ينتمي جميع البشر الحاليين على وجه الكرة الأرضية إلي نوع هومو سابينس أو الإنسان العاقل Homo sapiens؛ وهو اسم لاتيني الأصل. كرومانيون Cro-Magnon Man هو اسم آخر شائع أطلق على الإنسان الحديث الذي سكن أوروبا قبل نحو 40.000 إلى 10.000 سنة.
نشأ الإنسان العاقل في أفريقيا قبل 300 ألف سنة في فترة حدث بها تغير هائل للمناخ. مثلهم مثل البشر الأوائل الآخرين الذين عاشوا في ذلك الوقت فقد كانوا يجمعون غذائهم ويصطادون، كما طوروا سلوكيات ساعدتهم على الاستجابة للتحديات التي واجهتهم للنجاة في بيئات غير مستقرة.
اكتشفت حفريات النوع الأول من جنسنا (الإنسان العاقل القديم) جميعها في أفريقيا، بينما حفريات الإنسان العاقل الحديث عُثر عليها في أفريقيا ومناطق أخرى عدة عبر معظم أنحاء العالم.
تطور الإنسان الحديث
تؤكد الحفريات والحمض النووي أن الإنسان كائن واحد ضمن أكثر من 200 نوع ينتمي إلى عائلة الرئيسيات، يتداخل الإنسان بتلك المجموعة الكبيرة إلى مجموعة القردة العليا أو البشرانيات، وعلى الرغم من عدم تطور الإنسان من القردة الحاليين فإننا نشارك الشمبانزي والغوريلا وإنسان الغاب -orangutans خصائصهم.
تطور الإنسان العاقل -وفقًا للحفريات في أفريقيا- من نوع إنسان هايدلبيرغ Homo heidelbergensis إلى الإنسان العاقل القديم archaic Homo sapiens، ثم إلى الإنسان العاقل الحديث المبكر early modern Homo sapiens.
توجد صعوبة في وضع بعض الأنواع الانتقالية تحت مسمى نوع معين؛ نظرًا لامتلاكها مزيجًا من السمات التي تظهر بوضوح في أحجام وأشكال الجبهة والقوس الحاجبي والوجه؛ لذا اقترح البعض اسم إنسان هيلمي Homo helmei ليشمل الأنواع الوسطى التي كانت على حافة أن تكون حديثة.
تشريح الجمجمة
يمكن تمييز البشر الحاليين ببنية هياكل عظمية أقل قوة من البشر السابقين، وأدمغة كبيرة اختلف حجمها من شعب إلى آخر، وبين الرجال والنساء. لكن بلغ متوسط الحجم 1350 سم مكعب، ما يشغل 2.2% من وزن الجسم. تطلب هذا الحجم الكبير إعادة تنظيم شكل الجمجمة؛ جمجمة رقيقة محدبة مرتفعة القحف ذات قاعدة قصيرة، وجبهة مسطحة عالية وعمودية إلى حد كبير، وأقواس حاجبية أدنى -إذا كانت موجودة- من تلك لدى الإنسان القديم، نتج كذلك عن ارتفاع القحف عدم وجود ضيق خلف تجويف العينين المربع.
تتميز الجمجمة باستدارة الجزء الخلفي؛ ما يشير إلى تقلص عدد عضلات الرقبة، ووجه صغير ذو عظمة أنف بارزة.
الفك والأسنان
ينفرد الإنسان العاقل بامتلاك ذقن بارزة، كما يمتلك فكًا أقل بروزًا؛ ما نتج عنه وجه يكاد يكون عموديًا، وأسنان صغيرة نسبيًا مقارنة بالأنواع السابقة، وتمكن ملاحظة ذلك بشكل أكبر في الأنياب والقواطع الأمامية.
لا توجد في الغالب مسافة بين الأضراس الأخيرة وعظمة الفك، وتوجد نتوءات متساوية الحجم بأسنان الضواحك الأمامية في الفك السفلي.
أثر قصر الفك على تنسيق الأسنان بداخله؛ إذ رُتبت في شكل مكافئ تتناثر فيه الأسنان نحو الخارج بدلًا من أن تظل متوازية كما في أسلافنا الأوائل ذوي الفك الطويل.
