كشفت دراسة أجريت على أكثر من 1000 شخص بالغ أن استخدام نبات القنب قد يسبب تغيرات فوق جينومية في جسم الإنسان، إذ يُشير مصطلح «فوق الجينوم» إلى سجل التغيرات الكيميائية فوق الجينية التي تطرأ على الحمض النووي وبروتينات الهيستونات للكائن الحي، وهو ما يسمى أيضًا «علم التخلّق».
تعمل التغيرات فوق الجينومية على تفعيل الجينات أو تعطيلها، الأمر الذي يؤدي إلى تغييرات بطريقة عمل واستجابة أجسامنا تبعًا لنمط هذه التغيرات.
يقول ليفانغ هوو، اختصاصي الطب الوقائي وعالم الأوبئة من كلية الطب بجامعة نورث وسترن في فينبرغ: «لاحظنا وجود علاقةٍ ما بين استهلاك القنب استهلاكًا مفرطًا مع ظهور علامات لتغيرات فوق جينية متعددة عبر الزمن».
أفاد العالم هوو، مع فريق من الباحثين الأمريكيين في ورقتهم المنشورة، بأن القنب يُعرف بأنه مادة شائعة الاستخدام في الولايات المتحدة، فنحو 49% من الأشخاص يتناولون القنب لمرة واحدة على الأقل خلال حياتهم، وعلى الرغم من أن بعض المناطق من الولايات المتحدة بالإضافة إلى عدة دول أُخرى قد شرّعت تناول القنب قانونيًا، فإننا ما زلنا لم نفهم تمامًا آثاره الجانبية على الصحة.
درس الباحثون حالات لما يقارب 1000 فرد بالغ من الذين قد شاركوا في دراسة سابقة طويلة المدى، إذ سُئلوا عن استخدامهم القنب في دراسة استمرت على مدى 20 عامًا، وأُخذت عينات دموية من المشاركين في الدراسة خلال تلك الفترة، وذلك بعد 15 سنة، ثم بعد 20 سنة من بدء الدراسة، إذ تراوح متوسط أعمارهم حينها بين 18 و30 عامًا.
باستخدام العينات الدموية هذه بفارق زمني يُقدّر بخمس سنوات بين العينات المأخوذة؛ درس فريق من الباحثين التغيرات فوق الجينية الحاصلة، وتحديدًا مستويات حدوث عمليات مثيلة للحمض النووي للأفراد الذين تناولوا القنب مؤخرًا أو الذين اعتادوا تناوله منذ فترة طويلة.
تُعد إضافة مجموعات الميثيل أو إزالتها من الحمض النووي DNA واحدةً من أكثر التعديلات فوق الجينية التي تمت دراستها، وبدورها تستطيع تغيير فاعلية الجينات دون تغيير التسلسل الجينومي، إذ يصعب على الخلايا قراءة دليل تعليمات الجينوم مع وجود هذه التغييرات الجزيئية التي تُعد عائقًا في طريقها.
يمكن أن تؤدي العوامل البيئية وعوامل نمط الحياة إلى تبدلات في عمليات المثْيَلة هذه، التي بدورها قد تنتقل وتورّث إلى الأجيال القادمة، ويمكن أن توفر دراسة المؤشرات الحيوية للدم معلومات حول كل من التعرضات الحديثة والقديمة لهذه التعديلات فوق الجينية.
يقول هوو: «لقد حددنا سابقًا بدراسة عمليات المثْيَلة الحاصلة على الحمض النووي الارتباط ما بين تناول القنب وعملية الشيخوخة، وأردنا أن نستكشف أكثر وجود عوامل فوق جينية محددة مرتبطة بتناول القنب، وما إذا كانت هذه العوامل مرتبطة بالنتائج والعواقب الصحية».
سمحت البيانات الشاملة المتوافرة عن استهلاك المشاركين القنب بتقدير الاستهلاك التراكمي بمرور الوقت، وكذلك الاستهلاك الحالي من القنب، ومقارنة النتائج بعلامات ومؤشرات على مستويات حدوث عمليات مثْيَلة الحمض النووي في العينات الدموية للمشاركين في الدراسة.
وجد الباحثون العديد من المؤشرات الحيوية الدالة على حدوث عمليات مثْيَلة للحمض النووي في العينات الدموية المأخوذة بعد 15 عامًا من بدء الدراسة، إذ بينت النتائج أن 22 منها قد ارتبطت بالاستهلاك الحديث للقنب، و31 منها مرتبطة بالتعاطي والاستهلاك التراكمي، وفي العينات الدموية المأخوذة بعد 20 عامًا من بدء الدراسة، حُددت 132 علامة مرتبطة بالاستهلاك الحديث للقنب، في حين وُجد أن 16 علامة كانت مرتبطة بالاستهلاك التراكمي منه.
يوضح الباحث هوو قائلًا: «من المثير للاهتمام، أننا قد حددنا مؤخرًا مؤشرًا قد ارتبط سابقًا بتعاطي التبغ، الأمر الذي يشير إلى تنظيمٍ فوق جيني مشترك محتمل ما بين استهلاك التبغ والماريجوانا».
ارتبطت العديد من التغيرات فوق الجينية مع تعاطي القنب، التي بدورها قد ارتبطت مؤخرًا بآليات حيوية، مثل التكاثر الخلوي، وسبل الإشارات الهرمونية، والالتهابات، والاضطرابات العصبية مثل الفصام والاضطراب ثنائي القطب، إضافةً إلى الاضطرابات الناجمة عن تعاطي المخدرات.
ومن المهم ملاحظة أن هذه الدراسة لا تثبت العلاقة المباشرة للقنب بحدوث هذه التغييرات فوق الجينية، أو التسبب بهذه المشكلات الصحية، وكما بيّن الباحث درو نانيني -عالم في الأوبئة من جامعة نورث ويسترن- أن هذا البحث يقدّم رؤى جديدة حول العلاقة بين استهلاك الماريجوانا والعوامل فوق الجينية.
ووضّح نانيني الحاجة إلى المزيد من الدراسات والأبحاث لتحديد ما إذا كانت هذه الارتباطات تُلحَظ باستمرار عند دراسة مجموعات سكانية مختلفة. إضافةً إلى ذلك، قد توفر الدراسات التي تدرس تأثير القنب على النتائج والعواقب الصحية المرتبطة بالعمر مزيدًا من التقدم والرؤى العلمية في دراسة التأثير طويل الأمد للماريجوانا على الصحة.
اقرأ أيضًا:
العلاج بالقنب قد يقلل من نوبات الصرع لدى الأطفال
كيف يؤثر تشريع القنب على معدلات الوفاة بالأفيون؟
ترجمة: أليسار الحائك علي
تدقيق: جعفر الجزيري