الأدوية المستخدمة للوقاية من السكتة الدماغيَّة، هل هي آمنة وفعَّالة؟
اُعتبِر (الوارفارين- Warfarin) وعلى مدى عقودٍ من الزمن الدواء الوحيد الذي يمكن أخذه عن طريق الفم بغية الوقاية من «التخثُّر»، وبالتالي بهدف التقليل من خطر الإصابة بالسكتة الدماغيَّة المصحوبة برجفان أذيني*(1).
ويَعرف مَن يستخدم «الوارفارين» ما يستلزمه هذا الاستخدام من متابعةٍ منتظمةٍ كإجراء فحوصات دمٍ دوريَّة بهدف مراقبة تأثيره على الجسم ككُل، نظرًا للتفاعلات التي يمكن أن تحصل بين هذا الدواء «الوارفارين» وبين أدويةٍ أخرى، وكذلك بينه وبين قسمٍ كبيرٍ من الأطعمة.
فما الحلُّ إذًا؟
تمَّ تطوير أدوية جديدة يمكن أخذها عن طريق الفم، وهي تُعالج الرجفان الأذيني ولكنَّها لا تتعارُ مع الفيتامين «ك» وبالتالي فإنَّ هذه الأدوية تُشكِّلُ ثورةً في مجال العناية بمرضى الرجفان الأذيني.
هل تمَّ إثبات فعاليَّة هذه الأدوية بالمقارنة مع الــ «الوارفارين»؟
قارنت دراسة نُشِرت عبر الإنترنيت في صحيف «Chest» بين مدى فعاليَّة وأمان ثلاثة أدوية مختلفة تُستخدم لعلاج مرض الرجفان الأذيني، ولكنَّها لا تتعارض مع الفيتامين «ك» ]]أُطلِقت تسمية «NOAC» على هذه الفئة من الأدوية، وعبارة «NOAC» هي اختصارٌ لـــ (Non – vitamin K antagonist oral anticoagulant) أي الأدوية التي تؤخذ عن طريق الفم، والتي تمنع تخثُّر الدم دون أن تتعارض مع الفيتامين «ك»[[، وأسماء هذه الأدويةِ الثلاثة هي : (دابيغاتران- Dabigatran)، (ريفاروكسيبان- Rivaroxaban)، و(أبيكسابان- Apixaban).
إلامَ توصَّلت هذه الدراسة؟
يقول أحد الأطباء المشاركين في هذه الدراسة المقارِنة: «تتجمَّع لدينا عدَّة معطيات مأخوذة بشكل عشوائي من تجارب عياديَّة عديدة، وتؤكِّد هذه المعطيات أنَّ هذه الأدويةَ الجديدة قد استطاعت، وبالحد الأدنى، أن تُعطي نتائج أفضل من الوارفارين في الوقاية من السكتة الدماغيَّة الناتجة عن مرض الرجفان الأذيني».
كيف تمَّت هذه الدراسة؟
يجيب الطبيب المُشارك والمسؤول عن هذه الدراسة: «أخضعنا المرضى الذين يتناولون هذه الأدوية لفحوصاتٍ عديدة بغية مراقبة احتمال حدوث السكتات الدماغيَّة، وكذلك بهدف ملاحظة معدَّلات النزيف وهذا ما ساعدنا على إجراء المقارنة المُستندة إلى المعاينات السريريَّة».
كيف تتفوَّق الأدوية الجديدة الثلاثة على «الوارفارين»؟
تتفوَّق هذه الأدوية على «الوارفارين» في بعض الفوائد، إذ أنَّ:
- نتائجها تظهر سريعًا.
- كما أنَّها تُساهم في «تنظيف» الجسم خلال مدَّةٍ زمنيَّةٍ قصيرةٍ نسبيًّا.
- بالإضافة إلى عدم حاجة المرضى الذين يتناولونها إلى إجراء فحوصات دمٍ مكثَّفة.
ولكن لم يتم تحقيق أيَّة استنتاجاتٍ جازمة حول مدى فعاليَّة وأمان هذه الأدوية، ولذلك يأمل الفريق الطبي الذي قام بهذه الدراسة المقارِنة أن يصل إلى معلوماتٍ ذات قيمةٍ علميَّةٍ عاليةٍ تمكنِّهم من التواصل بشكلٍ أفضل مع مرضاهم وكذلك من اتَّخاذ القرارات اللازمة المختصَّة بعلاجهم.
هل توقَّف الباحثون هنا؟
كلا، فقد تمكَّن الباحثون لاحقًا من استخدام بيانات حوالي الآلاف من المرضى (من تشرين الأول/أكتوبر 2010 وحتى شباط/فبراير2015) بهدف تحديد مدى فعاليَّة وأمان كُلِّ دواء من هذه الأدوية الثلاثة المستخدمة «دابيغاتران و ريفاروكسيبان وأبيكسابان».
