تقدم دراسة جديدة دليلًا مباشرًا يوضّح مكان حدوث تسارع للجسيمات بما يقارب سرعة الضوء داخل أكبر انفجارات معروفة في النظام الشمسي، وهي الانفجارات الشمسية.
تُعد الانفجارات الشمسية من أعنف الانفجارات في نظامنا الشمسي، ورغم طاقتها الهائلة التي تعادل مائة مليار قنبلة ذرية تنفجر في وقت واحد، لكن علماء الفيزياء ما يزالون غير قادرين على الوصول إلى الإجابة الدقيقة عن قدرة هذه الانفجارات الشمسية المفاجئة على إطلاق الجسيمات إلى الأرض من على بعد نحو 93 مليون ميل، وذلك في أقل من ساعة.
الآن، وفي دراسة نُشرت في 8 يونيو في مجلة الطبيعة ناتشر، حدد الباحثون في معهد نيوجيرسي للتكنولوجيا (NJIT) الموقع الدقيق الذي تُسرع فيه جسيمات الانفجارات الشمسية المشحونة إلى سرعة تقارب سرعة الضوء.
كشفت النتائج الجديدة، التي أصبحت ممكنة بعد المشاهدات المتعلقة بالانفجارات الشمسية من الفئة X عام 2017 بواسطة التلسكوب الراديوي الموسّع أوينز فالي سولار (EOVSA) التابع لمعهد نيوجرسي للتكنولوجيا، عن مسرع جسيمات عالي الكفاءة يقع في طرف ألمع نقطة للثوران البركاني في الغلاف الجوي الخارجي للشمس، يُسمى «منطقة التوهج»، إذ تُحوّل البلازما المحيطة بالانفجار إلى إلكترونات عالية الطاقة.
يقول الباحثون إن اكتشاف هذه المنطقة، التي تعادل نحو ضعف حجم الأرض، يمكن أن يفتح أبوابًا جديدة للتحقيق في العمليات الأساسية لتسريع الجسيمات في كل مكان في الكون.
قال غريغوري فليشمان، المؤلف المشارك للورقة وأستاذ الفيزياء البارز في مركز أبحاث الطاقة الشمسية في معهد نيوجيرسي للتكنولوجيا: «تساعد النتائج في هذه الدراسة على تفسير الغموض الذي طال أمده حول كيف يمكن للانفجارات الشمسية أن تنتج الكثير من الطاقة في ثوانٍ معدودة».
وأضاف: «تطلق الانفجارات الشمسية العنان لقوتها في مناطق من الشمس أوسع بكثير مما كان متوقعًا بواسطة النموذج الكلاسيكي للانفجارات الشمسية. ومع أن آخرين افترضوا أن هذا يجب أن يحدث، لكن هذه هي المرة الأولى التي يكون فيها بهذا الحجم والشكل والموقع المحدد في هذه المنطقة الرئيسية، ولأول مرة تُقاس كفاءة تحويل الطاقة إلى جسيمات متسارعة داخل الانفجار الشمسي».
يأتي هذا الاكتشاف بعد دراسات منفصلة في عام 2020 نُشرت في مجلة العلوم وعلم فلك الطبيعة، إذ استطعنا بواسطة التلسكوب الراديوي الموسّع الحصول على لقطات تفصيلية للانفجار والتغيرات في المجال المغناطيسي للشمس -المأخوذة عبر مئات الترددات الراديوية دفعة واحدة- وقد كان للباحثين في معهد نيوجرسي زمام المبادرة في تحديد هذا الموقع.
أوضح بن تشين، الأستاذ المساعد في معهد نيوجيرسي للتكنولوجيا والمؤلف المشارك للورقة البحثية: «أشارت دراساتنا الأخيرة إلى وجود نقطة محددة في الانفجارات الشمسية يمكن أن تكون الموقع الذي يُنتِج هذه الإلكترونات عالية الطاقة، لكننا لم نكن متأكدين. اكتشفنا في الأصل هيكلًا شبيهًا بالزجاجة المغناطيسية ضمن الموقع يحتوي على عدد كبير جدًا من الإلكترونات مقارنة بأي مكان آخر في الانفجار، والآن مع القياسات الجديدة لهذه الدراسة، يمكننا أن نقول بثقة أكبر أن هذا هو موقع مسرّع الجسيمات في الانفجار الشمسي».
