ما الذي يجري خلال فترة الانقلاب الشتوي؟
بدايةً إنه أقصر يوم في السنة، وفيه أقل عدد من ساعات النهار. يحدث الانقلاب الشتوي إما في 21 أو 22 من شهر ديسمبر في الجزء الشمالي من كوكب الأرض.
يُعلن الانقلاب الشتوي عن بداية الشتاء فلكيًا، ويُعد أقصر يوم في السنة من حيث عدد ساعات النهار، ولكن ما الذي يحدث تحديدًا خلال هذا اليوم؟
تحدث الفصول الأربعة، والانقلاب الشتوي نتيجة ميلان الأرض بمقدار 23.5 درجة بالنسبة للشمس. يقول الباحث في مجال الفيزياء الفلكية في وكالة ناسا في Goddard Space Flight Center من قسم Heliophysics Science Division في ولاية ماريلاند غرين بلت «مايكل كيرك»: «إن كوكب الأرض لا يدور حول محور مستقيم، وإنما حول محور مائل».
يُسبب الميلان وصول كميات متفاوتة من ضوء الشمس إلى نصفي الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي، وتختلف كمية ضوء الشمس من سنة إلى أخرى تبعًا لحركة الأرض حول الشمس. يُفسر ذلك ظاهرة الفصول أيضًا.
تصل كميات ضئيلة جدًا من ضوء النهار إلى النصف الشمالي من الكرة الأرضية خلال شهور فصل الشتاء، ويحدث عكس ذلك تمامًا بالنسبة للنصف الجنوبي من الكرة الأرضية، فيعاني من تبعات فصل الشتاء عندما يحل الصيف على النصف الشمالي. بينما يأتيه الصيف في وقت حلول الشتاء في النصف الشمالي.
يدوم الانقلاب الشتوي في النصف الشمالي من الكرة الأرضية يومًا كاملًا، يكون القطب الشمالي في زاوية الميلان الأبعد عن الشمس التي مقدارها 23.5 درجة، ما يجعل وصول ضوء الشمس خلال هذا اليوم أمرًا مستحيلًا، وبالتالي يسود الظلام الحالك في المنطقة، بحسب ما يُفيد كيرك.
في سنة 2022، بدأ الانقلاب الشتوي في 21 ديسمبر في النصف الشمالي من الكرة الأرضية. أما في النصف الجنوبي فيجري الانقلاب الصيفي، أو كما يُعرف باليوم الأطول من حيث عدد ساعات النهار. إذ يميل فيه القطب الجنوبي أكثر باتجاه الشمس، ما يؤدي إلى تعرض المنطقة لكمية أكبر من ضوئها.
يقول كيرك في حديثه مع Live Science: «يحدث الانقلاب الشتوي في النصف الشمالي عندما يُغطي الظلام القطب الشمالي بأكمله، في حين تُشرق الشمس في القطب الجنوبي، والعكس صحيح».
ما الذي يحدث للشمس خلال الانقلاب الشتوي؟
يقل عدد ساعات النهار خلال الانقلاب الشتوي الذي يحدث في شهر ديسمبر، وتقل الساعات أكثر مع الاتجاه شمالًا في النصف الشمالي. وقد يُلاحظ الناس أيضًا أن الشمس لا تعلو كثيرًا في السماء، حتى في منتصف النهار.
تظهر الشمس بوضوح عند زاوية 90 درجةً فوق خط الاستواء يحصل ذلك خلال فترة تساوي الليل والنهار، التي تحدث يومين في السنة. إذ تظهر الشمس في منتصف النهار بوضوح على انخفاض خط العرض في مدار الجدي، خلال الانقلاب الشتوي في النصف الشمالي. حيث يتوضع مدار الجدي على زاوية 23.5 من جنوب خط الاستواء، ويعبر بلدان أستراليا وتشيلي وجنوب البرازيل، وشمال جنوب أفريقيا.
يُعد مدار الجدي أقصى خطوط العرض التي تقع في الجنوب التي تظهر فيها الشمس في منتصف النهار بوضوح.
تبلغ الشمس ذروتها في منتصف النهار أقصى جنوب خط العرض. أما بالنسبة لخطوط العرض الشمالية المرتفعة، يقول كيرك:«تُضيء الشمس قليلًا في الأفق، وتغيب بسرعة».
لماذا تتفاوت مواعيد حدوث الانقلاب الشتوي؟
يحدث الانقلاب الشتوي في النصف الشمالي كل سنة في يومين محتملين، هما 21 أو 22 من شهر ديسمبر. أما في النصف الجنوبي، فيحدث الانقلاب الشتوي في 20 أو 21 من يونيو.
يعود سبب اختلاف موعد حدوث الانقلاب الشتوي للتقويم الميلادي الذي يشمل 365 يومًا، مع وجود يوم كبيس إضافي كل 4 سنوات في شهر فبراير. في الواقع تستغرق دورة كوكب الأرض حول الشمس 365.25 يوم، بحسب ما نشرته ناسا. لذا ينتج عن ذلك اختلاف مواعيد حدوث الانقلاب الشتوي.
بُعد الأرض عن الشمس:
تنخفض درجات الحرارة كثيرًا في مناطق معينة في النصف الشمالي خلال فصل الشتاء، فيعتقد البعض أن الأرض ابتعدت عن الشمس. يقول كيرك بهذا الصدد: «في الواقع يحدث عكس كل ذلك تمامًا؛ أي في النصف الشمالي يحل فصل الشتاء مع اقتراب الأرض من الشمس».
