لماذا يخضع الأفراد تحت سطوة الضّغط الإجتماعي؟ ولماذا نغيّر آراؤنا ومعتقداتنا الشّخصيّة لتوافق الرأي السّائد أو الشّائع، حتّى ولو كان الرأي الشّائع خاطئًا؟
إذا كنت قد غيّرت رأيك أو سلوكك في يومٍ من الأيّام ليوافق رأي الأغلبيّة في إحدى الدّوائر الإجتماعيّة، فتصرّفك هذا يُعرَف في علم النّفس بالإمتثال أو الإمّعيّة (Conformity). الإمتثال يحدث عندما نغيّر تصرّفاتنا، سلوكيّاتنا، مواقفنا، أو حتّى معتقداتنا كردّة فعل لضغطٍ إجتماعيّ حقيقيّ أو مُتخيّل (Kiesler & Kiesler, 1969). ليس هنالك أيّ شكّ بأنّ جميعنا يخضع لعادات، تقاليد، أو مفاهيم إجتماعيّة معيّنة وبدرجاتٍ مختلفة.
لكنّ الأسئلة المركزيّة التي يجب أن تُطرَح في إطار دراستنا لظاهرة الإمتثال هي: إلى أيّ مدى سنذهب في محاولة تغيير مفاهيمنا وآراؤنا الشّخصيّة لتوافق رأي الأغلبيّة؟ لماذا نمتثل لآراء، أذواق، مواقف، سلوكيّات، ومعتقدات الأغلبيّة، حتّى بدون ضغوط إجتماعيّة مباشرة؟ هنالك العشرات من الدّراسات في علم النّفس التي تحاول سبر أغوار العوامل الدّيناميكيّة التي تلعب دورًا هامًّا في خضوع الأفراد وامتثالهم لرأي المجموعة، ابتداءً من دراسات عالم النّفس الأمريكيّ صولومون آش (Solomon Asch) في الخمسينات من القرن الماضي وحتّى دراسات عالم النّفس البريطاني رود بوند (Rod Bond) وغيرِهِ في الأعوام القليلة الفائتة.
معظم هذه الدّراسات تشير إلى سببين مركزيين لإمتثال الأفراد لرأي الأغلبيّة: السّبب الأوّل هو رغبتنا في القبول من قبل المجموعة، ظاهرةٌ تُعرَف علميًّا بالتأثير الإجتماعي المعياري (Normative Social Influence). إذا تعرّضت للسّخرية، التهكّم، أو حتّى الرّفض في يومٍ من الأيّام لمجرّد خروجك عن المألوف أو المتّفق عليه، فلقد جرّبت الضّغط النّاتج عن التأثير الإجتماعي المعياريّ. السّبب الثّاني هو رغبتنا في أن نكون محقّين. عندما نكون غير واثقين أو متشكّكين في صحّة حكمنا على الأشياء، عادة ما ننظر إلى المجموعة كمصدر للمعلومات الدّقيقة أو الموثوقة، ظاهرةٌ تُعرَف علميًّا بالتأثير الإجتماعي المعلوماتي (Informational Social Influence). بالإضافة إلى هذين السّببين المركزيّين، أبحاث آش (Asch, 1955) وغيره من علماء النّفس أشارت إلى أنّ الإنسان معرّض أكثر للخضوع لرأي الأغلبيّة إذا توفّرت الشّروط الآتية: عندما تواجه وتختلف في الرأي مع مجموعة (مكوّنة على الأقلّ من 4 أو 5 أشخاص) متوافقة تمامًا على مسألة ما. عندما تضطّر للتّصريح بآرائك ومعتقداتك علانية وأمام المجموعة.
* عندما لا تكون قد صرّحت مُسبقًا بإلتزامك لفكرة أخرى أو رأي آخر.
* عندما تجد أنّ المهمّة صعبة أو غامضة.
* عندما تشكّ في معرفتك أو قدراتك في حالة أو مرحلة ما.
* عندما تكون منجذبًا جدًّا للمجموعة وتودّ أن تكون عضوًا أو جزءً منها.
لكنّ دراسات آش (Asch) وغيرِهِ أظهرت أيضًا أنّ هنالك عوامل تساعد في كسر حاجز الخوف وتعدّي الإمتثال أو الإمّعيّة، وبالإمكان تلخيصها كالآتي:
* عندما يكون لديك حليف ضدّ رأي الأغلبيّة، غالبًا ما يضعف التأثير الإجتماعي للأغلبيّة، وتكون أكثر جرأة على الخروج عن المألوف. إحتماليّة مخالفة الأفراد لرأي المجموعة تزداد حتّى مع وجود مجرّد شخص آخر مخالف.
* الأبحاث تشير أيضًا أنّ المعارضة والإنشقاق عن رأي الأغلبيّة، حتّى لو كان الرّأي المنشقّ خاطئًا، من شأنها أن تشجّع على مقاومة سلطة الأغلبيّة وسلطة آراؤهم. الأمر المثير للإهتمام أيضًا، أنّ الامتثال لرأي الأغلبيّة يقلّ حتّى لو كان هنالك شكوك حقيقيّة حول كفاءة، أهليّة، أو مقدرة الشّخص، المجموعة، أو الجهات المنشقّة.
المصدر (لمزيد من القراءة والمعلومات): Hockenbury, Don H., and Sandra E. Hockenbury. Psychology. New York: Worth, 2008