سعى العلماء في الدراسة الحديثة التي نُشرت مؤخرًا في مجلة نيورون إلى معرفة الآلية العصبية التي تساعد الدماغ على اتخاذ قرار حول تركيز الاهتمام على مهمة يجب إنجازها أو الالتفات إلى الملهيات من حوله.
بتحليل نشاط الخلايا العصبية في النماذج الحيوانية في أثناء مواجهتها لهذا النوع من الصراع ومعرفة ما إن كان يجب إنجاز العمل أو الالتفات إلى الملهيات المحيطة. اكتشف الباحثون وجود نمط من النشاط المنسق يُسمى “دفقات بيتا” في مجموعة من الخلايا العصبية في قشرة الفص الجبهي الجانبي (LPFC)؛ وهو قسم في الجزء الأمامي من الدماغ.
يبدو أن الدماغ المسؤول عن التحفيز والمكافآت له دور رئيسي في الحفاظ على تركيز الانتباه على المهام، وذلك بصورة أساسية بواسطة قمع تأثير المحفز المشتت للانتباه.
يقول كبير الباحثين بيجان بيساران، أستاذ جراحة الأعصاب في كلية بيرلمان للطب في جامعة كاليفورنيا: «يشير بحثنا إلى أنه على الرغم من أن جميع الأدمغة لديها القدرة على التركيز على مهمة معينة وعدم الالتفات إلى عوامل التشتيت، فإن بعضها أفضل في ذلك من الآخر. وبفهم كيفية معالجة أدمغتنا للمحفزات، نأمل أن نكون قادرين أيضًا على فهم الفشل في تجنب ذلك في مجموعة متنوعة من الاضطرابات المعرفية والنفسية، مثلًا: اضطراب نقص الانتباه، والفصام، واضطراب الوسواس القهري».
يستطيع البشر والثدييات الكبيرة الأخرى أن يتخلصوا من عوامل التشتيت وإبقاء انتباههم مُركزًا على الإجراءات التي تحقق أهدافًا أخرى. وهذا ما يسمى بالتحكم “من أعلى إلى أسفل”، إذ يُوجه الاهتمام نحو مهمة بهدف تحقيق هدف مُجزٍ.
أيضًا، تمتلك الثدييات الكبيرة مثل الرئيسيات دوائر دماغية تعيد توجيه انتباهها تلقائيًا بناءً على المشاهد والأصوات الواردة وغيرها من المحفزات الحسية “البارزة”، والمعروفة أيضًا باسم التحكم “من الأسفل إلى الأعلى”. لكن كيفية قمع الدماغ لمثل هذه الملهيات للحفاظ على تركيز الانتباه على مهمة مرتبطة بالهدف لم تكن واضحة تمامًا حتى الآن.
في الدراسة الجديدة، سعى الباحثون إلى فهم أكثر تحديدًا لما يوجه الانتباه إلى بعض المحفزات، لكنه يقمع البعض الآخر. وباستخدام النماذج الحيوانية، سجل الباحثون كيف يتغير النشاط في LPFC في أثناء إكمال المهمة عند تعرضه لتشتتات بصرية.
وجد علماء الأعصاب أدلة قوية على أن نوعًا محددًا من الخلايا العصبية LPFC، تُسمى الخلايا العصبية للحركة البصرية، يوجه الانتباه نحو الشكل المشتت للانتباه.
أيضًا، لاحظ الباحثون أن الخلايا العصبية ذات الحركة البصرية في LPFC تنطلق معًا بنفس التردد، وهو ما يُسمى “دفقات بيتا” خلال فترات التركيز (عند تجاهل التشتيت البصري وإكمال المهام).
عندما حدثت هذه الدفقات التجريبية في اللحظات التي سبقت تقديم المحفزات البصرية، كان الأشخاص أكثر عرضةً لتجاهل المحفزات البصرية وإكمال المهمة. في المقابل، عندما كانت دفقات بيتا ضعيفة أو غائبة قبل تقديم المحفزات البصرية، كان الأشخاص أكثر عرضة لنقل انتباههم إلى الأشكال الساطعة غير المجزية.
تقول أجريتا دوبي، دكتورة وباحثة في مختبر بيساران: «يشير هذا إلى أن دفقات بيتا تنشأ في شبكة من الخلايا العصبية ذات الحركة البصرية، وتعمل بمثابة “مديري حركة المرور” للخلايا العصبية التي تعالج المحفزات البصرية المختلفة. وهذا يشير أيضًا إلى أن التركيز على مهمة يتطلب قدرًا كبيرًا من الطاقة، وأنه قد يكون شيئًا يمكن تحسينه، خاصةً لدى الذين يعانون نقص الانتباه».
اقرأ أيضًا:
ما هي النسبة المئوية التي نستخدمها من الدماغ؟
إشعارات الهاتف المحمول ترهق دماغك، كيف يمكن استعادة تركيزك؟
ترجمة: فاطمة الرقماني
تدقيق: جعفر الجزيري
مراجعة: لبنى حمزة