باستخدام إمكانات التصوير المميزة بالموجات الدقيقة للتلسكوب الراديوي الموسّع، تمكّن الفريق من قياس طيف الطاقة للإلكترونات في مئات المواقع من الانفجار الشمسي من الفئة X الناتج عن إعادة تشكيل خطوط المجال المغناطيسي على طول سطح الشمس في 10 سبتمبر 2017.
قال غيلو نيتا، أستاذ أبحاث ومؤلف مشارك للورقة: «التصوير الطيفي باستخدام التلسكوب الراديوي الموسّع أعطانا خريطة شاملة للبلازما الحرارية للانفجار خلال تطورها ثانيةً تلو ثانية. لكن لدهشتنا، ما وجدناه كان ثقبًا غامضًا في خريطة البلازما الحرارية التي بدأت تتطور عند منطقة التوهج التي تنتج إلكترونات عالية الطاقة. أكثر من ذلك، مع اختفاء الجسيمات الحرارية في المنطقة، مُلئت الحفرة بكثافة بجزيئات غير حرارية عالية الطاقة».
سلّط تحليل الفريق الضوء على عملية تحويل الطاقة بصورة فعّالة ولا تُصدق داخل مسرّع جسيمات الانفجارات الشمسية، إذ تُطلق الطاقة المكثفة بسرعة من الحقول المغناطيسية للشمس وتحويلها إلى طاقة حركية داخل منطقة التوهج.
أضاف سيغي يو، مؤلف مشارك للدراسة وأستاذ أبحاث مساعد في معهد نيوجيرسي للتكنولوجيا: «تساءلنا عن مدى كفاءة عملية تحويل الطاقة هذه. كم عدد الجسيمات في هذه المنطقة التي سنُسرعها بما يتجاوز الطاقة الحرارية للانفجار؟، وباستخدام بيانات الأشعة فوق البنفسجية الشديدة للشمس، أكدنا أنه لا توجد جزيئات متبقية تقريبًا داخل المنطقة عند طاقات حرارية أقل من بضعة ملايين كلفن، وبما يتوافق مع قياسات التلسكوب الراديوي الموسّع تبيّن بأن الجسيمات كلها قد سُرعت إلى طاقات غير حرارية أكبر من 20 كيلو فولت، أو ما يقرب من 100 مليون كلفن».
يقول الفريق الآن إن النتائج الأخيرة قد تساعد العلماء على دراسة الأسئلة الأساسية في فيزياء الجسيمات خارج الأرض، إضافة إلى تقديم رؤى جديدة حول كيفية انتقال هذه الجسيمات عالية الطاقة من الشمس وتأثيرها على الأرض خلال أحداث الطقس في المستقبل.
يقول ديل غاري، الأستاذ المتميز في معهد نيوجيرسي للتكنولوجيا ومدير مشروع التلسكوب الراديوي الموسّع: «يتمثّل أحد الجوانب المهمة لهذه الدراسة في أنها توجه انتباه العلماء إلى الموقع الدقيق الذي يحدث فيه تسريع الجسيمات وإطلاق معظم الطاقة، وتوفر قياسات كميّة لاستكمال النماذج العددية. مع ذلك، ولتوسيع قياساتنا لتشمل مناطق انفجار أوسع بكثير -وقد تكون أضعف ولكن أكثر تواترًا-، فإننا نطوّر جيل جديد من مصفوفة راديوية مخصصة للطاقة الشمسية تُسمى التلسكوب الراديوي الشمسي السريع التردد، الذي سيكون أكبر وأقوى بعشر مرات على الأقل».
قال فليشمان: «لا زلنا نرغب في التحقق من الآلية الفيزيائية التي تدفع تسارع الجسيمات في الانفجارات الشمسية، لكن يجب أن تأخذ الدراسات المستقبلية في الاعتبار ما نعرفه الآن عن هذه الانفجارات الهائلة -سواء من حيث إطلاق الطاقة الرئيسي في المنطقة المحددة والفعالية بنسبة 100٪ للجسيمات المشحونة التي تلزم لحدوث التسارع. تدعو هذه النتائج إلى مراجعة كبيرة للنماذج التي نستخدمها لدراسة الانفجارات الشمسية وتأثيرها في الأرض».
اقرأ أيضًا:
تقدم في مجال التمثيل الضوئي الاصطناعي يمكننا من حفظ الطاقة الشمسية واستخدامها وقودًا
اكتشاف أربعة جسيمات أصغر من الذرة قد تختبر فهمنا قوانين الطبيعة
ترجمة: أحمد عضيم
تدقيق: تسبيح علي