تمكنت مجموعة من العلماء من إطالة عمر بعض الفئران المسنة بربط أوعيتها الدموية بأوعية فئران أصغر عمرًا، ما يُعد تقدمًا يؤدي إلى علاجات تجدد شباب الجسم وحيويته لدى كبار السن!
الباحث ستيف هورفاث، دكتور وباحث رئيسي في شركة ألتوس لابس، والأكثر شهرةً في مجال بيولوجيا الشيخوخة بفضل عمله على بناء ساعات الشيخوخة فوق الجينية (إذ إن مصطلح الساعة فوق الجينية يستخدم لوصف الاختبار البيوكيميائي الذي يُستخدم لقياس العمر بالاعتماد على مستويات مثيلة الحمض النووي) باستخدام تفاعلات المثيلة على الجينوم وتأثيراتها المرتبطة بالعمر، كان حذرًا ونزيهًا وسريعًا في رفض بعض التدخلات المؤخِّرة للشيخوخة بسبب عدم كفاية الأدلة التي تثبت ذلك، ولكن قبل بضعة أعوام في محادثة له مع أحد المواقع العلمية، عندما سُئل عن الحلول البحثية التي يُعتقد أنها ستشكل حلًا واعدًا لتأخير الشيخوخة، قال هورفاث: «إنها الدماء الفتية، لم أكن لأذكر ذلك قبل عامين من هذه اللحظة، ولكن البيانات الحديثة التي جمعناها بأبحاثنا أقنعتني أن الدماء الفتية لها تأثير قوي على الساعة فوق الجينية».
نُشر بعضٌ من هذه الأعمال في مجلة Nature Aging في مقال تحت عنوان (التجدد متعدد الأوميكس وإطالة العمر الافتراضي للحياة عند التعرض للدورة الدموية الفتية)، إذ يشير مصطلح التجدد إلى إعطاء الخلايا أو الكائنات الحية المسنة خصائص أكثر شبابًا بتقنيات مختلفة، مثل إعادة البرمجة الخلوية والتنظيم فوق الجيني.
وضح الباحثون حالة التعايش المتلاصق مختلف التزامن HPB على أنها الحالة التي يطوّر فيها كائنان حيّان، أحدهما صغير في العمر والآخر كبير، جهازًا دورانيًا واحدًا مشتركًا، نتيجةً لارتباطهما معًا بعد عمل جراحي، (يُذكر أن اختلاف التزامن في علم الأحياء التطوري هو تغيير توقيت أحداث التكوّن الجنيني نتيجةً لتغير وراثي)، وأثبتت الأبحاث أن التعايش المتلاصق مختلف التزامن يجدّد وظيفيًا بعض أنسجة الفئران المسنة، ومع ذلك، فإن تأثيره الإجمالي في العمر البيولوجي والصحة على المدى الطويل غير معروف.
أظهر الباحثون، ومن بينهم ستيف هورفاث، أن التعايش المتلاصق مختلف التزامن يُبطئ العملية البيولوجية المسؤولة عن الشيخوخة على المستوى الخلوي، ويطيل عمر الفئران الأكبر عمرًا بنسبة تصل إلى 10%، وكلما طالت فترة تقاسم الحيوانات للدورة الدموية، استمرت الفوائد والنتائج المؤخِّرة للشيخوخة لفترة أطول عمّا هو عليه لو امتلك كلٌّ منهما جهاز دوران منفصل.
قال الباحث جيمس وايت، الدكتور والأستاذ المساعد في أقسام الطب وبيولوجيا الخلية في كلية الطب في جامعة ديوك وفي ديوك أيجينغ سنتر: «هذا أول دليل على أن العملية المسماة بالتعايش المتلاصق مختلف التزامن تبطئ وتيرة الشيخوخة، وتقترن أيضًا بإطالة العمر والحفاظ على الصحة».
في حين شرع الباحث وايت وزملاؤه في تحديد فوائد التعايش المتلاصق مختلف التزامن، وهل تُعد عابرة أم طويلة الأمد؟
وثقت دراسات سابقة فوائد مؤخِّرة للشيخوخة في أنسجة الفئران الأكبر عمرًا وخلاياها بعد ثلاثة أسابيع من إخضاعها لتجربة التعايش المتلاصق مختلف التزامن، ووجدت هذه الدراسات أن الفئران الأكبر عمرًا أصبحت أكثر نشاطًا وحيوية، وأظهرت أنسجتها دليلًا على تجديد الشباب.