الأطراف والحوض
عظام الأطراف أقل سمكًا ومتانة من أنواع الإنسان السابقة وبالتالي أقل حجمًا، الأرجل طويلة نسبيًا مقارنة بالأذرع، والأصابع مستقيمة دون الانحناء الموجود عند أسلافنا الأوائل الأسترالوبيثيسين australopithecine.
المسافة بين الجانب والآخر بالحوض أضيق ويأخذ شكل وعاء أكثر عمقًا من الأمام إلى الخلف مقارنة بالأنواع السابقة.
ثقافة الإنسان العاقل
كان الإنسان العاقل المبكر ذا ثقافة بسيطة، على الرغم من تقدمها عن أسلافنا من الأنواع السابقة.
يظهر دليل نادر على وجود سلوك رمزي في عدد من المناطق الأفريقية منذ نحو 100 ألف سنة، ولكنها تبدو كوميض من الإبداع أكثر من كونها سلوكًا مستدامًا.
لم تظهر الثقافات المعقدة والمبتكرة إلى حد كبير حتى قبل 40 ألف سنة، وتضم السلوك الذي قد نعترف بكونه سلوكًا نمطيًا للإنسان في وقتنا هذا، ويعتقد العديد من العلماء أن ذلك يعود إلى حدوث تغيير في الإدراك البشري؛ فربما طور الإنسان قدرة أفضل على التواصل والتفكير الرمزي، أو التذكر.
على الرغم من وجود محاولات فنية سابقة، توجد أسباب أخرى طورت تلك الثقافة المعقدة؛ إذ تشير إحدى النظريات إلى أن حجم السكان وتركيبهم له دور رئيسي؛ إذ إن عدد السكان الكبير يحصد سمات ثقافية أكثر من المجموعات المنعزلة، ويعد التعلم الاجتماعي أكثر منفعة من الإبداع الفردي لتطوير ثقافة معقدة.
أدوات الإنسان العاقل
استخدم الإنسان العاقل في بداية الأمر أدوات صخرية مثل المقاشط والرقائق الحجرية. تطلب الأمر قدرة عالية على التفكير التجريدي والتخطيط القابل للتنفيذ، وصُنعت أعداد قليلة فقط من كل نواة (الحجر الأساسي المستخدم في الصناعة).
تطورت التقنيات ودخلت في الصناعة مجموعة أكبر من المواد الأساسية كالعظام وقرون الوعل. وانتجوا رقائق حجرية طويلة ونحيفة استطاعوا استخدامها كسكاكين ورؤوس حراب، ولاحقًا شفرات صغيرة صُنع بها أدوات مركبة كالسهام والرماح والمناجل.
استخدام الإنسان العاقل للنار
مكنت قدرة الإنسان العاقل العالية على التحكم بالنار سواء كانت صادرة من موقد أو من حفرة أو من قمين (نوع من أنواع الأفران الأولية) نوعه من النجاة في المناطق الباردة التي لم يقدر حتى إنسان النياندرتال المتكيف على درجات الحرارة الباردة أن يسكنها.
عُثر علي قمين في جمهورية التشيك يعود إلي 26000 سنة قد تصل الحرارة فيه إلى أكثر من 400 درجة مئوية.
استقرار الإنسان العاقل
سكن الإنسان العاقل الكهوف والمآوي الصخرية إذا عثر عليها. في الفترة الأخيرة، خاصًة في آخر 20000 سنة، عُززت المآوي الطبيعية بالجدران أو تعديلات أخرى بسيطة.
في المناطق المفتوحة شُيدت المآوي بإطارات من الأعمدة الخشبية وعظام الحيوانات كبيرة الحجم مثل الماموث، كانت تلك المنشآت على الأرجح مغطاة بجلود الحيوانات.
تميزت مناطقهم السكنية بكبر حجمها مقارنة بالمناطق التي شغلتها الأنواع السابقة، وأشارت مقارنة مع الشعوب التقليدية الحديثة إلى أن العشيرة تكونت من 25 إلى 100 فرد.