وسطيًا يبعد كوكب الأرض 150 مليون كيلومترًا عن الشمس، بحسب ناسا. ستكون المسافة بين كوكب الأرض والشمس أقرب ما يمكن عند الحضيض الشمسي، أيّ في تمام الساعة 11:17 صباحًا بالتوقيت الشرقي في الرابع من يناير سنة 2023، إذ ستبلغ المسافة الكلية لبعد الأرض عن الشمس 147,098,924 كيلومترًا.
تبعد الأرض عن الشمس أقصى ما يُمكن عند نقطة الأوج الشمسي في تمام الساعة الرابعة وست دقائق مساءً بتوقيت شرق الولايات المتحدة، في 6 من شهر يوليو سنة 2023، وستصل المسافة حينها إلى 152,093,250 كيلومترًا.
ما مدة الشتاء؟
يبدأ الشتاء بعد حدوث الانقلاب الشتوي، وينتهي مع الاعتدال الربيعي، ذلك بحسب علم الفلك ودراسة الانقلابات الفصلية والاعتدالات. لذلك يدوم الشتاء في النصف الشمالي بعد حلوله بتاريخ 21 أو 22 ديسمبر، وحتى 19 أو 20 أو 21 من شهر مارس. وهنا نجد أن الفصول لا تتساوى في مدتها، ويعود السبب لمدار كوكب الأرض الإهليجي، أو البيضوي كما يُوصف عادةً. يدوم الشتاء 89 يومًا في النصف الشمالي وسطيًا، و93.6 يومًا في النصف الجنوبي.
يدوم الشتاء في الولايات المتحدة الأميركية من 1 ديسمبر، وحتى 28 أو 29 من فبراير؛ التي هي عادةً أشهر باردة، بحسب ما تُظهره الأرصاد الجوية على موقع Weather Underground استنادًا إلى المناخ.
بناءً على ما تقدم، يدوم الشتاء 89 أو 90 يومًا.
ما معنى الانقلاب الشتوي؟
تبدأ رحلة الشمس عبر السماء، وتبدو متشابهةً لأيام قليلة بعد حدوث الانقلاب الشتوي، وبعد انقضائه. وتأتي تسمية «Solstice»؛ التي في الواقع تعني باللغة اللاتينية «بقاء الشمس ثابتةً»، من هذه الظاهرة.
لكن، الأمر مختلف بعض الشيء عند دراسته من كثب، فمسار الشمس يختلف قليلًا من يوم إلى آخر، ما يجعل البعض يعتقد أنها في مكانها عند رصدها بالأدوات الحديثة.
لماذا يوم الانقلاب الشتوي ليس الأبرد؟
طالما تنخفض نسبة إضاءة الشمس إلى أدنى مستوى لها في النصف الشمالي خلال الانقلاب الشتوي، فلماذا لا يُعد أبرد يوم في السنة؟
يشرح كيرك ذلك قائلًا: «أفضل طريقة لفهم السبب وراء ذلك هي تذكر أن كل شيء يحتاج لفترة من الزمن حتى يبرد. طالما قلّ إشعاع الشمس، إذن سوف يتبع ذلك انخفاض في درجات الحرارة إذ يستغرق كوكب الأرض، والمحيطات التي عليه وقتًا طويلًا حتى تتخلص من الطاقة الحرارية، وتدخل مرحلة التبريد الناتجة عن قلة وصول ضوء الشمس إلينا».
سيتطلب ارتفاع درجات الحرارة على الأرض، وفي المحيطات عدة أشهر، أو أسابيع بعد انتهاء فترة البرودة. إذ تُصبح الأيام أطول شيئًا فشيئًا بعد انقضاء الانقلاب الشتوي في النصف الشمالي، لكن الشمس لا تُشرق بمقدار ما يحدث خلال فترة الصيف. على سبيل المثال تُضيء الشمس في خطوط العرض الشمالية 9 ساعات في اليوم في الأسابيع التي تتبع انتهاء الانقلاب الشتوي، بينما تُضيء 15 ساعةً تقريبًا خلال فترة الانقلاب الصيفي. إضافةً إلى كل ما سبق يميل النصف الشمالي بعيدًا عن الشمس، ما يؤدي إلى جعله منطقةً متجمدةً.
متى يحدث الانقلاب الشتوي؟
الاحتفالات بمناسبة الانقلاب الشتوي:
تعترف العديد من الشعوب من ثقافات مختلفة بالانقلاب الشتوي. وأشهر موقع تاريخي مُرتبط بتلك الظاهرة هو معلم Stonehenge في إنجلترا. حيث تتوضع أشعة الشمس على نفس صف حجرَي Slaughter، وAltar في أقصر يوم في السنة. والمثير للاهتمام هو أن هذين الحجرين كانا يحملان معاني روحيةً للناس الذين بنوا المعلم.
يوجد مبنى في مدينة تولوم Tulum الحجرية التي بناها شعب المايا يُكرّم الانقلابات الفصلية، حيث تقع المدينة في شبه الجزيرة المكسيكية يوكاتان. إذ تدخل أشعة الشمس حفرةً صغيرةً تقع فوق أحد المباني الحجرية، ما يؤدي إلى خلق تأثير انفجار النجوم. يحدث ذلك عندما تُشرق الشمس في الانقلابين الشتوي والصيفي.
يُنهي كيرك قائلًا: «أعتقد أنه توجد صلة وثيقة بين حياتنا التي نعيشها نحن البشر، وكمية ضوء الشمس التي نتعرض لها والأنماط الفصلية التي تُسبب ذلك».
اقرأ أيضًا:
هل حان وقت إعادة تعريف الفصول الأربعة مع تغير مناخ الأرض؟
ترجمة: طاهر قوجة
تدقيق: منال توفيق الضللي
