كل شيء يفنى في النهاية، حتى أسطع النجوم. في الواقع، تعيش النجوم الأكثر سطوعًا أعمارًا أقصر. إذ تستهلك تلك النجوم كل الهيدروجين الذي تملكه في غضون ملايين قليلة من السنين، ثم تنفجر إلى مستعرات عظمى مدهشة. وتنهار بقايا نواتها إلى نجم نيوتروني، أو ثقب أسود؛ حيث تنتشر هذه الأجرام الصغيرة المظلمة في مجرتنا مثل مقبرة كونية.
يصعب إيجاد كل من النجوم النيوترونية والثقوب السوداء النجمية، إذ يبلغ قطر النجوم النيوترونية نحو 15 كيلومترًا فقط وعادةً ما تبقى متواريةً عن الأنظار، إلا إن ارتصفت أقطابها المغناطيسية على نحو يجعلنا نراها نجومًا نابضةً.
إن الثقوب السوداء النجمية أصغر من ذلك، ولا تصدر ضوءًا من تلقاء نفسها؛ إذ يظهر بعضها على هيئة نجوم زائفة صغيرة (microquasars)، وذلك عندما تقتات على كتلة نجم مرافق، لكن معظمها يُرى فقط عندما يمر بيننا وبين نجم أبعد، عند ذلك فقط يمكن رصدها بأسلوب العدسية الصغرية (microlensing).
لم نرصد من هذه البقايا النجمية ما يكفي لإنشاء خارطة لموقعها الإجمالي، لكن دراسةً جديدةً أجرتها (Monthly Notices of the Royal Astronomical Society) قد أنشأت نموذجًا يُظهر أين يمكن إيجادها.
نظر الباحثون إلى توزع النجوم في مجرتنا الحالية، وأجروا محاكاةً لكيفية تعرض البقايا النجمية للشد والانحراف بتأثير التفاعلات النجمية. وبما أن «نجوم المقبرة» هذه تكون عادةً أكبر عمرًا من النجوم الموجودة حاليًّا في المجرة، فقد كان لديها وقت أكثر للتحرك إلى مسارات مدارية جديدة.
كما هو متوقع، تخضع البقايا النجمية إحصائيًّا لنوع من تأثير الغشاوة في مواقعها، إذ تتوزع هذه النجوم في مستوى تبلغ سماكته ثلاثة أضعاف سماكة الجزء المرئي من درب التبانة. لكن الفريق وجد ناحيةً مفاجئةً جدًّا لتوزيعها.
يُرمى نحو ثلث هذه النجوم المعمرة الميتة خارج المجرة، إذ اختبرت ثلث النجوم في نموذج الفريق مواجهةً نجميةً قريبةً أعطت سرعتها دفعًا كافيًا لجعلها تفلت من جاذبية درب التبانة في النهاية. بتعبير آخر، تغادر الأشباح المقبرة.
يعني ذلك أن مجرة درب التبانة «تتبخر» بمرور الوقت، أو تخسر كتلتها، وهو ما لم يكن بالحسبان. نحن نعلم أن عناقيد النجوم الصغيرة مثل العناقيد النجمية المغلقة قد تتبخر، لكن درب التبانة أضخم بكثير، لذا من المنطقي أن يكون التبخر طويل الأمد بالحد الأدنى.
من الجوانب المفاجئة الأخرى للنموذج، أن هذه البقايا النجمية موزعة على نحو شبه متساو عبر مجرة درب التبانة. إذ يُفترض أن يكون لدى معظم النجوم بقايا نجمية ضمن نطاق مئة سنة ضوئية حولها.
بالنسبة للشمس، يرجح أن أقرب البقايا النجمية إليها تقع على مسافة 65 سنة ضوئية منها، لذا فربما يكون لدينا شبح سماوي بجوارنا من دون أن نعلم بذلك.
يُحتمل أن نلتقط أحداث عدسية صغرية، وأن نكتشف مكان تلك البقايا النجمية مع دخول المزيد من مراصد استكشاف الفضاء حيز العمل، مثل مرصد روبين. عندها سنكون أخيرًا قادرين على رؤية الخفايا المجرية التي تحيط بنا.
اقرأ أيضًا:
دراسة تصادم النجوم النيوترونية لفهم الموجات الجاذبية الناتجة عن هذه الظاهرة الكونية
ترجمة: إيهاب عيسى
تدقيق: منال توفيق الضللي
مراجعة: نغم رابي