قال وايت: «كانت فكرتنا أننا لاحظنا هذه التأثيرات المؤخِّرة للشيخوخة خلال ثلاثة أسابيع فقط من تطبيق تجربة التعايش المتلاصق مختلف التزامن، فماذا سيحدث لو طبقنا التجربة مدة 12 أسبوعًا؟ وهذا يمثل نحو 10% من عمر الفأر البالغ ثلاثة أعوام».
أضاف وايت: «كانت أعمار الفئران مهمة أيضًا خلال الدراسات والأبحاث، إذ يبلغ عمر الفأر الصغير أربعة أشهر، ويبلغ الأكبر عمرًا عامين، في حين لو عكسنا ذلك الأمر على البشر، فإن التعرض لتجربة التعايش المتلاصق مختلف التزامن يُعادل اقتران شخص يبلغ من العمر 50 عامًا بآخر يبلغ 18 عامًا مدة ثمانية أعوام تقريبًا، مع إضافة التأثيرات لثمانية أعوام إلى عمر الشخصين السابقين».
في أثناء الدراسة، ومع المتابعة خلال فترة عزل الفأرين وفصلهما عن بعضهما مدة شهرين، أظهرت الحيوانات الأكبر عمرًا قدرات فسيولوجية محسّنة، إذ إنها بقيت على قيد الحياة لفترة أطول بنسبة 10٪ من الحيوانات التي لم تخضع لهذا الإجراء.
أما على المستوى الخلوي، أدى التعايش المتلاصق مختلف التزامن إلى خفض العمر المرتبط بالتغيرات فوق الجينية للدم وأنسجة الكبد على نحو كبير، وأظهر تغيرات في مستويات التعبير الجيني مضادة ومؤخِّرة للشيخوخة، واستمر تأثير التجدد حتى بعد شهرين من فصل الحيوانات عن بعضها.
بطريقة أكثر تحديدًا ودقة، بيّن المؤلفون أن الملامح والأنماط الاستنساخية وفوق الجينومية للفئران المفاغرة أعطت نمطًا ظاهريًا متوسطًا بين الفئران الصغيرة والكبيرة في العمر (إذ يشير مصطلح المفاغرة إلى الاتصال بين شيئين متباعدين)، ما يشير إلى تأثير عالمي للتجدد متعدد الأوميكس، وإضافةً إلى ذلك، أظهرت الفئران التي خضعت سابقًا لتجربة التعايش المتلاصق مختلف التزامن تغيرات في التعبير الجيني مضادة ومؤخِّرة للشيخوخة، ولكنها أقرب إلى العديد من التدخلات التي تطيل العمر.
تشير هذه النتائج إلى أن الصغار في العمر يستفيدون من مزيج المكونات والمواد الكيميائية الموجودة في دورتهم الدموية التي تساهم في زيادة الحيوية والنشاط وتجديد الشباب، ولنا أن نعزل هذه العوامل والمركبات لاستخدامها كعلاجات لتسريع الشفاء، وتجديد شباب الجسم وحيويته، وإطالة أعمار الأفراد المسنين.
أضاف الباحث وايت قائلًا: «يشير عملنا هذا إلى الحاجة إلى استكشاف العوامل والمركبات في الدورة الدموية لدى الأفراد الأصغر عمرًا التي تسبب هذه الظاهرة المضادة والمؤخِّرة للشيخوخة، والمهم هنا هي تلك العناصر والمركبات التي تقود إلى حدوث هذه الظاهرة، التي بدورها تُعد غير معروفة بعد، هل هي بروتينات أم مستقلبات؟ هل هي خلايا جديدة توفرها الفئران الصغيرة في العمر، أم أن تلك الفئران الصغيرة تقلل ببساطة من الدورة الدموية الكهلة المسرعة للشيخوخة؟ هذا ما نأمل أن نتعلمه ونكتشفه بعد هذه الدراسات والأبحاث».
اقرأ أيضًا:
يكتشف الذكاء الاصطناعي الأدوية التي يمكن أن تحارب الشيخوخة والأمراض المرتبطة بالعمر
حمض أميني واحد قد يكون السر لطول العمر والقضاء على الشيخوخة
ترجمة: أليسار الحائك علي
تدقيق: المايا محمد علي
مراجعة: هادية أحمد زكي
