حتى وقتنا هذا، ما زال العلماء يدحضون الكثير من الخرافات التي تحوم حول التوجه الجنسي.
إذ كما نملك لون عينين أو شكل أنف محدد، فالتوجه الجنسي سمة ولد بها العديد من الأشخاص، أو نموا ليصبحوا عليها بمرور الوقت.
ربما انحصر إعجابك بالآخرين على جندر واحد فقط في المرحلة الثانوية. وفي الجامعة، وجدت نفسك معجبًا بعدة أشخاص من جنس مختلف. وعندما أصبحت بالغًا وجدت نفسك تواعد جنسًا واحدًا غالبًا، ولكنك ما زلت تشعر بشيء من الانجذاب الجنسي نحو الأجناس الأخرى.
هل يعني هذا أنك مشوش أو حائر؟ هل تواجه صعوبة في تحديد توجهك؟ هل كانت مشاعرك في الجامعة فترة عابرة فقط؟ الإجابة على جميع تلك الأسئلة هي: لا!.
لا يمكن لأحد تحديد توجهك الجنسي نيابة عنك، ولكن يمكن لمبدأ الانسيابية الجنسية أن يوضح لك ما تمر به.
إذن، ما معنى الانسيابية الجنسية؟
باختصار؛ هو أن توجهك الجنسي ليس ثابتًا على توجه واحد ومحدد فقط. فرغم أن لكل منا توجهه الجنسي الجذري، سواءً كان لا جنسيًا أو جامعًا جنسيًا أو مغايرًا جنسيًا، فإن ذلك لا ينفي وجود مساحة للقليل من التوسع، بما يتماشى مع تجاربك الحياتية وموضعك الحالي.
فربما كبرت معتقدًا أنك تنجذب إلى الرجال فقط، حتى صادفتك بعض العلاقات المؤقتة مع أشخاص من الأجناس الأخرى. وبعد بضعة سنوات، وجدت نفسك مجددًا منجذبًا أساسًا إلى الرجال، ولكنك غير قادر على التأكد مما إذا كان هذا هو توجهك الجنسي بالفعل.
لا يوجد مجال للشك في وجود هذا التأرجح في الانجذاب العاطفي والجنسي. ويفسر ويل زوج -المعالج المتخصص في استشارات تأكيد الجنس في واشنطن- الكلام السابق بقوله: «إن الانسيابية هي جانب طبيعي تمامًا من جوانب التوجه الجنسي»، ويضيف: «إن الانجذاب أكثر تعقيدًا من أن يستطيع الناس شرحه، كما أن الانسيابية وطرح التوجه الجنسي قد يختلف كثيرًا حسب الثقافة وأسلوب الحياة والديانة».
وذكر أيضًا أن الناس يفهمون الانسيابية أحيانًا حيرةً أو خيانةً لمجتمع معين.
يتابع ويل قائلًا: «نتيجة لوصم الشعور بالانجذاب نحو الأفراد من الجنس نفسه، والعواقب المترتبة على هذا النوع من الغدر؛ عادة ما يتغاضى المرء عن المشاعر الطبيعية من الحب والفضول والانجذاب الجنسي تجاه شخص ما؛ إذ تبقيهم المعايير الاجتماعية الغربية في حاجة إلى التخفي».
هل تشير الانسيابية الجنسية فقط إلى التوجه الجنسي؟
إذا كنت مُنسابًا جنسيًا؛ قد تلاحظ أن معظم تجاربك الجنسية أو المرات التي شعرت فيها بالانجذاب نحو شخص ما، يلائمان المسمى الذي تشير به إلى نفسك.
لاحظ أن الكلمة المفتاحية هنا هي «معظم»؛ إذ إنك على الأرجح ستمر ببعض التجارب الخارجة عن المألوف، التي تأخذ مكانًا آخر على طيف التوجه الجنسي.
فمثلًا، ربما كنت تنجذب للنساء فقط، ثم أصبحت على علاقة حميمة بصديقك غير الجندري. قد يكون من الطبيعي أن يصب اتصالك وقربك منه جسديًا وعاطفيًا إلى إعجابك به، فتجد نفسك تفكر في تقبيله أو لمسه أو حتى ممارسة الجنس معه.