وقد قُسِّم المرضى الذين اعتمد الباحثون على بياناتهم على النحو التالي:
- 31574 مريضًا يتناولون دواء «ريفاروكسيبان» أو دواء «دابيغاتران».
- 13084 مريضًا يتناولون دواء «أبيكسابان» أو دواء «دابيغاتران».
- 13130 مريضًا يتناولون دواء «أبيكسابان» أو دواء «ريفاروكسيبان».
كيف تمَّ تحديد مدى فعاليَّة ومدى أمان الدواء؟
تمَّ تحديد مدى فعاليَّة كُلِّ دواء من هذه الأدوية الثلاثة من خلال ملاحظة ما إذا كان المرضى الذين يتناولونه عانوا من سكتاتٍ دماغيَّةٍ أو من انسدادِ وعاءٍ دموي خلال فترة تناوله.
وتمَّ تحديد مدى أمان هذا الدواء من خلال ملاحظة ما إذا كان المرضى الذين يتناولونه قد عانوا من نزيفٍ ما خلال فترة تناوله.
ما النتائج التي توصَّل إليها الباحثون؟
توصَّل الباحثون إلى عدم وجود أيّ اختلافٍ ذي معنى بين هذه الأدوية الثلاثة فيما يخض خطر السكتة الدماغيَّة وكذلك فيما يخص خطر انسداد الأوعية الدمويَّة.
ولكنَّهم لاحظوا أنَّ المرضى الذين كانوا يتناولون الـــ «أبيكسابان» تمتَّعوا بمعدلات نزيفٍ أقل مقارنةً بأولئك الذين تناولوا الــ «ريفاروكسيبان» أو الــ «دابيغاتران»، هذا بالإضافة إلى أنَّ الــ «ريفاروكسيبان» سجَّل معدلات نزيفٍ (ونزيفٍ داخل الجمجمة) أكثر من تلك المسجَّلة من قِبَل الــ «دابيغاتران».
هل من دراساتٍ إضافيَّة؟
يُذكر أنَّ دراسة إضافيَّة (قام بها فريقٌ آخر من الباحثين) نُشِرت في شهر حزيران/يونيو في دوريَّة الجمعيَّة الأميركيَّة للقلب قد بيَّنت وجود اختلافٍ بين كُل واحدٍ من هذه الأدوية الثلاثة «دابيغاتران، ريفاروكسيبان، أبيكسابان» وبين «الوارفارين» حيث أكَّدت هذه الدراسة أنَّ:
المرضى الذين تناولوا الــ «أبيكسابان» قد سجَّلوا معدَّلات نزيفٍ وسكتاتٍ دماغيَّة بنسبة أقل من المرضى الذين تناولوا الــ «الوارفارين».
المرضى الذين تناولوا الـ «دابيغاتران» قد سجَّلوا معدَّلات نزيفٍ أقل مقارنةً بالمرضى الذين تناولوا الــ «الوارفارين»، ولكنَّهم سجَّلوا نفس معدَّلات السكتات الدماغيَّة.
المرضى الذين تناولوا الـ «ريفاروكسيبان» لم يظهروا أيَّ اختلافٍ ذو معنى في معدَّلات السكتات الدماغيَّة وفي معدَّلات النزيف مقارنةً بالمرضى الذين تناولوا الـ «الوارفارين».
هل يمكن اعتبار هذه النتائج حاسمة؟
يجيب الطبيب المشارك والمسؤول عن هذه الدراسة: «لا تزال قرارات العلاج الفرديَّة بيد المرضى، وبيد مَن يتوَّلى خدمَتهم، وبالرغم من ذلك فإنَّ هذه النتائج ستساعدني – كطبيب – في علاج المرضى الذين يقصدونني وآمل أن تُساعد زملائي الأطباء كذلك».
ويختم مستنتِجًا وموكِّدًا: «أثبتت لنا المعطيات التي اعتمدنا عليها أنَّ المرضى الذين تناولوا الـ «أبيكسابان» قد سجَّلوا حوادث نزيفٍ أقل، في حين سجَّل الـ «ريفاروكسيبان» معدلات نزيفٍ أعلى من الدوائين الآخرين.
وكذلك فإنَّ النتائج المُحقَّقة من قِبَل الـ «أبيكسابان» كانت أعلى من تلك المحقَّقة من قِبل الوارفارين».
*(1) الرجفان الأذيني: هو أحد اضطرابات بضربات القلب، وهو ناتجٌ عن تشكُّل وانتقال عشوائي للشارة الناقلة في حجرتي الأذينين «Atriums» في القلب، مِمَّا يؤدي إلى تسارعٍ في ضربات القلب وإلى نشأة تخثُّراتٍ دمويَّة يمكنُ أن تكون السبب في حدوث سكتةٍ دماغيَّة.
ترجمة: هنادي نصرالله
تدقيق: هبة فارس
المصدر