البيئة والنظام الغذائي
تكيف الإنسان العاقل الحديث على الحياة في المناطق الاستوائية، لكنهم شغلوا خلال آخر 40000 سنة سلسلة من البيئات امتدت عبر أفريقيا وأوروبا وآسيا وأستراليا، كما انتشروا في القارتين الأمريكيتين خلال أخر 20000 سنة.
كان الإنسان العاقل يصطاد الحيوانات البرية ويجمع النباتات، وبدأ في استئناسها قبل 11000 عام فقط. مع ذلك ظل الطعام البري ذا أهمية كبيرة في نظامهم الغذائي.
تعد أنواعنا قارتة omnivorous، أي تتغذى على النباتات والحيوانات، ما أتاح لنا الاستفادة من الموارد الغذائية الموجودة في البيئات المتنوعة التي سكنا بها.
المظهر الخارجي للإنسان العاقل
عثر على أول دليل مباشر على ارتداء الإنسان العاقل الملابس خلال الثلاثين ألف عامًا الماضية فقط؛ شمل أدوات متخصصة مثل الإبر، وزينة تمثلت في الأزرار والخرز المخيط بالملابس، وبقايا حيوانات أسرت من أجل فرائها مثل ثعالب وذئاب القطب الشمالي.
من الزينة غير المخيطة بالملابس العاج والعنبر، وقلادات من العظام والأسنان. استخدموا كذلك ألياف الكتان لنسج السلال والملابس، وصُبغ القليل منها. تشير تلك الزينة إلى أن الإنسان تخطى مجرد محاولة النجاة ووجه اهتمامه إلى مظهره.
الإنسان العاقل والفن
بدأ فن الكهوف قبل نحو 40000 سنة في أوروبا وأستراليا، صورت معظم اللوحات حيوانات أو كائنات روحية محتملة. لكن ظهرت العديد من العلامات في كهوف في فرنسا وأخرى في باقي أوروبا يجري الآن تحليلها إذ إنها ربما تكون رموزًا مألوفة للعديد من قبائل ما قبل التاريخ، خصوصًا مع ظهور 26 رمزًا مرارًا وتكرارًا عبر آلاف السنين أتى بعضها في أزواج ومجموعات وكأنها لغة بدائية، يعود تاريخ أقدم تلك الرموز إلى 36.000 سنة.
ظهر أول دليل على وجود الآت موسيقية قبل نحو 32000 سنة في أوروبا؛ مزامير من العظام تعود إلى العصر الحجري القديم، وصفارات من مناطق مختلفة في فرنسا يتراوح عمرها بين 10000 إلى 30000 سنة.
ظهرت التماثيل المنحوتة لأول مرة منذ نحو 35000 إلى 40000 سنة في أوروبا؛ إذ أشارت بقايا عُثر عليها في ألمانيا إلى أنها تعود على الأقل إلى 35000 سنة.
عُثر على قطع صبغة حمراء red orche في كهف في جنوب أفريقيا يعود أصلها من 80000 إلى 100000 سنة ممثلةً دليلًا على النقش، أو نوعًا من الفنون أو ببساطة علامات عرضية على الجدران وضعت في أثناء ممارسة نشاطات أخرى.
طقوس الدفن
كان الدفن عند الإنسان العاقل القديم بسيطًا وغير شائع قبل 40000 سنة، ثم أصبحوا أكثر تفصيلًا مع إدراج الممتلكات الثمينة مثل الأدوات وزينة الجسم. كما نُثرت الصبغة الحمراء فوق أجسام العديد من الجثث قبل دفنها.
انتشر البشر المعاصرون في جميع القارات وتوسعت أعدادهم بشكل كبير، وغيروا العالم إلى ما يتيح لهم استفادة هائلة. ولكن يصحب ذلك التوسع عواقب غير مرجوة للأنواع الأخرى وكذلك لأنفسنا، داعيًا لتحديات جديدة لبقاء الأنواع.
اقرأ أيضًا:
طوّر الإنسان العاقل بيئة ملائمة جديدة فصلته عن الأنواع الأخرى من البشر
هل يمكننا تتبع أصل الإنسان المعاصر إلى أي نقطة مفردة من الزمان أو المكان؟
هذا كل ما يعرفه العلم حتى الآن عن أصل البشر
ترجمة: سامية الشرقاوي
تدقيق: حنين سلَّام