في المقابل، قد لا تشعر برغبة بفعل أي من ذلك، إذ إنه قد يوجد انجذاب ما دون شرط القيام بتصرف حياله. ولكن في نهاية الأمر سترون بعضكما أقل فأقل، وسوف يتلاشى إعجابك به، وتعود لتشعر بالإعجاب بالنساء فقط مرة أخرى.
ربما لن تدفعك تلك التجربة الفريدة من نوعها لإعادة النظر في توجهك الجنسي، ولكنها قد تشير إلى بعض من الانسيابية في ميولك. ورغم أن الانسيابية تضيف عنصرًا إضافيًا إلى معادلة الانجذاب، فإنها لا يجب أن تغير من سلوكك الجنسي.
ما هو أصل مصطلح الانسيابية الجنسية؟
يقول ويل: «إن ما يعرفه الغربيون بالانسيابية الجنسية في التوجه الجنسي والجندر، ليس فكرة جديدة في العديد من الثقافات».
وبالفعل، اكتشف الباحثون وعلماء الأنثروبولوجيا الانسيابية الجنسية عبر الثقافات والتاريخ، وأطلِق على هذا المدلول في البحوث الغربية العديد من الأسماء، منها المرونة الجنسية. وجاء مصطلح الانسيابية الجنسية من الدكتورة ليزا دايموند، التي لفتت الانتباه إلى هذا المفهوم في كتابها الذي صدر عام 2009 بعنوان: «الانسيابية الجنسية: فهم حب المرأة ورغباتها».
هل يمكن لأي شخص أن يكون مُنسابًا جنسيًا؟
نظريًا، نعم. ولكن لا يجب على كل فرد أن يختبر ذلك لفترة ما من حياته، فالعديد من الأشخاص يشعرون بالانجذاب طوال حياتهم لجندر واحد فقط.
وفي حين أنه يمكن لأي شخص من أي جندر أن يكون منسابًا جنسيًا، فإن البحث الحالي يشير إلى ميل النساء خاصةً لاختبار الانسيابية الجنسية في أبهى صورها. ولكن بالطبع، لا يعني هذا أن جميع النساء منسابات جنسيًا.
إذ يفسر ويل ذلك بقول: «إن تردد بعض الرجال في الحديث عن طائفة الانجذابات التي يختبرونها، يرجع جزئيًا إلى الأفكار النمطية التي تحوم حول الجندر والتوجه الجنسي»، ويضيف: «إن الرجال قد يتفادون مثلًا الإطراء على من يرونهم جذابين من ذوي السمات الذكورية من المشاهير، أو يترددون في التعبير عن قربهم من أصدقائهم الذكور».
هل يمكنك الانجذاب نحو كل جندر بطريقة مختلفة عن الآخر؟
ربما تنجذب جنسيًا نحو أشخاص من جندر معين، ولكنك تطور مشاعر عاطفية أقوى لأشخاص من جندر آخر. وربما تجد شخصًا معينًا يحرك داخلك مشاعر لم تختبرها من قبل، رغم أن صفاته قد لا تتلاءم مع ما تعده النوع المناسب لك من الأشخاص. ولكنك لا تستطيع أن تكف عن الاستمتاع بهذا الشعور من الاستثارة والحماس، الذي يمنحه إياك انجذابك لذلك الشخص.
وربما تختلف السمات التي تجذبك في الفرد باختلاف جندره!، فقد يُمتعك تقبيل واحتضان شركائك من الجندر نفسه، ولكنك تحصر ممارستك للجنس مع الأشخاص من جندر آخر. أو ربما تفضل ممارسة الجنس بطريقة معينة مع جندر واحد بينما تختلف طريقة ممارستك للجنس مع الأجناس الأخرى. أو قد تنجذب عاطفيًا إلى الأشخاص من جندر معين، ولكن علاقاتك الجنسية تكون فقط مع أشخاص من أجناس أخرى. وقد تلاحظ أن ما يجذبك في الأشخاص ذوي السمات الذكورية لا يمت إلى ما يجذبك في ذوي السمات الأنثوية بصلة.
