بعد موجة من ارتفاع الأسعار وارتفاع أسعار الفائدة، سمحت كريستين لاجارد لنفسها هذا الأسبوع بلحظة من التفاؤل.

قالت رئيس البنك المركزي الأوروبي يوم الأربعاء: «من الواضح أننا نشهد علامات انتعاش». وأضافت أن سوق العمل «الهائل» سيقابله انتعاش، مع أنه «خجول» في البداية، فإنه سيتطور خلال عام 2024.

كانت لهجتها المطمئنة -التي انعكست في مكان آخر في واشنطن المشمسة خلال اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي- مفهومة. أدى ازدهار الاقتصاد الأمريكي، وارتفاع الطلب المحلي في الهند، وتضاؤل ضغوط الأسعار في أماكن أخرى إلى تقليل فرص حدوث ركود عالمي إلى ما يقرب من الصفر. يتوقع صندوق النقد الدولي الآن نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 3.2% هذا العام، ارتفاعًا من 2.9% المتوقعة قبل ستة أشهر.

يقول مسعود أحمد، رئيس مركز التنمية العالمية، المسؤول السابق في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي: «كان المزاج هذه المرة أكثر إيجابية بقليل. التوقعات الاقتصادية على المدى القريب أفضل قليلًا».

مع ذلك، فإن أي احتفالات بالهبوط السهل الواضح بين محافظي البنوك المركزية والوزراء في واشنطن خُففت بشدة بفعل عاملَيْن.

الأول هو الاحتمال المتزايد بأن ضغوط الأسعار المضطربة في الولايات المتحدة ستُبقي أسعار الفائدة على الاحتياطي الفيدرالي، ومن ثم تكاليف الاقتراض العالمية، أعلى فترةً أطول. ما من شأنه أن يضرب الأسواق الناشئة بمبالغ كبيرة من الديون بالدولار، ويعقد خطط البنك المركزي الأوروبي والبنوك المركزية الأخرى لخفض أسعار الفائدة الخاصة بها، وإن أصروا على أنها لن تتأثر بالمداولات في واشنطن.

كانت السحابة الأكبر في الأفق بمثابة تكهن قاتم بتزايد لتوقعات النمو العالمي لبقية العقد. حذرت كريستالينا جورجيفا، المديرة الإدارية لصندوق النقد الدولي، قبل الاجتماعات، من أن الاقتصاد العالمي معرض لخطر الوقوع في «العشرينيات الفاترة»، إذا لم تتغير السياسات جذريًا.

التوقعات متوسطة الأجل في تقرير الاستقرار المالي العالمي للصندوق، الذي يُظهِر أين يعتقد المسؤولون أن النمو سيكون بعد خمس سنوات من الآن، هي الأدنى منذ عقود. وجد الصندوق أنه بحلول نهاية عشرينيات القرن الحالي، سينخفض النمو العالمي بأكثر من نقطة مئوية مقارنةً بمتوسط ما قبل الوباء.

ما يكمن وراء الكساد هو مزيج من الإنتاجية الضعيفة، وتراجع العولمة، ونتائجها الطبيعية المتكررة من الاضطرابات الجيوسياسية.

حذرت جورجيفا من أن هذا المزيج السام من شأنه أن يجر النمو إلى مستويات متدنية، ما يزرع بذور «السخط الشعبي» مع السياسة السائدة. ويتجلى الخطر خصوصًا في البلدان الفقيرة، التي من المرجح أن تتراجع أكثر عن نظيراتها في الأسواق الناشئة والاقتصادات المتقدمة.

يرتكز تشاؤم الصندوق على وجهة نظر مفادها أن سنوات من أسعار الفائدة المنخفضة في أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008 أدت إلى سوء تخصيص رأس المال الذي جعل الشركات غير فعالة في الأعمال التجارية وأوقف الاستثمار في أنشطة واعدة ومربحة.

مع انخفاض الاستثمار، كانت النتيجة تباطؤ نمو الإنتاجية في العديد من الاقتصادات الكبيرة، لا سيما الاتحاد الأوروبي. ويخشى المسؤولون من أن البلدان، خاصة تلك التي تعاني شيخوخة السكان وتقليل مساحة التملص في الميزانية، ستكافح لعكس هذا الاتجاه.

يقول دونالد كون، النائب السابق لرئيس بنك الاحتياطي، إن الخلفية العالمية من المرجح أن تظل أكثر جمودًا مقارنةً بالظروف المشاهدة في العقود الأخيرة. يقول: «رأينا سلسلة كاملة من صدمات العرض الإيجابية خلال التسعينيات والعقد الأول من القرن الحالي، مثل سقوط الستار الحديدي، واندماج أوروبا الشرقية، ودخول الصين إلى منظمة التجارة العالمية».

الآن هذه الصدمات الإيجابية لم تعد موجودة. بدلًا من ذلك، يعاني الاقتصاد العالمي الاضطرابات متضمنةً الوباء والحروب. «من الواضح أن هذه أخبار سيئة للاقتصاد العالمي».

أيضًا، تضاءلت الزيادة الكبيرة في المعروض العالمي من العمالة التي شوهدت في العقود السابقة، ما أدى إلى زيادة الضغوط على التكاليف والأسعار. يضيف كون: «يجب أن تواجه البنوك المركزية ذلك».

مصدر قلق كبير آخر للحضور هو تجزئة النظام التجاري العالمي، إذ تلجأ الدول- متضمنةً أكبر اقتصادين في العالم، الولايات المتحدة والصين- بتزايد إلى التعريفات والإعانات لحماية المصالح المحلية.

