أول ما طرحت هذه المعضلة (العطالة في عالم التقنية) في أربعينات القرن الماضي من قبل رائد التقنيات نوربرت فينر, شخص أعماله ألهمت أعضاء إدارة الرئيس الأميركي أيزنهاور و دعتهم للقلق حول ما سيحصل ما بعد التقدم الصناعي.
في عام 1966 عقدت الولايات المتحدة الجلسات الأولى و الوحيدة التي خصت “الهيئة الوطنية للتكنولوجيا, التحكم الآلي, و التقدم الاقتصادي”, و التي كان نتاجها 6 مجلدات (غالبا يتم إهمالها) تناقش فيها ما سمته “الاقتصاد ما بعد التطور الصناعي”.
أما اليوم, فيبدو أن من يقود النقاش هما عالمي المعهد العالي للتكنولوجيا في ماساتشوستس : إريك برينيولفسن و آندرو مكافي, حول مشاكل الاقتصاد في عالم التكنولوجيا, و هو أمر اصطلحوا على تسميته الانفصام الكبير.
أبحاثهم المكثفة تظهر و بدون شك أن التقدم التقني يلغي الكثير من شواغر العمل و يترك الكثير من العمال العاديين في حال أسوأ مما كانوا عليه.
“إنها معضلة العصر” يقول برينيولفسن لمجلة MIT Technology Review في عام 2013, و يكمل “الإنتاجية فوق الأرقام القياسية, الاختراع و التجديد أسرع من أي وقت مضى, لكن في نفس الوقت لدينا تهاوٍ في الدخل المتوسط, و تنازل في عدد الوظائف. الناس يُتركون بلا عمل لأن التكنولوجيا تتقدم بشكل أسرع مما نحن قادرون على ملاحقته من ناحية المهارات و التنظيم الاجتماعي”.
لكن يصعب تخيل أن الانفصام الكبير عبارة عن ناتج غير مرغوب للتقدم التكنولوجي فقط. إنها ليست معضلة, لكنها تحقيق لحلم عصر الصناعة بإزالة العامل البشري و تبديله بالآلة. هذا هو الخبر الكبير: نمو الاقتصاد لا يعني بالضرورة زيادة الوظائف أو مستوى معيشة الناس الذين في خضمه.
في نفس المقال يقول مكافي “أتمنى أن أكون مخطئاً, لكن عندما نحيي تكنولوجيا الخيال العلمي و نجعلها حقيقة, لم سنحتاج البشر؟”
عندما تزداد الإنتاجية في شركة ما بفعل التكنولوجيا, لا ترى الشركة الحاجة للبشر, و تقوم بطردهم, للتوفير و لتوزيع رواتبهم على مالكي الأسهم. فما ستخسره الشركة على الرواتب تحوله إلى رأس مال.
و بذلك تضمحل الطبقة المتوسطة العاملة, و يبقى ذوي الاستثمار و مالكي الأسهم هم من يجنون الأرباح من عائدات الشركة.
و يتضح لنا أن التقنية ليست السبب في الانفصام, و إنما هي فقط العامل المسرّع للصناعة, و بذلك تجعل ما يحصل من انفصام سريع كفاية لنا لنراه و هو يحدث. لكن يبدو أننا لم ندرك ذلك بعد.