يمكن للصعقات الكهربائية أن تعيد الروابط العصبية (التي يفقدها البشر) للعمل ما يساعد الأشخاص الذين يعانون الشلل على المشي مرةً أخر.

حدد العلماء خلايا عصبية معينة في الحبل الشوكي التي غالبًا ما يحتاج إليها الناس ليستعيدوا القدرة على المشي بعد الإصابات التي أدت إلى الشلل.

يمكن للمصابين بإصابات في الحبل الشوكي أدت إلى الشلل أن يمشوا مرةً أخرى بمساعدة أجهزة طبية تعمل على صعق الأعصاب بالكهرباء، لكن مصممي هذه الغرسات الجديدة لم يتأكدوا تمامًا من كيفية استعادة القدرة على الحركة بمرور الوقت، أما الآن فقد ظهرت دراسة جديدة وفرت العديد من الأدلة.

تحدد الدراسة الجديدة التي أجريت على البشر وفئران المختبر، والتي نُشرت في 9 نوفمبر في مجلة نيتشر مجموعةً محددةً من الخلايا العصبية التي تبدو أساسية لاستعادة القدرة على المشي بعد إصابات الحبل الشوكي التي أدت إلى الشلل، إذ يمكن للغرسات تشغيل هذه الخلايا العصبية بصعقة كهربائية واحدة وبالتالي إطلاق سلسلة من الأحداث المتتالية التي تتغير فيها بنية الجهاز العصبي، وخلص الباحثون إلى أن إعادة التشكيل الخلوية هذه تعيد خطوط الاتصال المفقودة بين الدماغ والعضلات اللازمة للمشي ما يسمح للذين يعانون الشلل بالمشي مرة أخرى.

كتب كل من إيمان عظيم (باحث رئيسي في معهد سالك للدراسات البيولوجية في لاجولا في كاليفورنيا) وكي وي هوانغ (زميل ما بعد الدكتوراه في مختبر عظيم) في تعليق:

«إن فهم عمل نظام التحفيز العصبي المسمى التحفيز الكهربائي فوق الجافية (EES) ليعيد تشكيل الدوائر الشوكية يمكن أن يساعد الباحثين على تطوير تقنيات مستهدفة لاستعادة المشي وربما القدرة على استعادة الحركات الأكثر تعقيدًا».

شارك تسعة أشخاص ممن يعانون الشلل بسبب إصابات في النخاع الشوكي في الدراسة الجديدة وكانوا مقسمين إلى مجموعتين، مجموعة من ستة أشخاص فاقدين القدرة على تحريك أرجلهم جزئيًا أو كليًا ولكن لديهم بعض الإحساس في أطرافهم، بينما لم يكن لدى المجموعة الثانية المؤلفة من ثلاثة مشاركين أي سيطرة أو إحساس في الجزء السفلي من الجسم ابتداءً من الخصر.

خضع المشاركون التسعة لعملية جراحية لزرع أقطاب كهربائية فوق الحبال الشوكية السفلية، أسفل العضلات والعظام ولكن خارج الغشاء الذي يغلف الجهاز العصبي. ثم تدرب كل مشارك مع وجود الغرسة (القطب المزروع) لمدة خمسة أشهر. بدؤوا بممارسة الوقوف والمشي وأداء تمارين مختلفة مع حزام (محمل وزن محدد) داخل المنزل ثم أُخرجوا في نهاية التدريب في الهواء الطلق مع مشاية للحفاظ على التوازن.

كتب الباحثون في تقريرهم أن هذه التمارين اكتملت مع تشغيل غرسة التحفيز الكهربائي فوق الجافية ولكن تمكن أربعة فقط من المشاركين التسعة من المشي مع حمل الوزن بعد إيقاف تشغيل الجهاز في الوقت المحدد.

وجد الفريق أيضًا أنه مع استعادة كل مشارك لقدرته على المشي، انخفض النشاط الكلي للحبل الشوكي استجابة للتحفيز الكهربائي فوق الجافية، ما بدا في البداية وكأنه نار مشتعلة من تنشيط الخلايا العصبية تضاءلت إلى دخان، وقد أشار هذا إلى أن الجمع بين إعادة التأهيل والتحفيز الكهربائي كان يعيد تنظيم الجهاز العصبي فتناقص عدد الخلايا العصبية التي يحتاج إليها الجسم لإكمال نفس الإجراء تدريجيًا.

يقول غريغوري كوريتين؛ المؤلف الرئيسي المشارك وعالم أعصاب والأستاذ في المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في لوزان لمجلة نيتشر: «يجب أن لا يكون الأمر مفاجئًا عندما نفكر في النتيجة لأن الدماغ مبرمج على أن أي تحسن في تعلم إنجاز أي مهمة سيقلل عدد الخلايا العصبية التي تُنشط لإنجاز هذه المهمة فيه».

قال كورتين لمجلة ساينس: «استخدم الفريق غرسات تحفيز فوق الجافية EES بحجم صغير (حجم فأر تقريبًا) لدراسة كيفية حدوث إعادة التنظيم هذه في الفئران التي تعاني إصابات في الحبل الشوكي كانت نتيجتها الشلل، إذ أكملت الفئران مسارًا لإعادة التأهيل على غرار المشاركين من البشر وقد عمل الباحثون طوال هذه المدة على تتبع الخلايا العصبية التي استجابت للعلاج عن طريق تغيير الجينات التي حُفزت.

كشف هذا التحليل عن مجموعة من الخلايا العصبية في الحبل الشوكي القطني التي استجابت باستمرار للعلاج حتى عندما أصبحت الخلايا العصبية الأخرى أقل نشاطًا ولم يؤثر منع نشاط هذه الخلايا العصبية في الفئران غير المصابة على قدرتها على المشي، ولكن هذا المنع في الفئران المصابة بالشلل أدى إسكات الخلايا إلى حرمانها من المشي مرةً أخرى. وهذا يشير إلى أنه بالرغم من أن الخلايا العصبية الأخرى قد تلعب أدوارها الخاصة في الشفاء فإن هذه المجموعة بالذات مهمة على نحو خاص.

تتوافق النتائج مع فكرة أن أنواعًا معينة من الخلايا العصبية الشوكية التي فقدت مدخلاتها من الدماغ يمكن إيقاظها أو إعادة توظيفها لاستعادة الحركة إذا أعطيت مزيجًا مناسبًا من التحفيز وإعادة التأهيل، وكتب هوانغ: «على افتراض أن تُنقل نتائج دراسات الفئران إلى البشر فإن التجارب يمكن أن تضع حجر الأساس لأجهزة جديدة ومحسّنة تهدف إلى إصلاح الحبل الشوكي بعد الإصابات المؤدية إلى الشلل».

اقرأ أيضًا:

غرسة في الدماغ تسمح لمريض مصاب بالشلل التام بالتواصل مع محيطه

زرعة دماغية تمكن المصابين بالشلل من التحكم في الحاسوب

ترجمة: يمام نضال دالي

تدقيق: حسام التهامي

المصدر