يخطط المرشح الجمهوري المفترض للرئاسة الأمريكية دونالد ترامب لفرض تعريفة بنسبة 10% على جميع الواردات، وهو اقتراح انتقدته المدير العام لمنظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونجو إيوالا.

وقالت في حدث بمعهد بيترسون: «آمل بصدق ألا يحدث ذلك. إذا حدث ذلك، فإن الأعضاء الآخرين سيحافظون على هدوئهم ولن ينتقموا حتى نتمكن من الحفاظ على نظام التجارة العالمي».

لكن المزاج السائد في واشنطن متشدد على الجانبين. قال الرئيس جو بايدن إنه يريد مضاعفة الرسوم الجمركية على الصلب الصيني ثلاثة أضعاف.

على هامش الاجتماع، اتهم آخرون أمثال صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية بإهمال الخاسرين من حملة ما بعد الحرب العالمية الثانية لإنشاء نظام اقتصادي عالمي يفضّل النخب.

يقول إيان بريمر، مؤسس مجموعة أوراسيا: «لم تكن المشكلة على مدى السنوات الخمسين الماضية هي العولمة، بل كانت القرارات التي اتخذها عدد صغير من المستفيدين، التي كانت قوية للغاية». لن ننتبه إلى حقيقة إن العقد الاجتماعي يتآكل.

حذر من أن سد فجوة الإنتاجية سيتطلب تفكيرًا جديدًا. ستيفن فإن واينبرج، وزير المالية الهولندي، يردد رسالته بأن الحكومات يجب أن «تجد محركات جديدة للنمو». قد يشمل ذلك جعل العمال أكثر انجذابًا لقضاء ساعات أطول في وظائفهم، كما قال لصحيفة فاينانشيال تايمز.

المزيد من الهجرة- وهو عامل مثير للجدل سياسي، قال الكثيرون في الاجتماعات إنه يقع في قلب الأداء الرائع للاقتصاد الأمريكي- رُوّج له أيضًا في واشنطن وسيلةً لاستعادة النمو العالمي. اقترح آخرون هنا أن الجهود المبذولة لتعزيز الاستثمار في المهارات الرئيسية ومشاركة المرأة في سوق العمل قد تعزز الإنتاجية، إلى جانب إمكانات توفير الوقت للذكاء الاصطناعي التوليدي.

مع ذلك، كان الرأي السائد في اجتماعات الربيع أنه قد لا يتبقى الكثير من الوقت أو المساحة لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية لتغيير المد.

ما يجعل الوضع صعبًا للغاية هو القوة المالية المتدنية التي تمتلكها العديد من البلدان تحت تصرفها. لا يزال محافظو البنوك المركزية في الولايات المتحدة وخارجها، خائفين من أسوأ نوبة تضخم منذ أجيال، محذرين بشأن خفض أسعار الفائدة وخفض تكاليف اقتراض الحكومات.

يقول فإن وينبرج إن الجمع بين «الكميات المذهلة من الاستثمار» اللازمة للنمو المستقبلي و«المالية العامة السليمة والمستدامة يتطلب خيارات». «هناك تحدٍ كبير أمامنا هنا». كانت الولايات المتحدة في قلب مخاوف العديد من كبار صناع السياسة. ومن المتوقع أن يسجل الصندوق عجزًا ماليًا بنسبة 7,1% العام المقبل -أكثر من ثلاثة أضعاف متوسط 2% للاقتصادات المتقدمة الأخرى- في حين يعتقد مكتب الميزانية في الكونجرس أن مدفوعات الفائدة الصافية ستتجاوز تريليون دولار بعد 2026.

يعتقد العديد من الاقتصاديين أن وضع الميزانية سيستمر في التدهور، مع وجود فئة من صانعي السياسة لا تظهر رغبة واضحة في كبح جماح الاقتراض بصرف النظر عن نتيجة الانتخابات الرئاسية.

المخاوف لا تتوقف مع الولايات المتحدة. من المقرر أن تسجل الصين، التي تكافح خطر الانكماش وضعف النمو، عجزًا بنسبة 7.6% عام 2025، أكثر من ضعف متوسط 3.7% للأسواق الناشئة الأخرى.

يعتقد البعض أن الخطر يكمن في أنه في بيئة من الصدمات المتكررة -تتراوح من الحروب إلى الأوبئة- ربما أصبحت السلطات أكثر مهارة في تجاهل مخاطر الميزانية المتزايدة بدلًا من معالجتها.

يقول أحمد، من مركز التنمية العالمية: «هناك تسامح واستعداد للتعايش مع هذه المخاطر. قرأ الناس أن هناك عجزًا هائلًا في الولايات المتحدة ويعتقدون أن هذا صحيح. ولكن بعد ذلك استمروا في حياتهم».

تضاءل القلق بشأن الآفاق الاقتصادية بشكل أكبر نظرًا إلى عدم وجود هبوط شديد مدفوع بزيادات متكررة في أسعار الفائدة. ويضيف أحمد: «الناس أقل قلقًا بشأن المدى القريب الآن».

مع ذلك، نظرًا للقوى التي تقف في طريق النمو القوي في السنوات المقبلة، فقد تكون الراحة الاقتصادية الحالية عابرة بشكل محبط. وقالت جورجيفا إن المسار الهبوطي في توقعات النمو طويلة الأجل لصندوق النقد الدولي بدا وكأنه «منحدر تزلج. لا أريد ذلك للمستقبل».

اقرأ أيضًا:

إذا كنت تحصل على النصائح المالية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، احترس من المعلومات المضللة

هيونداي تعرض سياراتها للبيع مباشرة على أمازون

ترجمة: رهام الأشمر

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر