لمراقبة شيء فوقه تمامًا، ولكن ذلك نادر؛ إذ لا تكون الأشياء المراقَبة فوق المرصد عادةً، وهي تُرصد بزاوية رؤية مائلة ومساحة سطح لا تتجاوز 221 متر، بينما تصل مساحة سطح مراقبة تلسكوب FAST إلى 300 متر، وبهذا يتفوق على منافسه بشكلٍ واضح.
تجد الصين صعوبات في تشكيل طاقم التلسكوب البشري حسب بعض التقارير، بسبب النقص في علماء الفلك المختصين في مجال الراديو. حاولت الصين ضم علماء دوليين، لكن من بين العقبات التي تحول دون ذلك؛ موقع التلسكوب البعيد.
تبحث الصين أيضًا عن عالم يقود عمليات بحث تلسكوب FAST، لكن حسب بعض المصادر، ينفر الأشخاص المؤهلون للمهمة من قبول المنصب خوفًا من منهج الإدارة الصينية المتسلط في التسيير.
اقرأ أيضًا:
تلسكوب راديوي عملاق في الصين اكتشف إشارات متكررة من الفضاء
التلسكوب الصيني الضخم المصمم لرصد الحياة في الفضاء يجتاز مرحلة الاختبار
إعداد: وليد سايس
تدقيق: علي قاسم
مراجعة: اسماعيل اليازجي