الاضطرابات النفسية مثل الشيزوفرينيا واضطراب ثنائي القطب، غالبًا ما تحدث في عوائل.
في تعاون عالمي جديد، نظر الباحثون إلى الاتصالات الجينية بين هذه الاضطرابات واضطرابات أخرى للدماغ على مقياس يتجاوز الأعمال السابقة في نفس هذا الموضوع. قال الفريق أن الاضطرابات النفسية تشترك في العديد من المتغيرات، في حين تبدو الاضطرابات العصبية (مثل باركنسون أو ألزهامير) أكثر اختلافًا.
تم نشر هذا البحث الأسبوع السابق في دورية Science، تنظر هذه الدراسة بصورة أوسع حول كيف من الممكن للاختلافات الجينية أن ترتبط باضطرابات الدماغ. أظهرت النتائج أن للاضطرابات النفسية العديد من التشابهات المهمة على المستوى الجزيئي، وهو الأمر الذي لا تظهره معايير التشخيص الحالية.
قاد هذه الدراسة المؤلف المساعد بين نيل، مدير الوراثة السكانية في مركز ستانلي لمعهد Broad التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وآيدن كورفن، أستاذ جامعة ترينيتي في دوبلن، مع الكاتب الأول فيرنيري أنتيلا.
يقول نيل: «أدى هذا البحث إلى إعادة تشكيل الطريقة التي ننظر بها إلى هذه الاضطرابات. إذا تمكنا من كشف التأثير الجيني وأنماط التداخل بين مختلف الاضطرابات، سوف نستطيع فهم أسباب هذه الحالات بصورة أفضل؛ وقد نتعرف على الآلية المناسبة لعلاجها».
اكتشاف الاتصالات البيولوجية هو بمثابة تحدٍ. الدماغ عضو مراوغ ولا نستطيع دراسته بصورة مباشرة، ولأن اضطرابات الدماغ تكون مصاحبةً لأمور أخرى، من الصعب معرفة أي الأعضاء تؤثر على الأخرى.
ولفحص التداخل البيولوجي بين هذه الاضطرابات، يجب على الباحثين الاعتماد على علم الوراثة. فيما يخص الدراسة الحالية، قامت جمعيات دولية بجمع بيانات لغرض دراسة الأنماط الجينية لـ 25 مرضًا نفسيًا وعصبيًا. ولأن كل متغير جيني يساهم بنسبة صغيرة لتطوير اضطراب ما، تطلب البحث حجمًا هائلًا من العينات لفصل الإشارات التي يمكن الاعتماد عليها عن تلك غير المؤثرة.
درس الباحثون مقدار التداخل الجيني بين الاضطرابات المختلفة باستخدام دراسة الترابطات في كامل الجينوم (GWAS) لـ 265,218 مريضًا و784,643 كمجموعة ضبط. وكذلك قاموا بفحص العلاقة بين اضطرابات الدماغ و17 مقياسًا جسديًا وإدراكيًا، مثل سنوات التعلم، بين 1,191,585 شخصًا. احتوت قاعدة البيانات على كل اضطرابات الدماغ الشائعة التي استطاع العلماء التعرف عليها مع وجود عينات كافية.
يقول أنتيلا: «كان هذا جهدًا غير مسبوق في مشاركة البيانات، من مئات الباحثين حول العالم، من أجل تطوير فهمنا للدماغ».
أظهرت النتائج تداخلًا جينيًا واسع المدى ضمن الاضطرابات النفسية المختلفة، وخصوصًا بين اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط، اضطراب ثنائية القطب، اضطراب الاكتئاب الحاد، والشيزوفرينيا. أظهرت النتائج كذلك تداخلًا بين القهم العصبي والوسواس القهري، وكذلك بين الوسواس العصبي ومتلازمة توريت.
وعلى العكس، بدت الاضطرابات العصبية مثل مرض باركنسون والتصلب المتعدد مختلفةً عن بعضها البعض وعن الاضطرابات النفسية الأخرى، ما عدا الشقيقة، التي كانت مرتبطةً جينيًا باضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط، اضطراب الاكتئاب الحاد، ومتلازمة توريت.
طبقًا للباحثين، تظهر الدرجة العالية من الارتباط الجيني بين الاضطرابات النفسية أن الفئات السريرية الحالية لا تعكس البيولوجيا الأساسية بدقة. يقول نيل: «التقليد المتمثل برسم هذه الخطوط الحادة عندما يتم تشخيص المريض هي غالبًا لا تتبع الواقع، فالآليات الموجودة في الدماغ من الممكن أن تسبب تداخلًا في الأعراض».
وكمثال افتراضي، آلية واحدة مُنَظِمة للتركيز من الممكن أن تكون مسؤولةً عن قلة التركيز في اضطراب نقص الانتباه/فرط النشاط وقلة الوظائف التنفيذية في الشيزوفرينيا. اكتشاف المزيد من الاتصالات الجينية مثل هذه من الممكن أن يساعد في اكتشاف أنماط سريرية موروثة جديدة وإعلام التطورات الجديدة في العلاج واختياره للمرضى.
بالإضافة إلى هذا، ضمن مقاييس إدراكية، تفاجأ الباحثون لمعرفة أن العوامل الجينية التي تعرض الأشخاص إلى اضطرابات نفسية معينة، وخاصةً فقدان الشهية، التوحد، اضطراب ثنائي القطب والوسواس القهري، كانت مرتبطةً بصورة كبيرة مع المقاييس الإدراكية العليا في الطفولة، والتي تتضمن سنينًا أكثر في التعليم المدرسة والجامعي. الاضطرابات العصبية، وخاصةً الزهايمر والسكتة الدماغية، كانت مرتبطةً بصورة سلبية بنفس المقاييس الإدراكية.
يقول أنتلا: «كنا متفاجئين لأن العوامل الوراثية لبعض الاضطرابات العصبية، والمرتبطة بصورة طبيعية بكبار السن، كانت مرتبطةً بصورة سلبية بالعوامل الوراثية المؤثرة على المقاييس الإدراكية المبكرة. ومن المفاجئ أيضًا هو أن العوامل الوراثية المرتبطة بالعديد من الاضطرابات النفسية كانت مرتبطةً إيجابيًا مع التحصيل الدراسي. سنحتاج إلى المزيد من الأبحاث وعينات أكثر لفهم الاتصالات هذه».
سهلت الجمعية الوصول لبياناتها على شبكة الإنترنت عن طريق تحميلها بصورة مجانية أو باستخدام تطبيقات. وسيقوم الباحثون بدراسة صفات إضافية ومتغيرات جينية أخرى ليكتشفوا هذه الأنماط أكثر، هادفين لاكتشاف الآلية المسؤولة والرابط المحتمل بين هذه الاضطرابات.
- ترجمة : سنان حربة
- تدقيق: أحلام مرشد
- تحرير: أحمد عزب
- المصدر