أثر الاستثمار المستدام
يمكن للاستثمار الأجنبي المباشر أن يلعب دورًا هامًّا في تحقيق خطة التنمية المستدامة لعام 2030، إذ تساهم التدفقات الاستثمارية في تطوير الواقع التنموي للدولة عبر زيادة رأس المال وفرص العمل والصادرات والخيارات أمام المستهلكين، بالإضافة إلى جلب التكنولوجيا المتطورة والخبرات الإدارية ما يساهم في رفع النمو الاقتصادي.
شرعت 70 دولة عام 2017 بوضع خطة لدى منظمة التجارة الدولية بهدف صياغة اتفاقية جديدة لتسهيل الاستثمار بهدف التنمية، وبدأت المفاوضات بعد 3 سنوات في الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي عام 2020 في دافوس حيث ساندت 98 دولة هذه الخطة. مع بداية عام 2023، ساهمت أكثر من 110 دولة في صياغة مسودة اتفاقية من شأنها تسهيل الاستثمارات في جميع القطاعات الاقتصادية.
رفد المنتدى الاقتصادي العالمي الجهود السابقة بهيئة استشارية بالتعاون مع مركز التجارة الدولي-International Trade Centre والمعهد الألماني للتنمية والاستدامة- German Institute of Development and Sustainability، وحصلت هذه الهيئة على بيانات من المستثمرين والمسؤولين عن تشجيع الاستثمار والخبراء في مجال إجراءات تسهيل الاستثمار، ما أدى إلى مشاركة وجهات النظر العملية حول ما يجب فعله بهدف زيادة التدفقات الاستثمارية وآثارها التنموية على أرض الواقع.
نجم عن تعاون المنظمات الدولية والشركات ومؤسسات المجتمع المدني اتفاق عالي الجودة بين الدول يتضمن الالتزام في:
- شفافية القوانين.
- تبسيط الإجراءات.
- التنسيق الاقتصادي بين الدول.
- ابتكار أدوات مساعدة مثل برامج النهوض بالموردين وقواعد بيانات الموردين بهدف زيادة القدرة الإنتاجية والمواءمة بين الشركات ورأس المال.
ما التحدي أمام الاستثمار المستدام؟
يلزم الاتفاق من أجل تحرير رأس المال المُجمَّد، وتكمن المشكلة في أن، رغم وجود رأس المال، فهو لا يصل إلى المتجمعات والمشاريع التي تحتاجه.
نما رأس المال المستدام عام 2021 على الرغم من اختلالات الأسواق الناجمة عن جائحة كوفيد-19، وارتفعت قيمة المنتجات الاستثمارية المتعلقة بالاستدامة بنسبة 63% لتصبح 5.2 ترليون دولار، ولكن ما تزال نسبة 95% منها موجودة في الدول المتقدمة، ما يعد دليلًا واضحًا على ضرورة دعم الجهود نحو تسهيل التدفقات الاستثمارية المستدامة إلى الأسواق الناشئة والدول النامية.
مع إبطاء وتيرة العمل بسبب إجراءات الحجر الصحي، انخفضت قيمة مجمل الاستثمار الأجنبي المباشر عالميًّا بنسبة 35% عام 2020 قبل أن تعود للارتفاع عام 2021، ولكن قلّت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في الربع الثاني من عام 2020 بنسبة 31% من الربع الأول من العام ذاته بسبب الاضطرابات في قطاعات الأغذية والوقود والتمويل، ما يؤكد على ضرورة تعزيز جهود تسهيل الاستثمار بصفتها أداة لمواجهة هذه الاضطرابات.
نهج المنتدى الاقتصادي العالمي لتسهيل الاستثمار المستدام
يقود المنتدى الاقتصادي العالمي مشاريع تسهيل الاستثمار المستدام في عدة دول، وقد ساندت هذه المشاريع اتفاقية منظمة التجارة العالمية وأظهرت أنه يمكن للتعاون بين القطاعين الخاص والعام أن يحدد الإجراءات اللازمة لتسهيل الاستثمار بهدف التنمية ويساهم في تنفيذها، ومن بين هذه الدول:
1- كمبوديا: أنشأ المنتدى الاقتصادي العالمي بالتعاون مع مجلس تنمية كمبوديا أول قاعدة بيانات للموردين المحليين تدرس أبعاد التنمية، وتساعد هذه الأداة الشركات الأجنبية على العمل مع الشركات المحلية التي تعمل بنحو مستدام، وتساعد أيضًا في الموائمة بين رأس المال والاستثمارات المعنية بالبيئة والمجتمع والحوكمة، وتحفز هذه الأداة أيضًا الشركات المحلية للتوجه نحو العمل المستدام لكي تجذب التمويل الأجنبي.
أقرت كمبوديا عام 2021 قانون استثمار جديد يتضمن استخدام الحوافز الذكية للاستثمارات المرتبطة بالأهداف التنموية، وأصبحت قواعد بيانات الموردين أحد أجزاء اتفاقية منظمة التجارة الدولية الجديدة.
2- غانا: يتعاون المنتدى الاقتصادي العالمي مع مركز ترويج الاستثمار في غانا ويعملان مع المستثمرين بهدف تبني معايير للاستثمار المستدام.
أنشأت غانا، باستخدام القانون الضريبي، فئة “المستثمر المستدام المعتمد”، أي المستثمرين الذين يتعهدون باتباع مبادئ السلوك المسؤول للأعمال وبالاستثمار بنحو مستدام، ما يؤهل أولئك المستثمرين على الحصول على دعم إضافي يتضمن الحصول على الموافقات بوقت مختصر و” قناة خضراء” للاستيراد والتصدير وبرعاية خاصة، وتضمن اتفاق منظمة التجارة الدولية الجديد السلوك المسؤول للأعمال والشفافية في الحوافز.
3- كينيا: تعاون المنتدى الاقتصادي العالمي مع هيئة الاستثمار في كينيا لتسليط الضوء على الشركات المستدامة ودراستها، وتعمل المنظمات الريادية في القطاعين العام والخاص لخلق آليتين جديدتين لزيادة الاستثمارات المستدامة، الآلية الأولى هي برنامج سفير الاستثمار المستدام، ويهدف هذا البرنامج إلى تسليط الضوء على الاستثمارات المستدامة ودعمها، أما الآلية الثانية فهي مقياس الدولة للاستثمار المستدام، الذي يقيس التقدم على صعيد هذه الاستثمارات ويشجع نموها على المستوى المحلي.
من الجدير بالذكر إن اتفاقية منظمة التجارة الدولية الجديد يتضمن التعاون على تسهيل الاستثمارات والإشراف على التنفيذ، ومن المتوقع إصدار هذه الاتفاقية قريبًا.
اقرأ أيضًا:
ذروة التضخم ومعضلة البنوك المركزية
أربعة أيام عمل في الأسبوع، هل هي جيدة حقًا؟
ترجمة: كميت خطيب
تدقيق: دوري شديد