كل هذه الأنواع المختلفة من الانجذاب حقيقية ومحتملة الحدوث، ويجب فقط الحرص على أن تكون واضحًا في التعبير عن مشاعرك لشريكك.
ما الفرق بين الانسيابية الجنسية وازدواجية التوجه الجنسي والشمولية الجنسية؟
قد تبدو الانسيابية الجنسية من منظور سطحي قريبة إلى حد كبير من الازدواجية والشمولية الجنسية. ولكن رغم أن الشمولية الجنسية وازدواجية التوجه الجنسي تعدان ميولًا جنسية، فإن الانسيابية الجنسية لا تندرج تحت تلك الفئة.
فبينما تشير ازدواجية التوجه الجنسي إلى انجذاب الفرد لجندره نفسه وللأجناس الأخرى بنسبة متقاربة، فإن بعض الأشخاص الذين يُعرّفون أنفسهم بأنهم مزدوجو التوجه الجنسي ينجذبون فقط إلى جندرين. أما الشمولية الجنسية على الناحية الأخرى، فتشير إلى شعور الفرد بالانجذاب لأي شخص بصرف النظر عن جندره. بمعنى آخر، ينجذب الفرد ذو التوجه شمولي الجنس إلى جميع الأجناس.
لماذا قد يختار بعض الأشخاص مصطلح الانسيابية الجنسية دونًا عن غيره للتعبير عن أنفسهم؟
قد تُعرف نفسك بأنك مُنساب جنسيًا عندما تشعر بأن توجهك الذي اعتدت استخدامه لم يعد يمثل مشاعرك على المدى الطويل. فلنقل أنك تنجذب عادةً إلى النساء، ولكنك سبق أن دخلت في علاقات مع الرجال. فنظرًا إلى أنك لا تنجذب إلى النساء فقط، ولا تعد نفسك مزدوج الميول الجنسية؛ قد تعد نفسك إلى حد ما مُنسابًا جنسيًا. وربما لم يسبق لك أن دخلت في علاقة عاطفية أو جنسية مع أحد من جندرك نفسه. ولكن مصطلح المغايرة الجنسية ليس المصطلح الأنسب لوصف توجهك الجنسي، لأنك لا تزال متقبلًا لفكرة الدخول في علاقة غير مغايرة.
كيف تتأكد من أن هذا هو المصطلح الأمثل لوصفك توجهك الجنسي؟
يتمتع المنسابون جنسيًا باستقرار توجههم مع مرور الوقت. لذلك قد تود استخدام هذا المصطلح إذا كنت تشعر بالانجذاب نحو جندر واحد، ولكنك تدرك الطريقة التي يتغير بها أحيانًا شعورك بالانجذاب، وكيفية استجابتك لهذا الشعور.
تمنح الانسيابية وفقًا للدكتورة ليزا والخبراء الآخرين تفسيرًا أكثر وضوحًا ودقة لما يشعر به الأشخاص مما سبق وأن صنفه المجتمع على أنه حيرة.
ماذا لو شعرت بأن هذا المصطلح لم يعد يصف مشاعرك جيدًا؟
مع مضي الحياة، نجني الكثير من الخبرات من خلال تجاربنا، سواءً الشخصية أو التي اكتسبناها نتيجة علاقاتنا مع الآخرين. وإن إدراكنا لمصطلح كهذا، قد يترك تأثيرًا كبيرًا في هويتنا الذاتية، التي تتضمن فهمنا لتوجهنا وإدراكنا له.
وكلما ازداد وعينا لتوجهنا، كلما صادفتنا طرائق مختلفة لوصف مشاعرنا. طبعًا، لا بأس بذلك؛ فنحن في النهاية أحرار في استخدام أي مصطلح نريده للتعبير عن أنفسنا بما نراه الأمثل لنا.
اقرأ أيضًا:
سبع عشرة حقيقة لا تعرفها عن ازدواجية الميول الجنسية
ترجمة: سامية الشرقاوي
تدقيق: جنى الغضبان
مراجعة: حسين جرود